تحمل رحلته في عالم العزف والغناء الكثير من المحطات المتميزة، لم يفارق ذلك العالم، منذ أن وعي الحياة، يستمر معه حتّى تاريخه، ليكون أحد أكبر الفنانين حالياً على مستوى الجزيرة السوريّة، لم يهزمه المرض وكبر السن، فهو عاشق ومحب للفن والتراث الكردي.

الفنان "شفيق محمود" المعروف لدى أبناء المنطقة عامة بـ"أبي رعد" أو "شفيق الطمنبور فان" لقب كردي يحمله منذ سنين طويلة، ويعني "شفيق العازف"، لا يمنح هذا اللقب إلا من يستحقه، وقليل من الفنانين الأكراد الذين تُوجوا بهذا اللقب.

بِدَايَةُ الرِّحلَةِ

بدأت رحلة الفنان "شفيق أبو رعد" في سنوات الأولى، متأثراً بملك الفلكلور الكردي حسب وصفه، يقول عن ذلك: «كنتُ صغيراً وشاهدتُ أداء الفنان الكبير "يوسف جلبي" كان رائعاً عزفاً وغناء، حتّى وهو مفارق الحياة، فإن لقب ملك الفلكلور الكردي ملازم له، من شدّة تعلقي بأدائه الفني، وكان السبب في زيادة عشقي واهتمامي بالعزف والغناء، كنت أسير في الطرقات، مردداً كلمات أغانيه، حتى ترسخت في ذاكرتي وأنا طفل، عندما وصل عمري لـ14 ربيعاً، كانت المفاجئة لأهلي وأهل قريتي وأصدقائي وحتّى لمعلمي "يوسف جلبي"».

1- الفنان شفيق محمود الملقب شفيق أبو رعد

الانطلاقة الأولى لعزفه وغنائه كانت متميزة، تلقى معها الكثير من التشجيع والتحفيز، واستمر عازفاً ومغنياً لسنين وسنين، يقول عن ذلك: "كان عمري 14 سنة، عندما حملت لأول مرة البزق غنيت وعزفت 3 أغان فلكلورية كردية للفنان "يوسف جلبي" وصفتُ من الحضور والمستمعين بكلمات جميلة، أحدهم قال لي بعد الأداء الأول بأنني استحق بزقاً من الذهب، وصاحب البزق الذي استخدمته برسم الإعارة منحني إياه كهدية، والقدوة "يوسف" قال لي حرفياً: "ينتظرك مستقبل جميل في مجال الفن"، كل ذلك منحني تفاؤلاً وثقة كبيرة، وبعد ثلاثة أشهر من الخطوة الأولى، كانت المفاجأة الأهم).

حَفلُ زَفَافِهِ!

المفاجأة الثانية للفنان "شفيق" عندما وصل عمره لسن الـ15، وبعد ثلاثة أشهر بالتمام والكمال من التجربة الفنية الأولى، كان موعده لدخول القفص الذهبي، الأهم بأنه أحيا حفلة زفافه، أدهش الحضور بخطوته وأدائه الموسيقي وعزفه وغنائه، منذ ذلك الوقت لم ينزل البزق من يده، ليكون أحد أشهر الفنانين، وأكثرهم تميزاً وخبرة وسنوات كثيرة في الساحات الفنية على مستوى منطقتنا.

