بدأت "رهف شيخاني" السعي وراء شغفها بالموسيقا بالعزف على آلة البيانو، ولكن لقاءها مع آلة "الهارب" جعلها تصبّ اهتمامها بالتعرف أكثر عليها، وساعدتها معرفتها بالعزف على البيانو بالتناغم والانسجام مع الآلة الجديدة كونها تشبهها في بعض النواحي، الأمر الذي جعل الهارب هي الآلة التي تخرجت بها من المعهد العالي للموسيقا، وأكملت دراسات عليا في الأداء عليها وتدريبها.

وعن بداية "رهف شيخاني" في عالم الموسيقا بالعزف على آلة البيانو وابتعادها عن الموسيقا ودخولها كلية الفنون الجميلة تقول لـ"مدونة الموسيقا": «انضممت إلى دير الراهبات الإيطاليات لتعلم العزف على آلة البيانو، وبعد عامين انتقلت إلى المعهد العربي "معهد صلحي الوادي حالياً" وبدأت بالتدريب مع المدام "سلمى قصاب حسن" التي كان لها أسلوبها المميز بالتدريب، فهي تنشئ طلابها على فهم الموسيقا بدلاً من الحفظ والتكرار وهذا يساعد العازف على إعطاء عمق وإحساس للعمل الذي يقدمه، بعد فترة توقفت عن الموسيقا، وبدأت التحضير للدخول إلى كلية الفنون الجميلة، لكن الإحساس والحب والشغف للموسيقا لم يغادرني، فقد كنت متابعة لكل الحفلات الموسيقية وخاصة الأوركسترا الوطنية التي كانت لاتزال في بداية عهدها في ذلك الوقت وتقدم حفلاتها في قصر المؤتمرات، وقررت حينها العودة إلى الموسيقا واخترت آلة الهارب كونها جزءاً من الأوركسترا، ولأنني منذ كنت أتدرب على البيانو وأنا أراقب قاعة التدريب على آلة الهارب».

تجربة بولونيا والعزف على مسارح عالمية

وتتابع "رهف" الحديث عن عودتها للعزف واختيارها لآلة الهارب: «اخترت الهارب لأنه يشبه البيانو من عدّة نواحي، وأخبرت الأستاذ صلحي الذي رحب بالفكرة وأخذني إلى الخبيرة الروسية "نتاليا بافاييفا" وبدأت بالتدريب معها، وفي عام 1999 دخلت المعهد العالي للموسيقا وتخرجت عام 2004 اختصاص آلة الهارب وآلة ثانوية بيانو، لأعزف مع الفرقة السيمفونية الوطنية بمرافقة الخبيرة الروسية وإما أعزف الدور نفسه معها، أو دوراً مستقلاً في حال كان هناك دوران، وفي عام 2012 بدأت كعازفة منفردة على آلة الهارب بمرافقة الأوركسترا وقدمت أعمالاً موسيقية مع العديد من الموسيقيين، لأسافر بعدها وأحصل على درجة الماجستير في الأداء المنفرد على آلة الهارب من كونسيرفتوار سانتا تشيتشيليا في إيطاليا، وشهادة في تدريس العزف على آلة الهارب في مدارس الموسيقا من أكاديمية الموسيقا في بولونيا، وخلال فترة تواجدي في بولونيا وإيطاليا شاركت بالعزف مع العديد من الأوركسترات هناك، فقد كنت أعزف بشكل دوري مع أوركسترا كراكوف وأوركسترا الفيلهارموني، وعدّة مشاركات مع أوركسترا في إيطاليا وألمانيا».

