"محمد خضر المغربية" نشأ يتيم الأب، فعاش في كنف عمه "إسماعيل"، تعلم قراءة القرآن عند الشيخ، وكان مفطوراً على حب الغناء منذ طفولته، فصنع أول ربابة وعزف عليها في الثانية عشرة من عمره، وغنى كل ألوان الغناء الشعبي، وأحيا السهرات والحفلات وآخرها في 2018 ، حتى وافته المنية عن عمر ناهز تسعين عاماً تاركاً إرثاً شعبياً يحتذى به.
طُفُولَتُهُ
"محمد خضر المغربية" المولود في ناحية "بري الشرقي" عام 1934 في بيئة فقيرة، عاش يتيم الأب قبل أن يبلغ عامه الأول، فتزوجت والدته من عمه "إسماعيل عثمان" ليعاني شظف العيش في كنفه، فعمل مذ كان طفلاً في أعمال الحقل، والزراعة، وتعلم البناء وعاش منها ليعيل عائلته وأبناءه الـ14.
حِكَايَتُهُ مَع الغِنَاءِ
منذ نشأته كان يغني في الحقول ومواسم الحصاد أثناء عمله، فيتحف الفلاحين بصوته الجميل في العتابا والمولية والشروقي والسوحيلي التي كان يغنيها بفطرته، فصار عمه "إسماعيل" يأخذه معه في السهرات حيث يجتمع رجال القرية ليعزف ويغني لهم على ربابته التي صنعها وهو في عمر الثانية عشرة من عمره، وصاروا يدعونه لإحياء حفلات الأعراس لاسيما أنه صنع آلة الزمر التي أتقن العزف عليها، ليشعل حلقات الدبكة بعزفه الجميل.
وتضيف "فاطمة رحمة" 1945 زوجة الراحل "محمد المغربية" قائلة: «هو ابن خالي "محمد عثمان" وأطلق عليهم لقب "المغربية" لقدومهم من جهة الغرب من "نهر الخوابي"، وتزوجته عندما كان عمري 15عاماً وكان في الثامنة عشرين من عمره، بالمقايضة مع أخته كما درجت العادة عند العرب، وكان فقير الحال يعمل بالأجرة في أعمال الزراعة والبناء، وتعاونا معاً لتربية أبنائنا الأربعة عشر، إنه رجل طيب وحنون يحب عائلته جداً، وعلم جميع أبنائه الغناء ولكن "حسين" و"سمير" أكثرهم حضوراً في الحفلات، لقد جمعنا الحب والتفاهم ولا أذكر يوماً حدوث أي مشكلة بيننا، كان الراحل "محمد" منذ وعيه الأول يغني ويعزف على الربابة والمزمار ويقول الشعر الشعبي عن ظهر قلب، ولم يغنِّ لكسب المال، إنما حباً بالغناء».
ويضيف ولده "حسين" 1971 قائلاً: «في عام 2001 شارك بمهرجان الربيع بـ"حماة" فأهداه المحافظ (مزوية) تكريماً له، لقد علمنا أبي الغناء منذ الصغر فنحن عائلة فنية، يجمعنا الحب والغناء والعزف، فأبي كان يحب الفرح، وشجعني لأغني في حفلات المدرسة وعندما زاد حب الناس لغنائي امتهنت الغناء، ومازلت أغني لأبي من أشعاره الشعبية التي قالها مثل الهجيني والمولية والنايل الشرقي والسويحلي والعتابا.
فمن العتابا قال:
للمالو ومالي،وما لي
وميت له بطرف عيني وَمَالي
يما يايما عدربو ضيعت عمري ومالي
وهجرني بعد مافضيو الجياب
ومن الهجيني قال:
يا سايق الناقة وحط الخرج وركوب الزينة
والبنت لو كانت عشاقة لتنعرف من غمزات العين
ومن النايل الشرقي قال:
يامولّعين السنا من كليبي شو الأسباب
يحرم عليي الهنا ياناس
ترا مادامكم ..غُيّاب
وقال في الموليه السلمونية:
تمشي بأراضي الدير..تمشي بأراضي الدير
تمشي وتهز الخصر..كلّه جكر بالغير
وانكاد مابو ورق.. ولكتب عجنح الطير
ونكاد مابو حبر بدموع عينيا
بَعضُ آرَاءِ النَّاسِ بِالرَّاحِلِ "المغربية"
أضاف عازف الربابة "ناقد رحمه" عن الراحل "محمد المغربية" 1978 قائلاً: «أعرفه مذ كنت في الثالثة من عمري بحكم القرابة والجوار وكنت ملازماً له، ألبي طلباته ولو بأبسط الأمور، تعلقت به وكبرت على يديه، وتعلمت منه صناعة الربابة والعزف عليها وهي الآلة الشعبية آنذاك قبل دخول الآلات الموسيقية الحديثة، وعندما كبرت قليلاً رافقته في حفلاته وسهراته، وأيضاً في مركز ثقافي "سلمية" 1984 ،1985 وكان والدي أيضاً يعزف له على آلة المزمار ليغني، وشاركته في عام 2009 و2010 في حفلة لتوثيق الطرب الشعبي في المجلس المحلي لـ"بري الشرقي"، وهكذا أمضيت عمري ملازماً له حيث كان يعزف لي فأغني أو أعزف له فيغني، حتى بلغ الـ85 من عمره وخفف من نشاطاته، واقتصر على السهرات الخاصة.
وتابع العازف "ناقد رحمة" عن الراحل "المغربية" بأنه رجل ذو قلب طيب كريم برغم فقره المادي، ولكن أكبر رأسماله حب الناس له ولغنائه، وقد كان يخدم الجميع رغم أنه عامل يومي في البناء أو في أعمال الفلاحة ولم يغنِ يوماً لأجل المال بل حباً بالغناء».
مِن نَشَاطَاتِهِ
وأضاف "إسماعيل عبيدو" 1962 مهندس صوت ومن عشاق الراحل "مغربية" قائلاً: «عرفت المطرب الشعبي الراحل "مغربية منذ عام 1985 وسجلت له ثلاث حفلات على كاسيتات ولمدة ست ساعات وهي حفلات أعراس، وكانت أجمل حفلاته في الحديقة العامة جنوب الصالة الرياضية في "سلمية" حيث شارك مع عدداً من المطربين مثل "زهير زينو" وأيمن سكاف" ولؤي سيفو" و"بسام صبحة" و"وليد زينو" و"تيسير عبدو"، وعلى مدار ثلاثة أيام لإحياء الأغاني التراثية، في حضور شعبي قل نظيرة، حيث حضر أهالي "سلمية" عن بكرة أبيهم، حباً بالتراث الشعبي فهو هوية وذاكرة المنطقة».
يذكر أن الراحل "محمد خضر المغربية" ولد في 1934 وتوفي في 28 تشرين الأول 2021.