2- العازف لازكين محمد مع الفنان شفيق أبو رعد

بعد يوم الزفاف، وهو متنقل من حفلة لأخرى من مكان لآخر، يتوافد إليه الأهالي من كافة المناطق والبلدات والقرى، ليشاركهم حفلاتهم، يحجزون دوراً مسبقاً وقبل أسابيع، وظل على هذه الحال سنوات كثيرة وصلت لأكثر من نصف قرن، يقول عن ذلك: "أحييت حفلات فنية وأعراساً ومناسبات لا تعد ولا تُحصى، حالياً اعتبر أكبر الفنانين في المنطقة، حافظت على التراث والفلكلور الكردي، كان الأهالي يرغبون بحفلاتي، لأنني أملك قدرة على العزف والغناء لمدة 24 ساعة متواصلة، حتّى أن عملي في صوامع الحبوب قبل فترة من الزمن لم يدم طويلاً، لأن الأهالي كانوا يأتون لعملي في سبيل مرافقتي لهم لإحياء الحفلات الفنية، ميزتي في العزف على الطمنبور والبزق بأنني استخدم أصابعي فقط، كل الأغاني التي أغنيها للفنان الراحل "يوسف جلبي" بالإضافة لتأليفي عدة أغان خاصة بي، كلّها "أفيني" أي غزلية".

أوقفه أحد الصحفيين وسأله عن الأموال والممتلكات التي يملكها، والتي كسبها من رحلته الفنية، فكان جوابه التالي: "قلتُ له أملك أكبر وأكثر من السيارات والقصور، أملك حباً ثميناً من جمهوري وناسي وأصدقائي، كلما سرتُ في الشارع تستوقفني السيارات ليأخذوني إلى وجهتي ومقصدي، وهذا الحال في المحال التجارية والأسواق والحارات، وتواجدي في منزلي المتواضع أهم من القصور والترف، طالما هناك الأهم وهو حب الناس لما قدمته من رسالة فنية".

3- الفنان شفيق أبو رعد في ورشته لآلات البزق

أغلب الأحيان عندما يعود من حفلة يجد منزله مكتظاً بالضيوف والزوّار، يترقبون وصوله، بهدف حجزه لحفلاتهم وأعراسهم، أما الجواب فكان جاهزاً: تم حجزي من المكان الذي عدت منه، ومن الحفلة نفسها تم حجزي حسب كلامه للضيوف.

تَجرُبَتُهُ فِي إِصلَاحِ الآَلَاتِ المُوسِيقِيَّةِ!

لديه تجربة جيدة ومشوار طيب مع إصلاح وتصنيع بعض الآلات الموسيقية، يضيف عن هذا الأمر: «تعلمت صناعة وإصلاح الآلات الموسيقية من صديق نجار يسمى "حمو" تخصصت بشكل خاص في الطمنبور والبزق، رغم المرض والكبر في العمر لم أترك العزف والإصلاح والصيانة، علماً أنني تصرفت وتخلصت من عدة عملي للإصلاح خوفاً منها على صحتي خاصة وأنني أجريت أكثر من عمل جراحي، أحدها في الرأس، لكنني جئت بأدوات أخرى، ومتسمر بالمهنة عازفاً ومغنياً في سهرات وجلسات عائلية وللأصدقاء ومصغرة، ومتسمر بالإصلاح أيضاً.

يحظى الفنان الكردي الشهور "شفيق محمود" بمحبة واحترام غالبية أهالي المنطقة، لما يقدمه من أداء فني مميز، وحرصه على التراث الفني الكردي، بالإضافة إلى مواقفه الإنسانية في مجال مهنته الفنية، أشار إلى هذا الجانب الفنان "محمود الخلف": «مبدع ومتألق في العزف والغناء، عندما يدخل المجال الفني وهو في هذا العمر، تجده معطاء بروح الشباب، لا يكل ولا يمل في الغناء والعزف، وتشهد له مواقف اجتماعية وإنسانية دائمة، أبرزها إحياء الحفلات مجاناً لغير المقتدر وفقير الحال، وأكثر من ذلك يشارك في إهداء العروسين هدية زفافهما، لا يفارق الناس مجلسه في منزله ليسمعوا ويستمتعوا بجلساته الموسيقية الجميلة".

يشارك الفنان "لازكين محمد" الفنان "شفيق أبو رعد" من خلال العزف معه على آلة البزق، وجدير الذكر أن "شفيق" من مواليد 1948 القامشلي.