يعدّ المطرب الحلبي الراحل "محمد خيري" واحداً من أهم مطربي فترة الستينيات حتى بداية الثمانينيات على ساحة الغناء المحلي والعربي، وبما قدمه خلال مسيرته من أغانٍ تراثية تمثلت بالموال والدور والموشحات والقدود، حتى أطلق عليه النقاد والجمهور لقب ملك الموال الشرقاوي.
ولد المطرب "محمد خيري" في عام ١٩٣٥ بمدينة "حلب" بحي "قارلق" الحي الشعبي الفقير، ومن محاسن الصدف أن مسكن أهله كان بجوار جامع "قارلق" ليتعلق "محمد" بصوت المؤذن "صبحي الحريري" الذي كان يؤدي آذان الفجر بشكل مميز حسب أهالي الحي.
وزاد في تعلق الفتى اليافع اصطحاب والده "عبدو الترك" لابنه لتحفيظ وتجويد القرآن الكريم وحضور حلقات الذكر والإنشاد والموالد النبوية، ليشكل كل ذلك أرضية خصبة للشاب الموهوب "محمد" حيث سمح له برفع الآذان في الجامع لحسن وجمال صوته الرخيم.
وعندما سمع صوته الملحنان الشيخ "بكري الكردي" و"أحمد فقش" أعجبا به كثيراً وتوقعا له أن يصبح من كبار مطربي المدينة، فقدما له عدة ألحان من الموشحات والقدود، فغناها "محمد" بكل براعة وشطارة وتعلم على يديهما أصول الغناء والموسيقا.
الغِنَاءُ عَلَى المَسَارِحِ وَفِي الإِذَاعَةِ
انطلق الشاب الموهوب "محمد خيري" بالغناء على مسارح المدينة والمشاركة بالحفلات العامة ليزيد أعجاب السميعة له وبما يقدمه من جمال بالصوت والأداء والغناء يطرب الجميع، وليكون الحضور الرسمي الأول بالغناء والتسجيل لإذاعة حلب في عام ١٩٤٩ والتعرف على الملحنين "إبراهيم جودت" و"نديم الدرويش" وبالاشتراك مع زملائه الآخرين "صباح فخري" و"صبري مدلل".
حيث قامت الإذاعة بوقتها بتخصيص أوقات محددة لهم لبث أغانيهم وعلى الهواء مباشرة ثم تسجيلها لحفظها في أرشيف الإذاعة، ومن مدينته "حلب"، وفي عام ١٩٦٠ ومع بداية البث التلفزيوني من جبل "قاسيون" انطلق "محمد خيري" نحو إذاعة وتلفزيون "دمشق" للمشاركة بعدة برامج وحفلات غنائية وموسيقية ولتسجيل عدة أغانٍ تراثية للموال والموشحات والقدود والقصائد القديمة وبعض أغاني "أم كلثوم"، وفي "دمشق" تعرف على الملحن "عدنان أبو الشامات" الذي قدم له عشر أغانٍ لتتوسع شهرته ولتذاع بعدها أغانيه في إذاعات "لندن" و"القاهرة" و"بيروت" و"عمان".
ومما غناه بتلك الفترة: "ابعتلي جواب- فاتر الأجفان- زراني تحت الغياهب - ياقلبي ليه - قالولي بتعشق- آه يا حلو يا مسليني - ابعتلي جواب - القراصية - موال قل للمليحة - موشح ملا الكاسات - موشح أسقي العطاش تكرماً - بيني وبينك حالو العوازل- يامال الشام - ردي ردي عليه ردي - قدك المياس- وغيرها".
دَعوَة "فَرِيد الأَطرَشِ" لَهُ بِالبَنَانِ!
وبعد أن ذاع صيته كمطرب له حضوره وغناؤه المميز بدأ بتلقي الدعوات من مختلف بلدان العالم والدول العربية للغناء فوق مسارحها، ولكن الدعوة الأشهر له كانت للغناء ولمدة عامين في مدينة "باريس" وبعدها سمعه المطرب "فريد الأطرش" وأعجب بصوته كثيراً وبما يقدمه من غناء مميز ليقوم بتوجيه الدعوة الرسمية له للغناء في الكازينو الخاص به بـ"بيروت" واستمر بذلك لمدة ثلاث سنوات متتالية.
وعندما سأل المطرب "فريد الأطرش" لماذا لم تقدم له ألحاناً من عندك، أجابه: كلما فكرت بتقديم لحن جديد له وجدته يغني أفضل مما سأقدمه له، لذلك لا داعي لأن أقدم له أي شيء.
أُسلُوبٌ غِنَائِيٌّ مُختَلِفٌ
تميز الراحل "محمد خيري" بأسلوب المختلف بالغناء، حيث عرف عنه عدم إنضباطه وتقيده باللحن وتقديمه بشكل مختلف وشعبي وفني يحبه الجمهور أكثر مع إعادة وتوزيع الأغاني القديمة، وتميزه وتنقله ببراعة بين القرار والجواب وبشكل سلس، ومما أذاع شهرته وصيته حسنُ غنائه وأداؤه للموال حتى أطلق عليه لقب ملك الموال.
نِهَايَةُ المَطَافِ
سقط الراحل "خيري محمد" وهو يغني فوق مسارح بيروت في ٢٣ أيار عام ١٩٨١ عن عمر ٤٦ عاماً بعد أن ترك أرشيفاً فنياً يمكن اعتباره مرجعاً مهماً في كيفية غناء القدود والموشحات والقصائد والموال.