قبل أعوام حصل عازف القانون "عمران عدره" على المركز الثالث في مهرجان كازاخستان لـ"موسيقا الشعوب"، بعد أن قدّم على آلة القانون، موسيقاهم التي يُؤدونها عادةً بواسطة آلةٍ شعبية تدعى "دومبرا"، خطوةٌ تُضاف إلى رصيده من الجوائز والمشاركات، التي صنعت مجتمعةً عازفاً مُحترفاً، بكل ما في الكلمة من ثقةٍ وكفاءة، فهو عضوٌ في الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية، وأستاذُ صف القانون في المعهد العالي للموسيقا، وأستاذٌ أيضاً في معهد صلحي الوادي للموسيقا، ويُدرّس حالياً "الموسيقا المعاصرة" في كلية "بيركلي" في إسبانيا.

أتاحت آلة القانون لـ"عدره" إثبات موهبته في العزف والتأليف، لكنها لم تفرض عليه اتجاهاتٍ موسيقية محددة، تتبع لخصوصيتها الشرقية، يقول في حديث إلى "مدوّنة الموسيقا": القانون من الآلات التقليدية والأساسية في تراثنا وموسيقانا العربية، إلا أنها في نفس الوقت، آلة ذات طابعٍ خاصٍ غنيٍّ ومرحبٍ به في مختلف أنماط الموسيقا، منذ بدايات تعلمي على آلة القانون لم يكن التوجه محصوراً في الموسيقا العربية فقط، حيث عزفت الموسيقا الكلاسيكية الشرقية والغربية على القانون، وكما هو معروف تلعب الموسيقا الكلاسيكية دوراً في صقل أسلوب العزف بطريقةٍ أكاديمية، هكذا جمعت مراحل دراستي لآلة القانون في دمشق بين الإحساس الطربي والمقامي الغني في الموسيقا العربية التقليدية، والتكنيك الكلاسيكي الشرقي والغربي عموماً.

ويرى عدره أن دراسته للموسيقا المعاصرة، أضافت له آفاقاً جديدة كعازف قانون ووسّعت مفرداته الموسيقية عموماً، كما أن أهمية ومكانة آلة القانون كآلة صولو في الأوركسترا العربية، إضافةً إلى أنها عنصر أساسي في التخت الشرقي في الموسيقا الآلية ومرافقة الغناء، أتاحت له فرصاً أكثر للتميز كعازف قانون، ولكن، بطبيعة الحال، لا يمكن أن يبرز الموسيقي على هذه الآلة من دون امتلاكه الموهبة والتقنية العالية في العزف. لذلك حتى يصل الموسيقي إلى الناس، فهو يحتاج الشغف والموهبة، لكنهما وحدهما لا يكفيان.

1- عازف القانون عمران عدره

يضيف عدره: يحتاج الموسيقي إلى جهةٍ داعمة وتسويقٍ صحيح ليحقق انتشاراً فعّالاً لعمله الفني ومشاريعه الموسيقية، كما يجب أن يفكر دوماً بتخصيص جزءٍ من إنتاجه الفني ليتماشى مع ذائقة الجمهور، لكن بنفس الوقت بشكلٍ غير مبتذل أو سوقيٍ بحت، ولا يتعارض مع المبادئ الفنية والأكاديمية التي يسعى لإيصالها إلى الجمهور المتلقي من خلال مشاريعه الفنية.

مشاركاتٌ عالمية

شارك عدره في مهرجانات "بيت الدين" الدوليّة مع المغني "إبراهيم كيفو"، ولديه مشاركات مع "جوقة الفرح" في فرنسا، وغيرها في حفلات "جوليا بطرس" في "بلاتيا" مع أوركسترا براغ الفلهارمونية، إضافةً إلى العديد من المشاركات مع فرقٍ متنوعة، مثل "خماسي روح الشرق"، و"فرقة قصيد"، يقول عنها للمدوّنة: تنوع المشاركات والتجارب الفنية يُغني ويُضيف إلى خبرة الموسيقي، مشاركاتي إن كانت ضمن الأوركسترا العربية أو التخت الشرقي أو العزف الإفرادي، لكلٍ منها خصوصيتها التي أغنت جانباً من شخصيتي الفنية، ولاسيما مشاركاتي الدولية التي أتاحت لي الاحتكاك مع موسيقيين من ثقافات مختلفة، ما ساعدني على فتح آفاقٍ جديدة للرؤية الفنية عن طريق تبادل الخبرات الموسيقية بين العازفين من دولٍ وثقافاتٍ مختلفة.

