عن عمر يناهز الـ ٨٨ خسرت الساحة الفنية واحداً من عمالقتها الكبار الراحل "صباح فخري" ابن مدينة "حلب" معقل الطرب والفن الأصيل، الكلامُ يوجعُ ويحزن في رحيل أيقونة وعملاق كبير للطرب العربي، قد يصعب الحديث والكلام عن مشواره الفني الطويل، وعما قدمه خلال مسيرته الفنية التي أمتدت لأكثر من ستين عاماً حيث كانت حافلة بالأصالة والعراقة مما جعلت منه الأستاذ والمعلم للطرب العربي من خلال محافظته على التراث الفني والغنائي الجميل لتبقى مسيرته بمثابة المدرسة الحقيقية للتاريخ والحاضر وأجيال المستقبل، يتم الرجوع والتعلم منها كمدرسة فريدة في نوعها وطريقتها
ولد "صباح الدين أبو قوس" في يوم 2 أيار عام 1933، في مدينة "حلب" في حارة "الأعجام" "القصيلة" حيث كان محاطاً بشيوخ الفن والطرب والمنشدين كان والده رجل دين يعلم القرآن الكريم وتجويده وصاحب طرق صوفية. أصطحبه والده إلى جامع "الأطروش" في حي "باب النيرب" وهو بعمر ثمان سنوات لحضور والإنشاد بحلقات الذكر وباكورة إنشاده كانت (مقلتي قد نلت كل الآرب)، وفي سن مبكرة تمكن من حفظ كامل القرآن الكريم وتلاوته في مساجد "حلب"، ليتعرف بعدها على الملحن الشيخ "بكري الكردي". واجتاز اختبارات فنية صعبة أمام كبار وسمعية مدينة "حلب" حتى سمح له بالغناء.
سافر إلى مدينة "دمشق" للالتحاق وتخرج من المعهد الموسيقي الشرقي في عام ١٩٤٨ ودرس وتعلم أصول غناء الموشحات والقدود ورقصة السماح والصولفيج والقصائد والموال والعزف على العود، وتابع تعليمه وتتلمذ على يد شيوخ الكار مثل "إبراهيم ونديم الدرويش" و"عمر البطش" و"عزيز غنام" و"مجدي العقيلي" و"محمد رجب" وغيرهم، وأولى حفلاته كانت في القصر الرئاسي في "دمشق" في عام ١٩٤٨ على عهد الرئيس "شكري القوتلي" وأمام الزعيم "فخري الباروي" الذي شجعه على البقاء وعدم السفر إلى "إيطاليا" وقام تكريماً لعطائه بمنحه اسمه "فخري" ليصبح اسمه الفنّي الذي اشتُهِرَ به "صباح فخري."
حمل الراحل الكثير من الالقاب مثل (صنّاجة الفن - وأمير الطرب - بلبل الشرق- سلطان الطرب أبو كلثوم سورية) التقى بالفنان المصري "محمد عبد الوهاب" وعندما سمعه أندهش من أداءه قال له ليس عندي شيئ أعطيك إيّاه!.
تميز الراحل أثناء وقوفه على المسرح بقدرته العجيبة على التفاعل مع جمهوره بالغناء والرفص والحركات. سافر كثيراً ودعته أغلب دول العالم العربي والأوربي والأمريكي للغناء على مسارحها وللمشاركة بالمهرجانات لتقديم الغناء التراثي والفلكلوري إلى جانب غناء القصائد والمواويل.
ومن أشهر أغانيه: مالك ياحلوة مالك، ابعتلي جواب، الفل والياسمين، عمي يابياع الورد، يا مال الشام ، العزوبية، ياشادي الالحان ، سيبوني ياناس يا مسعدك صبحية القراصية منين منين، أول عشرة محبوبي، طالعة من بيت ابوها، وغيرها الكثير مما يصعب تعدادهم.
قام بتسجيل العديد من الأغاني التراثية لأرشيف إذاعة "دمشق" وكذلك شارك في بداية البث التلفزيوني في عام ١٩٦٠ عند البدء من "جبل قاسيون". بتسجيل وغناء العديد من أغان التراث والفلكلور الحلبي والسوري.
