يتفرد بأسلوبه الخاص والمختلف في عزفه على آلة "القانون"، فمنذ الصغر تربطه بهذه الآلة علاقة عشق جعلته يبحر في عوالمها مكتشفاً خفاياها ومقدراتها ليوظفها عبر ما يقدم من أعمال، تسلّح بالدراسة الأكاديمية التي لم يرتوِ منها بعد، فهو اليوم طلب "دكتوراه"، هاجسه البحث الدائم عن النادر والغريب، فيختار الأصعب ليعزفه مثبتاً في كل مرة أنه ساحر "القانون" الذي لا يشق له غبار، ما يضعه في مكان متقدم يصعب منافسته، إنه عازف "القانون" والمؤلف الموسيقي "يامن جذبه".
من هو "يامن جذبه"؟..
انطلق برحلته الفنية في "حلب"، منذ أن كان عمره ثماني سنوات في "المعهد العربي"، وحصل على درجة البكالوريوس في الموسيقا ودراسات "القانون" من "المعهد العالي للموسيقا" بدمشق، عزز خبرته بحصوله على درجة الماجستير في الموسيقا التركية من جامعة "إينونو" في "تركيا"، ويدرس حالياً كطالب دكتواره في جامعة "إينونو التركية".
شارك كعازف منفرد في عدة "أوركسترات" وفرق موسيقية سورية وتركية، ومع "أوركسترات" مرموقة حول العالم، فأسر الجمهور بإتقانه وقدرته على إثارة صدى عاطفي عميق. له اسهامات في الموسيقا التصويرية لمسلسلات درامية ومسرحيات.
عمل مع موسيقيين مشهورين من "لبنان وتركيا ومصر وتونس وفرنسا وسوريا"، حيث أضفى على مشاريعه تأثيرات ثقافية غنية وأبدع مؤلفات مبتكرة تربط بين الأساليب التقليدية والحديثة. وقام بتأليف فصلاً في كتاب "صانعو البصمة في الموسيقا التركية" عن الموسيقي "طاتيوس أفندي".
مثّل سوريا على المسارح العالمية، حيث قدم عروضاً في مهرجانات مرموقة مثل مهرجان "مكناس الدولي" عام 2019، ومهرجان "الرباط الدولي للقانون" عام 2023، والمهرجان "الدولي لآلة القانون" في أنقرة عام 2024، مُظهراً موهبته الاستثنائية.
أقام لفترة في تركيا، وعمل ضمن منظمات إنسانية، كما أنشأ مؤسسة تعنى بالفنون والثقافة، وأطلق ألبومات ومشاريع تعكس نهجه المبتكر في الموسيقا، حيث يوضح كل مشروع تفانيه في استكشاف حدود التعبير الموسيقي مع البقاء متجذراً في تراثه الثقافي. وهو حالياً يعمل مدرساً لآلة "القانون" في "معهد الموسيقا العربية" في "دبي" بالإمارات العربية المتحدة.
البداية والنشأة
يشير "يامن جذبه" في حدثيه لـ "مدونة الموسيقا" إلى أنه نشأ ضمن عائلة موسيقية، ولكن الموسيقا كانت جانباً موازياً للحالة العلمية والدراسية فيها وليست للاحتراف، هي هواية وجزء من الحياة اليومية، إن كان عبر التمرين أو العزف.
ويتابع: «دخلت عام 1988 إلى "المعهد العربي للموسيقا" والذي سمّي فيما بعد معهد "صباح فخري"، وكنت الأصغر فيه، يعزف ثلاثة من أخوتي على آلة "البيانو" والرابع يعزف على "الكمان"، وتعزف والدتي على آلتي "البيانو والعود"، أما والدي فكان يسمع الموسيقا بشكل صحيح وقد توفّي باكراً. وبالتالي نشأت ضمن عائلة موسيقية، فيها الموسيقا الشرقية والغربية، وبحكم أنني الأصغر أراد والدي أن أتعلم العزف إما على "القانون" أو "العود"، وأن أدرس الموسيقا الشرقية، خاصة أن أخوتني درسوا الموسيقا الغربية، ولكني طلبت أن أسمع صوت كل من الآلتين، وعندما سمعت عزف "القانون" من أستاذي "باسل الملاح" جعلني أعشقه، واكتفيت به ولم أسمع "العود"، لأنه ما أن رأيت كيف يعزف أستاذي حتى تحرك شيء ما في داخلي. وهذا ما أنصح به الطالب، بأن يسمع صوت الآلات كلها، فمن المؤكد أن هناك آلة ستهز قلبه وتختاره».