2- عمران عدره في إحدى حفلاته

نسأله: لكن كيف تقبّلَ هؤلاء موسيقا غريبةً عنهم، هل القانون قادر على جذب المستمع الأجنبي أو البعيد عن موسيقانا؟

يُجيب عدره: خلال مشاركاتي الدولية المختلفة، كانت آلة القانون تحظى باهتمام المستمعين وتجذب انتباههم، سواءً بالشكل أو الطابع الصوتي الغني الغريب عن آذانهم، أو طبيعة الألحان الشرقية الغنية بمقاماتها وإيقاعاتها، والتي لها بصمتها الخاصة على القانون، أو حتى بقدرة القانون كآلة موسيقية تقليدية على تأدية أنماط الموسيقا المختلفة ما يضيف تجربةً جديدة للمستمع الغربي ويجذب انتباهه، لمست ذلك من خلال الاحتكاك مع موسيقيين من دول مختلفة، حتى مؤخراً خلال دراستي في إسبانيا، عندما أديت بعضاً من أنماط الموسيقا المألوفة لديهم كالفلامنكو واللاتين جاز على القانون، كانت تجربةً فريدة وأثارت اهتمام الجمهور.

3- عمران عدره وتنويعاته بين الشرقي و الغربي

من المحطات المهمة في مشوار العازف الفني، تعليم الموسيقا، وهي كما يصفها مسؤولية تجاه بناء أجيالٍ موسيقية قادرة ومُتمكنة، عن طريق إيصال المعلومة الصحيحة للطالب ومتابعته في مراحل بنائه الفني، يشرح للمدوّنة: تجربة التعليم متبادلة التأثير بين الأستاذ والطالب، ليست فقط عملية تلقي وتعلّم، إنما كثيراً ما يكتسب المدرّس خبراتٍ إضافية من خلال العملية التدريسية، سواءً في كيفية تحديد قدرة وموهبة الطالب والعمل على تطويرها، أو في تمكين قدراته، كما هو معلوم، إذا كنت تريد فهم فكرةٍ وامتلاكها بشكل عميق، حاول تدريسها وإيصالها إلى شخصٍ آخر.

موسيقا تصويريّة

سجّلَ عدره موسيقا تصويرية في أعمالٍ تلفزيونية وإذاعية مختلفة منها: "شبابيك" لإياد الريماوي، "حرائر" لسمير كويفاتي، "عابرو الضباب" لإيهاب مرادني، "دومينو" لآري جان سرحان، وهي برأيه تجارب فنية مهمة، لها خصوصيتها، حيث تتفاعل الموسيقا مع الأداء التمثيلي، لتصل الصورة بشكلٍ كامل إلى المشاهد، بالاعتماد على مخيلة وحس الموسيقي في كثيرٍ من الأوقات لخدمة العمل الفني، ومن الميزات الإيجابية لهذه المشاركات، وصول العازف وانتشاره بشكلٍ أكبر عن طريق هذه الأعمال الإذاعية والتلفزيونية.

4- عمران عدره في مهرجان كازخستان لموسيقا الشعوب

يسعى عدره خلال دراسته لنيل درجة الماجستير في الموسيقا في إسبانيا، لإيصال آلة القانون لأكبر شريحة من الجمهور الغربي وغير المتآلف مع الآلة، وبنفس الوقت إثبات مطواعية القانون في تأدية أنماط موسيقا عالمية مختلفة، عن طريق تأدية أنماط مألوفة للمستمع الغربي كاللاتين جاز والفلامنكو بنسخةٍ معادٍ توزيعها لتبرز دور القانون كآلةٍ رئيسية، يقول لـ"مدوّنة الموسيقا": أعمل على هذا المشروع عن طريق إنتاج ألبومٍ موسيقي خاصٍ بي، يحتوي على مقطوعاتٍ موسيقية تدمج بين أسلوب ومقامات الموسيقا الشرقية مع أنماط موسيقية غربية لتقريب الجمهور الغربي بشكلٍ أكبر من هذه الآلة الفريدة، والتي تعتبر رمزاً في تراثنا العريق.