أعمال سينمائية وتلفزيونية وإذاعية
غنى في مسلسل الوادي الكبير مع المطربة "وردة الجزائرية" و"نغم الأمس" مع "رفيق سبيعي" و"صباح جزائري" وسجل مايقارب الـ ١٦٠ ولحن ما بين أغنية وقصيدة وموشح ودور حفاظاً على التراث التي تشتهر به "حلب" وسجل أسماء الله الحسنى بصوته، والمسلسل الإذاعي "زرياب، وفيلم "الصعاليك عام ١٩٦٥ مع "دريد لحام" و"مريم فخر الدين". لحن وغنى قصائد عربية "للمتنبي" و"أبوفراس الحمداني" و"لسان الدين الخطيب" و"ابن زيدون والفارض وزهر الدين الأندلسي" .
مناصب شغلها
تسلم منصب نقيب الفنانين في "سورية" لأكثر من مرّة قدّم خلالها خدمات جليلة للنقابة وأعضائها، وأيضاً نائب رئيس اتحاد الفنانين العرب، وكان له دور بارز في الاتحاد.
انتُخِبَ عضواً في مجلس الشعب السوري في دورته التشريعية السابعة لعام 1998 استكمالاً لدوره الريادي الفني والقومي.
عضو في اللجنة العليا لمهرجان المحبة في "اللاذقية".
عضو في اللجنة العليا لمهرجان الأغنية السورية ومدير عام للمهرجان الأول والثامن.
الجوائز وشهادات التقدير
شهادة تقديرية من محافظ مدينة "لاس فيغاس" في ولاية "نيفادا" مع مفتاح المدينة تقديراً لفنه وجهوده المبذولة لإغناء الحركة الفنية التراثية العربية.
قُلِّدَ مفتاح مدينة "ديترويت" في ولاية "ميشيغان" ومفتاح مدينة "ميامي" في ولاية "فلوريدا" مع شهادة تقديرية.
أقامت له جامعة U.C.L.A حفل تكريم في قاعة "رويس" وقدمت له شهادات التقدير لأنه حمل لواء إحياء التراث الغنائي العربي الأصيل.
كما غنى في قاعة "نوبل" للسلام في "السويد"، وفي قاعة "بيتهوفن" في "بون ألمانيا".
وفي "فرنسا" غنى في قاعة قصر المؤتمرات "باريس"، كما أقام عدّة حفلات على مسرح العالم العربي في "باريس" وعلى مسرح الأماندييه في نانتير.
قام بجولة فنية ثقافية في "بريطانيا" حيث قدّم حفلات غنائية ومحاضرات عن الموسيقا والآلات العربية في "لندن".
أقام له الرئيس "الحبيب بورقيبة" حفل تكريم وقلده وسام "تونس" الثقافي عام 1975.
قدّم له جلالة "السلطان قابوس" وسام التكريم في 2000/2/5 تقديراً لعطاءاته وإسهاماته الفنية خلال نصف قرن من الزمن وجهوده وفضله في المحافظة على التراث الغنائي العربي.
نال الميدالية الذهبية في مهرجان الأغنية العربية في "دمشق" عام 1978.
نال جائزة الغناء العربي من دولة "الإمارات العربية" المتحدة باعتباره أحد أهم الروّاد الذين مازالوا يعطون ويغنّون التراث الغنائي العربي الأصيل.
كرّمته وزارة السياحة المصرية بجائزة مهرجان "القاهرة" الدولي للأغنية تقديراً لعطائه الفني الذي أثري ساحة الغناء العربي الأصيل الذي سيظل زاداً لإسعاد الأجيال القادمة من عشاق الفن الراقي.
كرّمه مهرجان ومؤتمر الموسيقا العربية في "مصر" وقدّمت له كتب الشكر لمشاركته ومساهمته لعدّة سنوات في المهرجانات التي أقيمت على مسرح دار الأوبرا الكبير ومسرح الجمهورية في "القاهرة" ومسرح قصر المؤتمرات في "الإسكندرية"
وقد حطم فخري الرقم القياسي في الغناء عندما غنى في مدينة "كاراكاس" "فنزويلا" طيلة 10 ساعات دون انقطاع سنة 1968.