أستاذ الآلة الذي قام بتدريسه هو "باسل الملاح"، يصفه بالقاسي ولكنه يعرف كيف يجعلك تحب الآلة، ويشبهه بالأب، يقول: «عندما كنت في السنة الثانية بالمعهد قال لوالدتي "هذا الطفل سيكون يوماً ما موسيقياً، هو عاشق للقانون"، وبالفعل فكان "القانون" جزءاً مني. أما أستاذ الصولفيج فكان "جيراير اسكنيان" وتعلمت منه صفة الالتزام. وتخرجت بدفعة 2002-2003، وكنت لا أزال حينها بالمرحلة الإعدادية، تشرّبت الآلة وبات لدي أساس متين جداً من الناحية النظرية كصولفيج ومن الناحية العملية».
من المعلوماتية للمعهد الموسيقي
يتحدث "يامن" عن المرحلة الجامعية: «تم قبولي عام 2008 في كلية "الهندسة المعلوماتية" فرع "الحاسبات"، ولم يكن الخيار حينها أن أقدّم على "المعهد العالي للموسيقا"، لأن الموسيقا تبقى إلى جوار العلم. كنت مميزاً في الجامعة حتى أنهم لقبوني بـ "الآلة الحاسبة" لأنني أصل إلى النتيجة من دونها، وبعد دراستي سنتين ونجاحي للسنة الثالثة قررت أن أترك الجامعة وأتقدم لـ "المعهد العالي للموسيقا"، وشجعتني والدتي على هذه الخطوة، وهي فنانة تشكيلية ومهندسة كهرباء، وأذكر أنني في اليوم الثاني تحدثت مع صديقة لي لأسألها عن كيفية التسجيل في المعهد، فأعطتني رقم الأستاذ "حسام الدين بريمو" الذي تواصلت معه فأجابني أن آخر يوم للتقديم هو "غداً"، فسارعت بالسفر إلى "الشام"، وتقدمت للمعهد».
اجتاز "يامن" مرحلة فحص القبول في المعهد بشقيه "الصولفيج" و"الآلة"، ومما يقوله عن المرحلة التي سبقت الامتحان: «التقيت في المعهد الأستاذ "حسام الدين بريمو" فعرض علي حضور المراجعة التي يجرونها لطلاب التحضيري الذين درسوا سنة كاملة تمهيداً للامتحان، وأراد معرفة مستواي فطلب مني غناء سلم الآربيج وقراء الصولفيج، وعندما فعلت نظر إلي بدهشة، وسألني "أين درست الموسيقا؟" فقلت في "المعهد العربي بحلب"». ويشيد "جذبه" بالأستاذ الراحل "بريمو" «له الفضل علي وشكّل نقطة تحول بالنسبة إلي».
يتابع: «كانت لدي هذا التحدي، واستمر معي فدائماً أرمي نفسي للأصعب، أتعلم وأخرج واقفاً على قدمي، ففي امتحان الصولفيج كان ينبغي تقديم "إيتود" فاخترت عزف قطعة "لونغا يورغو" وهي نُسِبت خطأً إلى "يورغو" لأنها ضمن "سيرتو سلطاني يكاه" لـ "سعدي أشلاي". ولأحقق مفهوم "الإيتود" عزفتها بطريقة سريعة. وهذا دور الفنان المبدع بأن يجد حلولاً غير منطقية لمشاكل منطقية، وفي امتحان الصولفيج لفت النظر ونجحت، وكذلك الأمر في امتحان الآلة، وتخرجت من "المعهد العالي للموسيقا" عام 2015».
الصلة بين التركي والعربي
«أعتبر أنني صلة الوصل في الموسيقا بين ”التركي والعربي"، فبت قادراً على إدخال المصادر الموسيقية الشرقية والتي نعزفها في الموسيقا العربية»، هذا ما يؤكده لـ "مدونة الموسيقا"، موضحاً أنه عندما ذهبت إلى تركيا عام 2015، عدّل شهادته وعلى أساسها تابع دراسته في "الماجستير والدكتوراه".
