"بكري الكردي" هو واحد من القلة القليلة النادرة الذين يولدون بالفطرة فنانين مبدعين، وهذا ما ظهر عليه في طفولته من حبه وتعلقه بالغناء وحب الموسيقا، عندما أتى به والده وفي سن الطفولة من مدينة "جسر الشغور" في "إدلب" إلى مدينة "حلب" حيث ألحقه مباشرة بدراسة أصول علوم الدين والإنشاد والقدود والموشحات والمونولوج على يد الأساتذة "عبد الحميد الموري" و"توفيق الصباغ" و"علي الدرويش" و"عمر البطش"، والذي استفاد منه كثيراً في مجال تعلم التلحين.
وبعد صقل صوته بات يدعى إلى حفلات الإنشاد والموالد التي تقام في المساجد مع زملائه "عمر مكناس" و"قدري السنجقدار" و"رضوان نيال" وحتى في السهرات البيتوتية الخاصة التي تقام مساء كل يوم خميس، حيث تعلم العزف على آلة العود على يد عازف القانون الشهير "سامي صندوق".. أحب المسرح وانضم إلى فرقة الغناء مطرباً وعازفاً طوال ست سنوات مع زملائه "سليم غزالة" و"إبراهيم عبد العال" و"محمود حسن" و"نوري الملاح"، ترك الغناء وهو بعمره ٢٥ عاماً ليتفرغ للتلحين فقط، وأصبح مؤذناً في جامع "الملخانة"، ومن ثم كلفه "باقر الجلبي" برفع الأذان بالجامع الكبير، ويقال إنه مع عمله الفني أسس متجراً لبيع والشراء الألبسة ولم يوفق به فأغلقه نهائياً بعد تكبده خسارة مادية.
دعته إذاعة "حلب" عند تأسيسها في عام ١٩٤٩ ليكون أحد أعضاء الفرقة الفنية فيها، ولحن بوقتها أغنية "القلب مال للجمال" وذاع صيته بعد بث هذه الأغنية كثيراً من استديوهات الإذاعة، ولحن قصيدة "سلمى" التي غناها الراحل "سمير حلمي" وكذلك الراحلة "ماري جبران" وفي الطقوطقة لحن مجموعة "بالليل جنح الظلام" التي غناها الراحل "مصطفى ماهر".
شَرَاكَةٌ فَنِّيَّةٌ مُثمِرَةٌ مَع الشَّاعِرِ "حُسَام الدين الخطيب"
تعرف في بداية الأربعينيات على الشاعر "حسام الدين الخطيب" حيث عملا سوياً على تأليف وتلحين القدود والموشحات الحلبية، وقدما عدداً من اللحان للمطربة "نور الهدى" و"ماري جبران" و" ليلى نظمي" و"محمد خيري" و"صباح فخري" و"مصطفى ماهر" و"فؤاد خانطوماني" و"صبري المدلل" و"حسن حفار"، ويقال إنه قدم للمطربة "نور الهدى" (الكسندرا بدران) أكثر من عشرين لحناً غنيت على مسارح مدينة "حلب".
تابع شراكته الفنية مع الشاعر "الخطيب" بتلحين زجلية تقول: يا روحي جفاكي خايف يطول... ولحن موشح "لو زارني الحبيب.. في غفلة الرقيب ما كنت كالغريب". وكذلك قصيدة "العبرة" و"أقبل الصبح" التي غناها الراحل "صباح فخري"، تتلمذ على يديه وتعلم منه فن التلحين الكثير من الموسيقين والمطربين ومنهم "محمد خيري" و"محمد قدري دلال".
ابعتلي جواب وطمني
توج ثمرة التعاون الفني الناجح بينهما (الكردي والخطيب) بكلمات وألحان الأغنية الشهيرة "ابعتلي جواب وطمني.. ولو أنه عتاب ما تحرمني" من مقام البيات، واعتبرت هذه من أهم وأشهر أغاني التراث الحلبي، في البدء غناها الشيخ صبري المدلل بأسلوب فني ساحر، وتداولها من بعده المطربون الراحلون "صباح فخري ومحمد خيري ومصطفى ماهر وعبود بشير وعمر سرميني".
فَنَّانٌ شَامِلٌ
"بكري الكردي" هو واحد من كبار الموسيقين زمن الرواد تركز نشاطه على التلحين وهو أول من لحن قالب الدور المصري، كما لحن العديد من القدود والقصائد والطقاطيق.
الناقد الموسيقي الدكتور "أيمن سيد وهبة" قال:"بكري الكردي" هو مطرب وملحن رائد من جيل العمالقة وأول من لحن الأدوار في "سورية" بعد الملحنين المصريين.. كما أشتهر بألحانه الكثيرة في مجال الطقطوقة والموشح وتلحين القصائد.. وشكل مع الشاعر "حسام الدين الخطيب" ثنائياً بديعاً، ستظل ألحانه تنبض فينا شغفاً وحباً وترددها الأجيال جيلاً بعد جيل، ومن أشهر المطربين الذين غنوا ألحانه، "نور الهدى"، "ماري جبران" "فيروز الحلبية"، "صباح فخري"، "محمد خيري"، "صبري مدلل"، "مصطفى ماهر"، "سمير حلمي"، "ليلى حلمي"، "فؤاد خانطوماني"، "حسن حفار"، وأشهر ألحانه "ابعتلي جواب" و"آنست يا نور العيون" و"يا محمد لك اللوا والتاج" و"القلب مال للجمال" وهناك العديد من الألحان المثيرة التي تألق بها.
نِهَايَةُ المَطَافِ
ولد الراحل "بكري الكردي" في عام ١٩٠٩ ورحل ودفن في مقبرة جبل العظام في مدينة "حلب عام ١٩٧٩، ويقال إن السنوات الأخيرة من عمره شهدت حالة إنطواء وإنزواء وابتعاد عن المجتمع، عاش ومات فقيراً، لكنه ترك كنزاً فنياً للتراث الحلبي والسوري لا يقدر بثمن.