لم يقتصر غناء الطرب الحلبي في مدينة "حلب" على شريحة معينة من المجتمع امتهنت الغناء دون غيرها، لا بل شمل أغلب أصحاب المهن الأخرى ومن دون تميز. وإذا بحثنا ودققنا بالأسماء الفنية والطربية، نجد أسماء عديدة ومن حملة الشهادات العليا، فضيف مدونتنا نشأ في عائلة فنية كلها تحب غناء المواويل والطرب الحلبي ومن هذه الأرضية الخصبة جمع الدكتور "محمود شومان" ما بين مهنة طب الأسنان وهواية الغناء، وأعطى كل جانب حقه من دون إهمال الآخر.

بِدَايَاتٌ فَنِّيَّةٌ

يقول الدكتور "شومان" لـ"مدونة الموسيقا": اقتبست حب الغناء من والدي الذي كان يملك صوتاً جميلاً يقلد به الراحلين "فريد الأطرش ومحمد عبد الوهاب" وحتى أصوات والدتي وعمتي بمنزلنا كان لهم نفس العذوبة. وبعمر ستة عشر عاماً انتسبت لمعهد الشبيبة للموسيقا تحت إشراف المدرس "خالد ترمانيني" الذي درسني الصولفيج والمقامات والقدود والموشحات، وأثناء دخولي الجامعة بكلية العلوم بدأت الغناء بالحفلات الجامعية.

دِرَاسَةُ طِبِّ الأَسنَانِ وَالغِنَاءِ فِي زاغرب

ويتابع: وفي عام ١٩٨٤ وبسبب رغبة والدي دراسة أحد فروع كلية الطب تركت الدارسة بجامعة "حلب" وسافرت إلى يوغسلافيا لدارسة طب الأسنان، وهناك كان صوتي الغنائي الجميل أكثر وسيلة تعارف سريعة لي داخل أوساط الطلاب والحرم الجامعي.. وشاركت بأغان من التراث والفلكلور السوري والحلبي على أغلب المسارح الجامعية اليوغسلافية، وساعدتني السفارة السورية في زاغرب بإرسالي إلى أغلب المدن الأخرى للغناء، وذاع صيتي كطالب طب أسنان ومطرب يغني القدود والموشحات.

1- المطرب الدكتور محمود شومان

مِن فِرقَةِ المُطرِبِ الرَّاحِلِ "صباح فخري"

2- المطرب الدكتور محمود شومان مع عازف الكمان نديم ناطور

في عام ١٩٩٢ عدت إلى مدينتي "حلب" حاملاً شهادة طب الأسنان لكن بذات الوقت كانت جذوري غنائية وبدأت أبحث عن ذاتي في الوسط الفني بالمدينة، وتابعت مشواري الدراسي الفني بمعهد شباب العروبة لتعلم الموشحات بشكل أقوى، وتعرفت أثناءها على عازف العود "إبراهيم هورو" الذي رشحني لأجراء فحص مقابلة لكورال فرقة الراحل الكبير "صباح فخري"، ولازلت أذكر لحظات الاختبار أمام الراحل في منزله بحي الميرديان كلمة بكلمة. يومها قال لي: "أنت دكتور وصوتك حلو"، رددت بخجل: "الله يكرمك أستاذ"، ثم تابع الحديث: هات سمعنا إش حفظان؟ وغنيت أمامه "لأرسل سلامي لسالم وما حدا من العشق سالم"، ومع الانتهاء مازحني: "إذا ردنا نسفرك معنا الحَجّة بتوافق؟ وكان يقصد زوجتي! جهز أمورك وجواز سفرك عنا شغل وسفرات داخلية وخارجية"! واعتبرت نجاحي أمامه يعادل نجاحاً بكلية الطب، وأول مراحل العمل معه كانت بمهرجان المحبة والسلام في "اللاذقية" ثم السفر إلى مهرجان قرطاج بتونس والمغرب ومصر ودول الخليج، وكان مشجعاً وداعماً لي أثناء الحفلات حيث كان يصمت في بعض المقاطع ويشير بأصبعه نحوي طالباً مني إكمال المقطع بصوتي، وبقيت معه ما يقارب ست سنوات، واعتبرها من أجمل مراحل عمري حيث استفدت منها فنياً كثيراً بتصحيح الأخطاء والهفوات الغنائية وكسر حاجز الخوف أمام جماهير المسرح الغفيرة التي كانت تحضر.

التَّوَقُّفُ خِلَالَ الأَزمَةِ

ومع بدء الأزمة الأخيرة تراجع نشاطي الفني لا بل شبه توقف للظروف المعروفة، واقتصر على تواجدي داخل عيادتي حصراً لعلاج المرضى مع حنيني للفن والغناء، ومع بدء الانفراج عدت للغناء مع زميلي المطرب "أحمد خياطة" بعدة حفلات خاصة وعامة، والغناء في حفلات مسرح نقابة طب الأسنان أكثر من مرة؛ وأجريت لقاءً فنياً بصحبة المطرب "صفوان العابد" على إذاعة "دمشق" مع المذيع "جمال الجيش" وكذلك لقاء تلفزيونياً آخر غنيت فيه من التراث الحلبي وكان البرنامج بعنوان طبيب وفنان.

3- عازف الأورغ الدكتور يعقوب أصفر

الفَنُّ حَالَةٌ إِنسَانِيَّةٌ مِثلُ الطِّبِّ

4- المطرب صفوان العابد

ويختم الدكتور الفنان "محمود شومان" حديثه لـ"مدونة الموسيقا" بحبه العميق لغناء التراث الحلبي كلما سنحت له الفرصة، معتبراً هذا الفن حالة إنسانية ووجدانية مثله مثل الطب، حيث يساعد على خلق البسمة والسعادة والصحة والشفاء لدى الآخرين.. الله خلقني لأكون طبيباً ومحباً للغناء والفن، ولن أتخلى عنهما.

شَهَادَاتٌ فَنِّيَّةٌ

طبيب الأسنان عازف الأورغ يعقوب أصفر أشاد بمقدرة وجمال صوت زميله، وأضاف: عملنا معاً أكثر من حفلة داخل نقابة طب الأسنان. وأضاف: صوته قوي وجميل يمتع الحاضرين ومتفهم لكافة الأمور الموسيقية بثقة.

5- شومان يغني في الاتحاد الوطني لطلبة سوريا في يوغسلافيا

أما المطرب "صفوان العابد" قال: الدكتور "شومان" لديه إحساس غنائي مميز وصوته جميل لا غبار عليه ولا يقل عن مهارته بطب الأسنان. ومشلكته أنه غير متفرغ للجانب الفني بشكل كامل.

عازف الكمان نديم ناطور الذي عزف له مقطوعات هذه المادة امتدح صوته كثيراً بالقرارات والجوابات. وأضاف: أعجبتني قوة وجمال صوته كثيراً وهذه أول مرة أسمعه وأتعرف عليه.