ويستذكر ما جرى معه في امتحانات القبول بـ "الماجستير" و"الدكتوراه" في تركيا، يقول: «تقدمت لامتحان القبول في الماجستير عام 2021 في جامعة "إينونو" في "ملاطيا بتركيا"، وكان عدد المتقدمين خمسة وأربعين طالباً وأنا السوري الوحيد بينهم، والمطلوب عشرة طلاب فقط، وفي الفحص يعطوك نوتة لتعزفها أو تغنيها تراها أول مرة وفيها إيقاع صعب ومركب ولا تعتمد على حالة مقامية كي لا يكون هناك أي تقدير للذهن، هو موضوع مُنهك جداً لأي موسيقي، فكان المقياس تسعة على اثنين، وهو نادر، وبالفعل قمت بالعزف، وغايتهم كانت أن يروا كيف أعزف، ومدى تحليلي السريع».
ويتابع: «سألوني أيضاً عن الفرق بين الموسيقا العربية والتركية فاختصرت الموضوع بالقول أن الموسيقا العربية تبنت السلم الموسيقي الغربي وأهملت نظام الكومة فأصبح لدينا الموسيقا العربية. وقد تم قبولي بالمرتبة الأولى وكان اختصاصي الموسيقا التركية». وفي عام 2025 تم قبوله لدراسة الدكتوراه في الجامعة نفسها "إينونو"، وكان الأول من بين الطلاب المقبولين، وهو حالياً سنة أولى طالب دكتوراه في اختصاص الموسيقا التركية.
الشغف بدرجته العليا
يُعنون "يامن جذبه" مرحلة وجوده في سورية حتى عام 2015 بأنها "الشغف بدرجته العليا"، فقد شارك خلال مرحلة دراسته في "المعهد العالي للموسيقا" بـ "دمشق" وبعد تخرجه، ضمن العديد من الفرق كعازف، عن هذه المرحلة يقول: «خلال السنوات الخمس كان هناك نشاط موسيقي، وأذكر أنه أقيم عام 2014 "مهرجان الموسيقا العربية" وشاركت فيه خمسة عشرة فرقة، كنت أعزف في أحد عشرة فرقة منها، وتعاملت خلال تلك المرحلة مع العديد من الموسيقيين، منهم الأساتذة "كمال سكيكر، عدنان فتح الله، نظير مواس، فراس خوري، نزيه أسعد"، كما كنت مع خماسي "نينوى" إشراف الأستاذ "محمد عثمان". وفي فرقة "تهليلة" للإنشاد الديني، وشاركت مع "إياد الريماي" في حفل ضمن "دار الأوبرا" عام 2015». ويشير إلى أنه قام بالتدريس أيضاً في المعهد الموسيقي ضمن "السبع بحرات" بـ "دمشق"، بالإضافة إلى تسجيلات الاستيديوهات التي عمل فيها مع الملحنين "طاهر مامللي" و"سمير كويفاتي".
وفيما يتعلق بدخوله ميدان العزف ضمن موسيقا شارات الأعمال الدرامية، يقول: «شارة مسلسل "ملح الحياة" كانت أولى تجربة لي ضمن مجال عزف الموسيقا التصويرية في المسلسلات مع الملحن "سمير كويفاتي" عام 2011, وسبقتها تجربة في "حلب" عبر عزف موسيقا "لايف" لمسرحية "الرسول المجهول في مأتم أنتيجونا" لسعد الله ونوس، والتي قدمها المسرح الجامعي عام 2008». ومن شارات الأعمال الدرامية يذكر: "أبواب الريح" مع الملحن "طاهر مامللي"، "طوق الياسمين" مع الملحن "ايهاب مرادنة".
وحول التجريب في الموسيقا، وإن كان يخضع لقواعد، يرى أن الفن يحتاج إلى تجريب، ولكن الأمر يتوقف على هدفه، فإن كان «الهدف أن أكون مختلفاً فقط فهو سيكسّر أي قاعدة، وهذا لا يمكن تسميته "تجريب"، فالتجريب الحقيقي يقوم على حالة علمية وأكاديمية مع مراعاة "متى علي أن أتوقف" لأن البحث لا ينتهي. والتجريب لا حدود له، وبالتالي الحدود مفتوحة ولكن ضمن قواعد».
