نشأت الموسيقا في "سلمية" مع قيام هذه المدينة، ومع انتشار المطربين والعازفين، كان لابد من مهتمين بصناعة الآلات الموسيقية، فقامت عدة ورشات، أمثال الحرفي "حافظ سليمان" للأعواد، والعازف "نزيه عيسى" في مختلف الآلات، والفنان "جمال السلوم" للأعواد والربابات، ليغطي إنتاجهم السوق المحلية والعربية والعالمية.
وَرشَةُ الحِرفي "حافظ سليمان
بدأت رحلة الحرفيّ حافظ سليمان عام 1976 في "خنيفس" القرية التي تبعد عن "سلمية" بضعة كيلومترات على طريق حمص، يصنع فيها آلة العود بكل جمالياتها، وحدثنا "سليمان" عن تجربته في هذه الصناعة قائلاً لـ"مدونة الموسيقا": منذ كان عمري ثلاثة عشر عاماً، كنت أتدرب على معزوفة أعشقها، وهي رقصة ستي للعازف "عمر نقشبندي"، ما دفعني لأقوم بتعديلات في أجزاء العود لأحصل على نفس طبيعة الصوت، ولذلك بدأت بتصنيع الأعواد بعد إنهاء خدمة العلم في عمر 21 عاماً، والمواد من خشب الجوز المحلي ويستهويني المعرّق منه.
عَازِفُونَ عَلَى أَعوَادِ "حافظ سليمان"
حبه للتميز وعشقه لآلة العود جعلاه يختص في صناعة هذه الآلة ويطورها على مستوى الصوت، ما دفع عازفين كباراً على مستوى القطر والوطن العربي لاقتناء الأعواد التي يصنعها، مثل العازف "نزيه أبو الريش" من "سورية" والعازف "صادق جعفر" من "العراق" والعازف "عبد الله الملا" من "السعودية"، والعازف السوري "وسام العلي" والأستاذ "باسل صالح" بمعهد التراث العربي بـ"لندن".
تَسوِيق أَعوَادِ الحِرَفِي "حافظ"
أضاف الحرفي "حافظ سليمان": إن صناعته وصلت لأوروبا عن طريق المغتربين العرب السوريين "ألمانيا" و"السويد" و"بلجيكا"، وفي الوطن العربي "الأردن" و"السعودية" و"العراق".
ولم يحتكر الحرفي "حافظ" خبرته في تصنيع الآلات الموسيقية، فعلّم أولاده تصنيع الربابة بالإضافة لصناعة آلة البزق، فصنع ما يقارب ثلاثين آلة، فقط لتلبية بعض الطلبات، بل درّب العديد من الهواة الذين افتتحوا ورشات مستقلة لصناعة الأعواد، والآن يدرب أولاده وإخوته.
شَهَادَات بِحَقِّ الحِرَفِيِّ "حافظ سليمان"
المربي وعازف العود "سمير محمد بدوي" 1948 من "السعودية" وتاجر أعواد منذ 1980 افتتح فرعاً في "جدة" ثم توسع في عمله لتصبح أربعة فروع في "الرياض"، يحدثنا عن سبب اقتنائه أعواد "حافظ سليمان": إنه علم من أعلام الصناعة في "سورية" وما يميزه عن غيره أنه عازف يلبي الطلب المميز في نوع العود (جهوري، ناشف، رخيم، صدى) سمعت به منذ عشرين عاماً كصانع وبدأ التعاون بيني وبينه منذ خمس سنوات، أعواده نظيفة ومظهرها جميل، إنه رجل صادق وأمين وواضح ودقيق بالتزامه.
"نائل حمد عابدي" من "الأردن" عازف ومعلم موسيقا يحدثنا: أثناء بحثي عن صناع حرفيين مميزين لآلة العود؛ تعرفت على الحرفي "حافظ" عن طريق أحد الأصدقاء، واقتنيت عدة أعواد من صناعته الجميلة جداً إنها مكتملة وممتازة، وهو متعاون مع العازف ويطور آلته لتصل لمرحلة الكمال وإرضاء الزبون، وهو إنسان طموح لا يتوقف عن تطوير العود والأهم أنه غير مادي ولطيف والتعامل معه راق جداً.
وَرشَةُ العَازِفِ "نزيه عيسى 1963 ومعهد موسيقا 1986
بدأ بصنع عدة آلات موسيقية كالعود والكمان والربابة، لقد تعلم بمجهوده، من إصلاح الأعطال المتكررة في الآلة التي يعزف عليها خاصة عشقه الربابة التي يعدها جزءاً منه، ففي عام 1977 طوّرها فصغّر حجمها وشدّ جلد الماعز بطريقة اللصق من دون مسامير، وتصغير وتغيير مفتاح شد الوتر حتى أصبح كمفتاح الغيتار معدنياً صغيراً، وتجاوز صنع عدد الربابات ثلاثمئة ربابة، وفي عام 1983 بدأ بصناعة العود بأشكال متعددة كالمسطّح، وعود بوجه جلدي، من المواد المتوفرة في السوق المحلية من خشب الجوز والورد والسيسم والميغانو المستورد، ولم يوفر نوعاً من الخشب إلا وصنع منه، وفي عام 2006 صنع الكمان بعدد محدود جداً وصنع واحداً من الجلد الذي تميز بطراوته وسهولة وراحة العازف عليه، والتسويق في "ألمانيا و"فرنسا" عن طريق المغتربين.
وَرشَةُ عَازِفِ عُودٍ وَكَمان لـ"جمال السلوم" 1959
بدأ في 1985بصنع الأعواد واهتم بصناعة أعواد من دون (طاسة) بل بشكل مسطح واستبدل المفاتيح الخشبية بمعدنية لتحافظ على ثبات الدوزان ولا تتأثر بالحرارة أو الرطوبة ومواده من خشب الجوز الشامي وخشب الورد والزان والشوح التي يشتريها من "دمشق"، وصنع العود الموشى بالموزاييك بناء على الطلب وليعيد للعود الشرقي خصوصيته وساعده في ذلك إتقانه للخط العربي وللرسم والزخرفة، كما صنع الربابة وسوّق صناعته محلياً وإلى أوروبا عن طريق المغتربين.
أما الفنان "أمين الصغير" 1961 مدرس موسيقا، صنع الأعواد من باب الهواية رافقته منذ الصغر وهي مادة تعليم بالنسبة له، منذ كان في معهد إعداد المدرسين بحماة 1985، وأول عود صنعه في المرحلة الثانوية وبشكل يدوي ومازال يصنعها بذات الطريقة من أخشاب الجوز والزان والشوح والسيدر، وأما هاجس البيع فهو لا يستحوذ اهتمامه، وسوق صناعته حسب معرفته بذوق الشاري، حيث تصل لأماكن متفرقة من "السويد" و"الإمارات" و"مصر" وفي سورية.