يُؤمن الموسيقي باسل حداد بأن الغناء الجماعي قادرٌ على إحداث فروقاتٍ حقيقية في حياة المُؤدين، فمع تمازج الأصوات وتباين حدتها وقوتها، يتعلّم المغني كيف يُنصت للآخرين من حوله، ولأن تجربة الكورال تركت أثراً في حياته، أراد إحياءها بأسلوبه ومهاراته.

بدأ حداد مشواره بالعزف على آلة البيانو في معهد صلحي الوادي للموسيقا، ليصبح بعد أعوام مُدرِّساً في المعهد نفسه كمساعد خبير إضافة إلى دراسته لآلتي البزق والعود، ورغم حصوله على ماجستير في الترجمة إلا أن حبه للموسيقى وشغفه بعوالمها دفعه إلى تعليمها للأطفال في منطقته القلمون، فأسس مع شقيقته الموسيقية رغد حداد "جوقة صدى" عام 2013 للصغار دون 15 سنة ثم أتاح المشاركة لمن هم أكبر سناً مع تأسيس جوقة للكبار عام 2018.

فرقة صدى اليبرودية

يقول حداد في حديثه لـ "مدوّنة موسيقا": "عايشتُ تجربة الكورال مع أستاذي الموسيقار "حسام بريمو" مؤسس جوقات لونا للغناء الجماعي، وكان أثرها كبيراً في حياتي وخبرتي الموسيقية. الجوقة تُعلّم الأطفالَ قيمة التعاون والمشاركة مع نظرائهم، ولها دورٌ كبير في لفت أنظارهم تجاه ما يمكن تحقيقه بالاستماع لمن يعيشون معنا بدل الاكتفاء بصوت الذات فقط، الكورال المقسّم لمجموعات صوتية يقول لك "أخفِضْ صوتَك لتسمعَ صوتَ غيرك"، لديّ إيمان بأن هذا التدريب سيساهم في بناء مجتمع يسمع بعضه ويخطو بسورية نحو الأفضل".

بدأت الجوقة بتدريبات كورال بسيطة لأعداد قليلة بمساعدة كنيسة السريان الكاثوليك في يبرود التي قدمت مكاناً مجانياً للأطفال، ومع مرور الوقت لاقت الفكرة رواجاً عند محبي الموسيقى من مختلف الأعمار والشرائح. يضيف حداد: "لم يكن تأسيس الجوقة في مرحلة صعبة ومؤلمة، أمراً اعتباطياً أو صدفة، الموسيقى حياة بالنسبة لنا، كغيرها من الفنون القادرة على بث الأمل في الناس المُتعبين. قدمنا عروضاً في يبرود والقلمون، ومنها انطلقنا إلى مختلف المحافظات والمسارح أبرزها مسرح دار أوبرا دمشق".

الموسيقا للجميع

عام 2018 بدأ حداد العمل على جوقة صدى للكبار تحت شعار "الموسيقى للجميع"، شرطه الوحيد لقبول المتقدمين توافر الرغبة بالانضمام للجوقة لا غير. وعنه يشرح: "بدأت المشروع وحيداً بعد أن سافرت أختي رغد، لم أشترط الخبرة أو الغناء بشكل صحيح، قبلتُ كل من يحب الموسيقى واشتغلتُ معهم على الصولفيج وتمرينات الصوت للارتقاء بأداء الجوقتين قدر الإمكان (35 طفلاً و25 شاباً وشابة)، وخلال مشوارنا حرصنا على تقديم كل ما هو مدروس ومعد بطريقة صحيحة، يشاركنا عدد من طلابي العازفين على آلات البزق والبيانو والعود، ونستعين أيضاً بعازفين أساتذة لإتمام العمل كما يجب".

تهتم الجوقة بتعريف أعضائها وتدريبهم على مختلف الأنماط والأشكال الموسيقية الشرقية والغربية، قديمة وجديدة، ليقدموها بدورهم للجمهور المحلي، من ذلك مثلاً عدة موشحات صعبة ونادرة منها الموشحان الشهيران "يا نسيم الريح" و "يا غزالاً" مع تعدد الأصوات، إضافة إلى الغناء بلغات أجنبية كالإيطالية والروسية والإنكليزية، ولها تجربة مع "الطقطوقة" بتوزيع خاص، كما لا يخلو برنامجها عادة من بعض الأغنيات الجبلية القلمونية، ومقتطفات من تراث المحافظات السورية.

ساهمت جوقة صدى للصغار والكبار في تجديد التراث مع بعض التوزيعات والإضافات التي لم تمس الجوهر الموسيقي، وإن كان حداد يُفضل مفردة "الإحياء" عوضاً عن "التجديد" لأن الحاجة ملحة برأيه لتدوين التراث لا تغييره. يوضّح لـ "مدوّنة موسيقا": "إن فكرة التجديد فضفاضة ولها سلبياتها وإيجابياتها، لا شك أنها تقدم للشباب أغنيات من تراثنا السوري الثمين بطريقة أقرب لذوقهم الموسيقي لكنها في بعض التجارب غيّرت في اللحن الأصلي والكلمات، فالخط الفاصل بين الحالتين دقيق جداً، والأهم احترام الجوهر وعدم الوقوع في فخ التشويه".

الأولوية بالنسبة للجوقة استمرارها مع الحفاظ على سوية معينة، تضمن لها الاحتراف ضمن معيار أكاديمي ثابت وواضح لتقديم موسيقى تليق بالإرث الموسيقي السوري، وتُخلص لفكرة الكورال والجوقات التي أثبتت فعالية وحضوراً في كل المجتمعات، بدءاً من الكنائس ووصولاً إلى الحالة المدنية. ينهي باسل حداد كلامه: نحن مثال على هذا النهج ونطمح أن يكون موجوداً في كل منطقة مهما كانت صغيرة.