الأصعب.. والنادر
يلفت "جذبه" إلى أنه قدم نفسه كمؤلف موسيقي عام 2018 عبر أول ألبوم له "قانون بلا حدود"، حيث اكتسب من خبرة المعهد العالي للموسيقا "هارمونياً وتحليلاً وتوزيعياً"، ومن الناحية الغربية وهو ابن الموسيقا الشرقية من "حلب"، وصُقِل بطرق مختلفة، وحول كيف يفكر في حالة التأليف الموسيقي، يقول: «حالة المعشر مع الآلة تحفز شيء معين، فتخرج معك جملة، وهنا تأخذ القرار فإن طورتها فأنت تحكي عن مُؤلّف موسيقي، وإن أهملتها فهي ضمن تجربة أتت كفكرة وذهبت أدراجها، فهو قرارك إن كانت الجملة تستحق أو لا تستحق. وفي عام 2012 أخذت قرار أنه في حال أتتني فكرة فسأعطيها الأهمية، ولحنت أول عمل من تأليفي، وهو موجود ضمن ألبوم "قانون بلا حدود" واسمه "وحدة"، وتم إطلاقه عام 2018».
ويتابع: «خلال فترة تواجدي في "الشام" تم عرض عمل واحد لي هو "سماعي عراق" مع فرقة "تهليلة" للإنشاد الدين على مسرح "الأوبرا"، وسبب تأليفه أننا كنا نريد البدء بوصلة "هُزام" ولكنها تحتاج إلى مدخل نفتتح به الوصلة، وعندها طلب مني الأستاذ "نزيه أسعد" كتابة هذا المقطع، ولكن حتى اليوم لم يتم تسجيله».
سبق وقال أن ما يقدمه على آلة "القانون" مختلف فهو يختار المقامات النادرة أو قليلة الاستخدام، يشرح ذلك: «ليس أي أحد قادر أن يقدم هذه المقامات وأن يشعر بمعانيها، والمقامات النادرة موجودة، لكنها غير متاحة لأن فهمها صعب، وليس كل شخص يمكنه تقبلها. فالمقامات لها أثر نفسي وفهمها أصعب، هي لغة خواص الخواص، وفي الحفل الذي أقمته هذا العام في "دار الأوبرا" بعنوان "قانون بلا حدود" اخترت المقامات الأقل استخداماً وليست النادرة، فعندما أحكي عن النادر أذكر مقام "ما وراء النهر" وفيه "بشرف وسماعي للفارابي"، وهو مدّون وقمت بتسجيله، ولكن ليس كل من سمعه يمكنه فهمه، فالإنسان يذهب باتجاه ما يشبهه ولا يذهب للمختلف عنه، هو يخاف من الاختلاف لأنه عرضة للصدمة، إلا أنني استطيع التعايش مع الصدمة وأفهمها، وأفهم نفسي لذلك أستطيع أن أعمل مزيج، وهذا ما حصل معي موسيقياً».
التوثيق والتعاطي مع التراث
كيف يتعاطى مع التراث، هل يقدمه كما هو أم بإطار أكثر عصرية؟، يجيب: «يتبع هذا الأمر للهدف، ففي المؤسسة التي أنشأتها "نون للثقافة والفنون" كنت أقيم كل شهر حفلة، وقدمنا في إحداها "الموشحات والقدود" وتناولتها كما يعرفها الجمهور، لأن هدفي لم يكن تصحيحياً أو توثيقياً وإنما مشاركة الناس بما يعلمونه، كما أنني في حفل "قانون بلا حدود" الذي أقيم مؤخراً عزفت "لما بدا يتثنى" وفق النسخة المعروفة، أما نسخة "محي الدين أبو العيون" التي تعود لعام 1915 فكانت مختلفة. وبالتالي إن كان الحفل جماهيرياً أعزف "أنت عمري" كما عزفها "محمد عبده صالح"، ولكن إن كنت أريد أن أعزفها كـ "يامن جذبه" فأتناولها كلحن جميل، وأقدمها بطريقة مختلفة».
ولكن هناك فرق موسيقية تغيّر بالتراث أو اللون الشعبي عندما تعيد تقديمه، بحجة التحديث، عن ذلك يقول: «أنا مع الحفاظ على الأصل، عبر تسجل لطيف وجديد يحفظ روح العمل، خاصة أن لدينا اليوم حالة تكنولوجيا عالية، فأنا لا أريد سماع "الموشح" بتسجيل قديم يظهر فيه صوت البكرات، وهذا الأمر أحد مشاريعي القادمة، فمنذ عدة أشهر سجلت في "حلب" أربع موشحات من أشخاص التقيت بهم في الغربة وأحببت أن يكون لي ذكرى معهم، وتم العمل في هذا الألبوم وفق الآتي: أعزف الموشح كمادة لحنية باعتبار أن الناس تعرفه، ونتناول الغناء بحالته الجميلة بالإضافة لقصائد غير مُغناة».
