لطالما بحث العازف على آلة العود "عروة صالح" في إمكانية الدمج بين الثقافتين الغربية والشرقية ضمن نتاجاته الموسيقية، حيث تمكن عبر إقامته لسنوات في أوروبا من إحياء حفلاته بنمط مختلف مدروس، وفي إيجاد آلية جديدة في العزف جذبت الأنظار إليه، عندما ترجم موسيقياً ما في داخله من طموح وموهبة فريدة.

اِتِّجَاهَان!

شجعته والدته على اختيار آلة العود، وكان لديها اهتمام موسيقي وطموح وإصرار كبيرين بأن يكون كل ابن من أبنائها عازفاً على آلة موسيقية، هذا ما أفاد به العازف "عروة صالح" لموقع "مدونة الموسيقا" وتابع قائلاً: «نشأت ضمن أجواء موسيقية مع أخوتي الذين كان لهم الدور في تشجيع بعضنا البعض على العزف على مختلف الآلات الموسيقية، لكن بالنسبة لي تابعت على آلة العود إلى اليوم، من الناحية الأكاديمية تلقيت تعليمي في مجال العزف على آلة العود بدايةً ضمن معهد الشبيبة مع مجموعة من الأساتذة الذين كانوا يتعلمون في المعهد العالي للموسيقا، ثم سافرت بعد ذلك إلى بيروت لأتابع التعليم في المعهد الوطني (كونسرفتوار) بالمدينة بالتعاون مع الأستاذ "شربل روحانا"، ثم تابعت مسيرة تعليم العزف على يد الموسيقي "خالد جرماني"، وبعد ذلك عدت إلى دمشق وتابعت الدراسة الأكايديمة فيها وتخرجت من المعهد العالي للموسيقا تحت إشراف "عسكر علي أكبر"، إن آلية تعليم الموسيقا في سورية ودمشق على وجه الخصوص عززت من تعلقي بآلة العود، حيث تعلمت اتجاهين على آلة العود الأول متمثل بالموسيقا العربية التقليدية التي تشمل المقامات والمؤلفات الخاصة بآلة العود المكتوبة منذ المعهد العثماني، كالمسمعيات مثلاً، بالإضافة للأعمال المكتوبة عن هذه الآلة من المدرسة العراقية، وفي ذات الوقت تعلمت الموسيقا الكلاسيكية "الغربية"، والفهم العام للموسيقا وتاريخها وكيفية تنزيل القطع الغربية على آلة العود».

اهتِمَامٌ مِن نَوعٍ آَخَر

تحقيق بعض من التوازن بين الموسيقا الشرقية والغربية على آلة العود أمر جميل جداً، يقول العازف "عروة" ويتابع: «ومن هذا المنطلق يمكن للموسيقي أن يطور بأدائه من خلال استخدام تقنيات العود وهذا جانب آخر كلياً، لكن لطالما بت أتطلع لتعلم آلة أخرى إضافية للعود كالغيتار مثلاً أو البيانو، إذ كان لدي اهتمام واسع بموسيقا الجاز والروك، لذلك كنت أسعى لأن ألتحق بورشات عمل في هذا المجال بشكل جديٍّ، لم يكن بالأمر السهل لموسيقي أن أعزف الموسيقا العربية على آلة العود، وبذات الوقت كشخص يحب تعلم النمط الغربي في الموسيقا، وأخذ هذا المنحى من تفكيري الكثير، لسنوات عدة، حتى تمكنت أخيراً من تقديم موسيقا تشبهني وذلك من خلال سفري إلى أوروبا، (النمسا 2012) فقررت أن أكسر النمطية ليس فقط عبر كيف يجب أن يكون عازف العود وحسب، بل أصبحت أعمل على تقديم نفسي كما أرغب بأن أكون بالفعل كموسيقي، سواء من خلال العزف الشرقي أو الكلاسيكي على هذه الآلة».

1- الفنان عروة صالح

تَطوِيرُ أَدَاءٍ

2- عروة صالح مع فرقته في إحدى الحفلات

أسس عمله الموسيقي من جديد في أوروبا وذلك عبر لقائه بالعديد من الأساتذة والموسيقيين، وخلال هذه الفترة تمكن في تطوير عمله وتقديم عدد من المشاريع الموسيقية مع موسيقيين كثر ومن جميع أنحاء العالم، يشير الموسيقي "عروة صالح" ويتابع: «عزفت في إيران، وفيتنام، وفي الصين، كما عملت مع المؤلف "كريستوف تشيك" الذي عمل على تطوير أفكاري في آلية التعامل مع العزف على العود، وهو مدير قسم الجاز في جامعة لينز، وهو مَن أكّد لي دائماً أنه يجب على العازف اكتشاف كل ما يرغب في عزفه وأن يدرك هويته الموسيقية بنفسه ليس فقط من الناحية التقنية بل من جميع النواحي.

بعدها -يضيف عروة- تمكنت بالتعاون مع الزملاء من تسجيل أول ألبوم لي (رحيل) في عام 2014، ونلت جائزة الاندماج عن فئة الثقافة في مدينة "لينز في النمسا" عام 2015، ضمن مشروع "روح" الذي كان بمثابة رباعي موسيقي بمشاركة موسيقيين اثنين من النمسا وموسيقي تركي، وكنا نستضيف موسيقيين سوريين كضيوف في هذا المشروع الذي فتح لي الباب لمشروعي الثاني بعنوان "نوافذ إلى الشرق" الذي تضمن كلاً من الزملاء "بسمة حبر ومياس سليماني"، أما في عام 2019 أطلقت بالاشتراك مع الفنانة بسمة جبر مشروعاً موسيقياً بعنوان "الأغاني التي نتذكرها"، وكل هذه التجارب عززت من ثقتي على المسرح كعازف ومؤلف موسيقي».

3- عازف العود عروة صالح مع المغنية بسمة جبر

نِتَاجُ الغُربَةِ!

تجربة الغربة والسفر تؤثر بشكل كبير على النتاج الفني، يقول العازف "عروة" وأدت لتوسيع آفاقي الفنية، ويتابع: «خضت في أوروبا تجارب جديدة وكانت غنية، عبر تجربة التبادل الثقافي والموسيقي، حيث أدركت ضرورته من خلال تنقلي في بلدان أوروبية مختلفة فتعرفت على وجهات نظر موسيقية جديدة ومختلفة وعلى أنماط موسيقية جديدة، ما ساعد على نشر إنتاجاتي الموسيقية عبر لقائي المباشر مع جمهور متنوع ومتبدل في كل رحلة، وهذا أكسبني تجربة إضافية، وهي فرصة التعرف على المسارح الجديدة، ومن ضمن مشاركاتي المهمة كانت عبر العزف وتسجيل ألبوم مع أوركسترا موسيقا الباروك، كما شاركت في تسجيل موسيقا تصويرية في فلم نمساوي، وأعمال موسيقية للوثائقيات، لكن حالياً أركز بشكل كبير على العزف وعلى الأداء المسرحي وأعمل على تسجيل ألبوم جديد لفرقتي "عروة صالح" بمشاركة عدد من الزملاء من إيران ومن النمسا وبمشاركة الفنانة "بسمة جبر" كما ونعمل على إطلاق هذا البوم في شهر مايو 2022، إضافة الى إقامة جولة فنية بعدة مدن خلال العام الحالي، بالإضافة لتسجيلي ألبوم آخر مع فرقة "ميوزك إن تاتش" وهو أيضاً مشروع بدأت به منذ عام 2015 وأركز عليه بمشاركة وإشراف المؤلف "كريستوف تشيك"».