1- رهف شيخاني

وعن تجربتها بالعزف مع أوركسترا خارج البلاد تقول "رهف": «العزف مع أوركسترا أجنبية أو أوروبية يعطي خبرة كبيرة خاصة وأن الأوركسترا في الغرب تعتبر من التقاليد لديهم، لذا اكتسبت العديد من الخبرات وأهمها الانفصال عن الظروف الخارجية التي يمرّ بها العازف والتي قد تؤثر على أدائه، فالكثير من الأوركسترات في الخارج لا تحتاج لأكثر من بروفة واحدة ومن ثم تقديم العرض في حين أن أول مشاركة لي مع أوركسترا خارجية احتجت إلى أربع بروفات للخروج للمسرح، وبالنسبة للجمهور فإن الجمهور في الغرب مستمع ويتقبل المعزوفات مهما كان الزمن الذي تنتمي إليه، بينما هنا يجب أن تختاري الوقت المناسب لتقديم المعزوفات».

تاريخُ آلةِ الهارب

وبالحديث عن تاريخ آلة الهارب تقول "رهف": «إن "الهارب" هو الاسم الحديث للآلة بالإنكليزية، ويطلق عليها اسم "آلبا" بالإيطالي، وجميعها تنحدر من الجذر نفسه، فقد مرقت الآلة بمراحل وأشكال مختلفة حتى وصلت لشكلها الحالي، فكانت "القيثارة، الكينارة، الكينورة" قديماً في البلاد العربية التي تعدّ مكان ولادة الآلة، والدليل أن التدوينة الموسيقية الأولى في أوغاريت تتحدث عن الغناء مع آلة مشابهة لها مؤلفة من تسعة أوتار، انتقلت الآلة بعدها نحو الغرب الذي عمل على تطويرها فأصبح لها العديد من الأشكال المختلفة ليكون "الهارب" هو الشكل الكلاسيكي للآلة الذي يعتبر جزء من الأوركسترا، والذي يؤلف لهم الملحنين».

2- شيخاني تمثل سوريا في اليوم العالمي لآلة الهارب

وعن أجزاء "الهارب" تتابع "رهف" الحديث: «تتكون الآلة الكلاسيكية من 47 وتراً، ويعتبر كل وتر نوتة، وكما هناك في البيانو مفاتيح بيضاء وسوداء، في آلة الهارب يصدر عن كل وتر أكثر من صوت ويتم التحكم بالأصوات عن طريق السبع دوسات المتواجدة في قاعدة الآلة، والتي تتصل مع الأوتار الظاهرة للآلة عن طريق أوتار يتم تمريرها خلال العمود الخلفي للآلة وفق ميكانيكية خاصة ومميزة، ويتم صناعة الأوتار الخاصة بالآلة من عدّة أنواع، فالأوتار الطويلة والتي تعطي الصوت الغليظ مصنوعة من المعدن، أما الأوتار المتواجدة في المنتصف مصنوعة من أمعاء الأبقار لأنها طرية وتعطي صوتاً أجمل، أما الأوتار القصيرة والأخيرة تصنع من الأمعاء ولكن بسبب تغيرات الحرارة وسرعة انقطاعها تتم صناعتها من النايلون، كما أن هناك آلات يتم صناعة جميع أوتارها من النايلون بما فيها الأوتار المصنوعة من المعدن لأنه يبقى لزمن أطول».

أما عن مواصفات عازف "الهارب" تتحدث "رهف": «يجب أن يمتلك العازف القدرة على فصل الحواس بدرجة كبيرة، لأنه أثناء العزف فإن ما تعزفه اليد اليمنى يختلف عما تعزفه اليد اليسرى، إضافة إلى أن القدمين تعمل على تحديد الإشارات الموسيقية، لذا تعتبر مهارة فصل الحواس من الأساسيات إضافة للتركيز والإبداع وتزامن العمل بين حركة اليدين والقدمين».

يذكر أن "رهف شيخاني" من مواليد دمشق 1979 خريجة كلية فنون جميلة عام 2000 اختصاص اتصالات بصرية وخريجة المعهد العالي للموسيقا عام 2004، نالت دبلوم تأهيل تدريس الطلاب على آلة الهارب عام 2016 من بولونيا، ودرجة الماجستير بالأداء المنفرد على آلة الهارب عام 2019 من إيطاليا.