ربابتُه من التنك وعمره تجاوز الـ80 عاماً ومع ذلك متسمرٌ في غناء الفولكلور الخاص بمنطقة الجزيرة السورية

ربابتُه من التنك، تجاوز عمره الـ80 عاماً ومع ذلك يواظب على مسيرته الفنيّة، متمسك بالآلة الموسيقية التي صنعها بيديه وأنجز معها عشرات الأغاني الفلكلورية الخاصة بمنطقة الجزيرة السورية.

تحمل سيرة الفنان المعمّر "سعد الحرباوي" الكثير من القصص وما قدمه من بصمة متميزة على الساحة الفنية عامة على مستوى المنطقة. فهو أحد أبرز وأقدم فناني الجزيرة السورية، أخذ شهرة واسعة على مستوى القطر حيث غنّى في أغلب المحافظات السورية، وتجاوزت شهرته حدود البلد.

1- عازف الربابة سعد الحرباوي

الحرباوي يملك سجلاً مميزاً من الأغاني التراثية الشهيرة جداً أهمها أغنية "مندل" فقد باتت على الألسن وتناقلتها أجيال بعد أجيال. هو ابن بلدة "الدرباسية" الواقعة شمال مدينة الحسكة، أحبّ وامتهن موهبة العزف والغناء في وقت مبكرة من عمره، متأثراً بخاله الذي كان يعزف على آلة الربابة أيضاً.

عن محطته الأولى وتفاصيل تخص مشواره الفني يتحدث الفنان "سعد الحرباوي" لـ"مدونة موسيقا":

2- عازف الربابة سعد الحرباوي

"مع منتصف الخمسينيات بدأتُ وجهتي نحو الغناء والعزف رغم عمري الصغير، فأنا من مواليد 1946، استعنت بخالي الذي كان متقناً للعزف على الربابة (آلة موسيقية عربية قديمة ذات وتر واحد، تصنع من الأدوات البسيطة المتوافرة كخشب الأشجار وجلد الماعز)، لم أتأثر بالمرض اللعين الذي أصاب عيني، حتى أصبحتُ ضريراً في عمر لم أتجاوز الخمس سنوات، اجتهدتُ على نفسي كثيراً، واعتمدت على نفسي فيما وصلت إليه كل ذلك بدون مدرب ومعلّم".

كان عمره 14 عاماً عندما صنع آلة الربابة الخاصة فيه والتي لا تشبهها أي آلة رباب أخرى. يقول عن ربابته وعن مواصفاتها: "مصنوعة من تنكة حديد ووترها الوحيد مصنوع من صنارة لصيد السمك، فهي لا تحتاج للتسخين قبل العزف، مثل الربابة المصنوعة من الجلد، لذلك هي معي حتى اللحظة، والوحيدة على مستوى المنطقة. أسستُ فرقة فنيّة بداية السبعينيات، وأنجزت حفلات كثيرة في جميع مناطق وبلدات محافظة الحسكة، وفي محافظات الرقة ودير الزور وحمص".

يكمل الحرباوي بحنين لتلك الأيام: "أحياناً كثيراً كنتُ أغني وأعزف أيام وليال متواصلة، في الماضي كانت حفلات المنطقة تستغرق سبعة أيام متواصلة. أغني بلغتي الأساسية وهي العربية، لكن ولادتي في منطقة ذات غالبية كردية دفعتني لتعلم اللغة والغناء الكرديين، كما غنيت بالعراقي والمردلي والساحلي، ضمن سجلي أغان تراثية قديمة، تناولها وتداولها فنانون الجزيرة في حفلاتهم ومناسباتهم منذ زمن وحتّى تاريخه، من تلك الأغاني: مندل، دجّي يا صبحة دجي، أم الشامة، حسرة وندامة، دمعي جمرة، رجال الحمية، العجايب)، غنيتُ الدبكة والعتابا والمواويل... فالألوان التي أقدمها تناسب كافة الأعمار والأذواق".

شهادات

لم يهزمِه المرضُ ولم تضعفه سنوات عمره. هكذا يقول ابنه الشاب "أحمد الحرباوي" والذي كتب له كلمات بعض الأغاني، ويعد مؤرشفاً لأغانيه ومسيرته الفنية، ويتحدث لـ"مدونة مسويقا" ببعض التفاصيل عن رحلة والده الفنية: "جلسات العزف والطرب التي قدمها في جميع مناطق المحافظة، قد تكون مقتصرة عليه فقط دون ان تُحس بالملل من عدم وجود فرقة موسيقية معه، وأغانيه تغنى في حفلات مختلف أطياف الجزيرة. فنانو المنطقة يغنونها ويعزفونها بفخر. يكفي أنه يتجاوز 80 سنة ومتمسك برسالته الفنية حتى آخر نفس".

ابن مدينة القامشلي الفنان "محمد الدوش" أشار لـنا بأنه يعتز بأنه يغني أغاني الفنان الكبير "سعد الحرباوي" حسب وصفه، وأن أغانيه تراثية وخالدة، لم تعد مقتصرة على فئة أو زمن، فهي تُغنّى اليوم في المناسبات كافة، وكأنها ملائمة لعصرنا وزماننا، وهذه ميزة لا يحملها إلا الكبار أمثال الحرباوي، الذي يعد قدوة وتاريخاً فنياً كاملاً لأبناء محافظة الحسكة".