من خلال مشاركته في مهرجان "فاس" للموسيقا العالمية العريقة في دورته العاشرة لعام 2004 قدّم له رئيس جمعية "فاس" سايس شهادة تقدير وشكر والعضوية الفخرية لمجلس إدارة المهرجان إجلالاً لفنه وعرفاناً بجهوده للحفاظ على التراث الموسيقي الغنائي العربي، كما قدّم له محافظ مدينة "فاس" مفتاح المدينة مع شهادة تقدير وشكر والعضوية الفخرية لمجلس المدينة وهذه هي أول مرة يمنح فيها مفتاح المدينة لفنان عربي أو أجنبي.
قدّمت له المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم في 2004/6/22 الجائزة التقديرية مع درع المنظمة ووثيقة الأسباب الموجبة لمنح الجائزة لحفاظه على الموسيقا العربية ونشرها.
قلّده الرئيس "بشّار الأسد" وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة في 12 شباط 2007 في "دمشق" وذلك تقديراً لفنّه وجهده في الحفاظ على الفنّ العربي الأصيل ولرفعه راية استمراريّة التراث الفنّي العربي.
عاش عزيزاً ومات عزيزاً
ابنه "أنس فخري" قال: "صباح فخري" هو ملك ورمز وطني لكل الأمة العربية، عاش عزيزاً ومات عزيزاً . اللحظات الأخيرة كانت هادئة جداً... كان بوعيه لآخر لحظة. هو الأسطورة الحية أسطورة "حلب".
فيما ابنه "طريف" وصفَ والده بـ"الهرم السوري العظيم" وسأل الله له الرحمة . وأضاف إنه باق حياً بفنه وتراثه الذي قدمه خلال مسيرته الفنية الطويلة.
زوجته "أم أنس" وصفته بالحنون والكريم المسامح حتى أخر ساعات حياته طالبة الرحمة على روحه.
الفنان "سمير جركس" ترحم على روحه وقام بتقديم التعزية لأهالي "حلب" و"سورية" والأصدقاء طالباً مشاركة الجميع بالتشيع، وأضاف تفاجأت برحيله هو معلم وقدوة لا أحد يستطيع وصفه سوى بقلعة "حلب" صباح فخري".
اتصلتْ "مدونة الموسيقا" بالفنان "صفوان عابد" لسماع شهادته فقال لنا: "أنا حالياً في مشفى الشامي بمدينة دمشق إلى جانب الراحل "صباح فخري" في هذا الوقت يصعب علي جداً الكلام والوصف.
المطرب "جورج وسوف"
دوّنَ على صفحته في التوتير: غاب الكبير...سورية حزينة... ومتذوقو الفن الأصيل في العالم العربي حزينون".
نقيب الفنانين بمدينة "حلب" عبد الحليم حريري" قال: إن مدينة حلب وسورية كلها والفن العربي خسروا قامة من قامات الفن التي لا تعوض عبر العصور والأجيال "صباح فخري" حالة نادرة لن تتكرر بحنجرته الذهبية حيث يعتبر من أجمل الأصوات الفنية على مستوى العالم .
المطرب "أحمد خيري" قال: صباح فخري هو تاريخ كامل لا يختزل ببعض الجمل وعملاق وهرم فني كبير بالموسيقا والغناء سيحدث فراغ من الصعب تعويضه، لنا معه لحظات عظيمة تعلمنا منه أصول الغناء والموشحات والنطق والوقوف على خشبة المسرح، وبالنسبة لي هو بمثابة الأب الروحي التقيت به منذ عامين في معهده التدريسي وأثنى على أداء الشباب الموهبين وتوقع لهم مستقبل باهر في الحفاظ على هوية وغناء التراث العربي الأصيل .
المطربة اللبنانية "نجوى كرم" نعته بالخسارة التي لا تعوض لكل بلاد الشام والطرب الأصيل صاحب مدرسة القدود الحلبية وختمت له بالدعاء والرحمة .
المطرب التونسي صابر الرباعي كتب قائلاً: نشاطركم الأحزان برحيل العملاق الكبير رحمه .
هكذا سيقى تاريخ الثاني من شهر تشرين لعام ٢٠٢١ ذكرى حزينة لعشاقه ومحبيه برحيل قامة فنية كبيرة وأيقونة أحبها الجميع وصفقوا له ووقفوا باحترام وإجلال.