ويشير إلى صعوبة التوثيق فهو يحتاج إلى صبر ومتابعة، «عودتي إلى الموشحات والتوثيق سببه معرفتي أن هناك الكثير من الأخطاء التي حصلت، واليوم لا أستطيع سماع الموسيقا العربية الحالية لأنه نظرياً أسمع أخطاء ونشاز، ولكن مسؤوليتي اتجاه هذه الموسيقا أن أكون الجسر وصلة الوصل وأقوم بالتعريف بها».
ويبيّن طريقة عزفه على "القانون" التي جعلت البعض يعتبرون أنه يعزف بأسلوب تركي، «يستخدم العازفون إصبعين في عزفهم على "القانون"، فإن كنت أريد أن أطور أسلوب الألة من المنطقي أن أعزف بأصابع أخرى، فهل يعني ذلك أنني أصبحت أعزف بأسلوب تركي؟، فكيفية تناول الجملة الموسيقية هو ما يحقق الفرق إضافة إلى "الغوما"».
قانون بلا حدود
يعرّج "يامن جذبه" على الحفل الذي أقيم في "دار أوبرا دمشق" بعنوان "قانون بلا حدود"، الذي قدّم فيه باقة منوعة من الأعمال، يقول: «أظهرت في الحفل الأبعاد غير التقليدية لآلة "القانون" وفق رؤيتي، فبعد هذا الخضم الذي كنت فيه نتيجة السفر والالتقاء مع ثقافات أخرى، بات لي أسلوبي الخاص في العزف، فالأتراك يقولون أنني لا أعزف مثلهم، وكذلك الأمر بالنسبة للعرب، وهذا مؤشر صريح كمحصلة، في آلية العزف والتكنيك الخاص بي، وبالنسبة للتأليف فأنا أحب الموسيقا وبالتالي يمكنني أن أعبّر عن حالة معينة. ومما قدمته في الحفل قطعة اسمها "عبق" من تأليفي، وبالنسبة لي هي تعبّر عن "الشام"، فدائماً كنت أراقب كيف تتحرك هذه المدينة، فيها صوت داخلي مع حالة انسيابية، وأصوات ممتدة فيها ضجيج وحركة وغليان، لذلك أبيقت القطعة مفتوحة، وقدمتها في ألبوم "قانون بلا حدود"، ففي الغربة كنت أحمل "الشام" في قلبي».
ويتابع: «ومما قدمته أيضاً "كابريس" لـ "شريف محي الدين حيدر"، لأنني أتجول على شقين، الشق الأول المقامي والشق الآخر مرتبط بمستوى القوالب الموسيقية أو الغنائية، سواء كان اختيار موشح مثل "لما بدا يتثنى" أو غنائي مثل "كل ده كان ليه" أو كحالة شعبية فولكلورية مثل "ع الروزنا" و "ع اللالا"، وقد حمل الحفل هذا الزخم والأوج والعنفوان، والتكنيك والمشاعر».
العمل الإنساني و"نون" للثقافة
بعد ذهابه إلى تركيا انخرط في العمل الإنساني لمدة خمس سنوات، بين عامي 2016 و 2021، حيث قام بالتدريس في مراكز الإيواء السورية الموقتة، «درسّتهم منهاج صولفيج السنة الأولى في "المعهد العالي للموسيقا"، كان عددهم مئة وثمانون طالباً، وبعد سنة بات مئة وعشرين منهم يقرأون صولفيج، واخترت منهم تسعون طالباً ليشكّلوا كورالاً». وعمل عام 2021 في مؤسسة "نفس للثقافة والفنون".
أطلق عام 2022 مؤسسة "نون للثقافة والفنون" التي تُعنى بالفنون، يقول: «استأجرت "فيلا" وجهزت فيها غرفة اسمها الموسيقا الشرقية وغرفة اسمها الموسيقا الغربية، وغرفتين للرسم ومسرح صغير يتسع لخمس وعشرين شخصاً، وكان أول "مسرح غرفة" في "تركيا"، ووضعت خطة استراتيجية بأن يدخل الطالب لهذه المؤسسة ويخرج منها بعد أربع سنوات، وكان لدينا برنامج "نون للموسيقا" و"نون للفنون الجميلة"، وكان الأمل أن يكون هناك "نون للمسرح" ولكن لم نستطع افتتاحه. إلا أنه حدث الزلزال في شهر شباط من عام 2023، فحوّلت المكان إلى مركز إيواء على مدار شهرين، وبعد فترة دعمتنا مؤسسة اتجاهات المستقلة السورية لنعود ونقف على أرجلنا، واستمريت حتى مطلع عام 2024، حيث أدى ارتفاع الآجار لإقفال المؤسسة، ثم افتتحت المركز الثاني لـ "نون للثقافة والفنون"».
اهتممت بمشاريعي الشخصية التي لها علاقة بالسماعيات والبشرف والمقامات، وانتقلت بعد ذلك إلى دولة الإمارات العربية وبدأت بتدريس آلة "القانون" في "معهد الموسيقا العربية" في "دبي" في شهر أيلول من عام 2024.
ألبومات موسيقية
فيما يتعلق بالألبومات التي أطلقها، يبدأ الحديث عن ألبومه الأول "قانون بلا حدود"، ويشير إلى أنه فضّل التعريف عن نفسه من خلال موسيقاه، وبأنه يستطيع عزف التركي والأزربيجاني كما عزف سوناتا "باخ" على "القانون"، سعياً لتوسيع الأفق وبأنه ليس محصوراً ضمن قالب "التخت الشرقي" أو "أوركسترا"، حيث حاول في ألبومه الأول إجراء اسقاط عبر عزفه على آلة "القانون" بأسلوب آلة "التار".
ويلفت إلى أنه قدم ألبومات أخذت شكل "السلسلة"، لها علاقة بالمقامات، فبات هناك أربعة ألبومات "السماعيات" يتراوح عدد الأعمال في كل منها بين الثماني والعشر قطع، وهناك أيضاً ألبوم "بشارف"، وسيضاف لهم ألبوم "مداخل".
قدّم عام 2022 ألبومي "طقوس" و"تآلف"، عنهما يقول: «الغاية من "تآلف" عزف موسيقا من تأليفي يظهر فيها تآلف "القانون" مع تكوينات مختلفة، قد يكون "قانون" مع "وتريات"، أو مع "بغلمة"، حتى أنني قدمت أعمالاً جمعت فيها بين آلتي "قانون" أي أنني أتآلف مع نفسي. كما قدمت ألبومين تحت مسمى "طقوس" أحدهما مع "العود"، حيث ذهبت نحو فكرة أن أنتقل تاريخياً ومقامياً وقوالبياً مع "إيمان جسري" بهدف توحيد العزف وليس الاختلاف في التوزيع، وكان التحدي أن يعزف كل من "القانون والعود" مثل بعضهما البعض، علماً أن أستاذنا أنا و"إيمان جسري" هو "محمد سيف الدين زين العابدين" أي أننا من المنشأ ذاته، وصدر الألبوم عام 2022، وقدمت عام 2024 ألبوم "طقوس 2" وكان فيه "القانون" و "الناي" فهما معاً يمكن أن يحققا جو شعبي صوفي وطربي. وكان معي عازف الناي "أحمد اسكندراني". وبالتالي إن كنت أريد تقديم مؤلفات فأذهب تحت تسمية "تآلف" وإن كانت موسيقات عالمية فهي "قانون بلا حدود"، والسمة الثالثة أن يكون قانون مع عازف آخر وهذا يندرج ضمن إطار "طقوس"».
ويلفت إلى أنه سجل أيضاً تسع قطع "فيروزيات"، وما أن تحررت سوريا حتى أتى إلى دمشق وأقام ورشة عمل في "المعهد العالي للموسيقا"، كما أحيا حفلاً في "دار الأوبرا"، وهناك ألبوم جديد بعنوان "بعد حين" عبارة عن أربع تسجيلات، له علاقة بالموشحات المغناة والقصائد غير المغناة، سجله في حلب. كما يقوم بالتحضير لأعمال ينجزها عام 2026، منها ألبوم "لونغا" وهو قالب راقص من الصعب تنفيذه بآلة "القانون"، لذلك سيكون فيه "قانون" وكتلة من الإيقاعات. ويعمل أيضاً على منهاج آلة" القانون" الذي سيكون مرفقاً بثلاثين فيديو، عشرة منها "للمبتدئ صفر" وعشرة "للمستوى الجيد" وعشرة "للمحترفين".