منذ مراحل طفولتها المبكرة بدأت ميول "كريستينا اسحق" تتجه نحو العزف على آلة البيانو، فكانت أول محاولاتها عزف إحدى أغنيات الراحل "ملحم بركات"، لتبدأ بعدئذٍ بتعلم العزف لمدة أربع سنوات على يد أساتذة متخصصين "لينا مقدسي ومارون إبراهيم"، ثم توقفت لفترة وعادت لتلقي الدروس في العزف على البيانو، وما إن دخلت مرحلة المراهقة حتى أخذت ميولها تتجه نحو منحى آخر.
وَاقِعٌ مُشَاكِسٌ
تقول "كريستينا" في حديثها لـ"مدونة الموسيقا": «بعد توقفي تماماً عن دروس العزف في مرحلة المراهقة، لعدم قدرتي على الالتزام بالتدريب، عاد لي الشغف أثناء دراستي الأدب الإنكليزي، فقررت العودة إلى آلتي التي أحب بشكل جدي، وفعلاً عدت إلى جلسات التدريب، وبعد تخرجي من الجامعة فكرت بالانتساب إلى المعهد العالي للموسيقا في دمشق، لكن الواقع كان محبطاً، ولم يكن ملائماً للطموحات حينئذٍ، فالقبول في المعهد كان بحاجة إلى سنوات طويلة من العزف والخبرة والدراسة الموسيقية، لذلك وعملاً بنصيحة صديقيّ وقد كانا من طلاب المعهد العالي للموسيقا، وبعد سماعهم لأدائي الأوبرالي المحترف في إحدى المناسبات في الكنيسة، تقدمت إلى المعهد قسم الغناء الكلاسيكي والتمثيل، وقبل اختبارات القبول خضعت لعدد قليل من ساعات التدريب، أي ما لا يتجاوز ثمانية دروس فقط، فكنت أسافر مرّة واحدة في الأسبوع إلى حمص للتدرب مع أستاذة الغناء "مارينا بوغايتشوك"، ومرة أخرى إلى دمشق لأتلقى درساً في الصولفيج، ثم أعود إلى طرطوس، حتى جاء يوم الاختبار، وتم قبولي مع اثنين من زملائي من بين 30 متقدماً، وهنا لا بدّ أن أشير إلى أن كل هذه الرحلة الشاقة للقبول في المعهد لم تكن بهدف تعلم غناء الأوبرا بقدر ما كانت بنيّة تعلم البيانو كآلة ثانية في المعهد، لكني خلال تلك السنوات تعلمت الكثير عن الغناء الأوبرالي على يد أساتذة محترفين، أذكر منهم "رشا رزق" و"آراكس تشيكجيان"، وهكذا تحولت عن حلمي بأن أكون بيانيست إلى مجال مختلف كلياً».
رِحلَةُ تَحقِيقِ الحُلُمِ
الحرب المفروضة على سورية، وسوء الأوضاع في دمشق وغيرها من المحافظات وضع "كريستينا" أمام خيارات صعبة قبل سنة وفصل فقط من التخرج حسب قولها، فكان لا بدّ من اتخاذ القرار، فإما التخلي عن الحلم، أو أن تحارب لتحقيقه، لذلك تواصلت مع عدة جامعات في "بريطانيا" و"ألمانيا" و"بولندا"، حيث وقع اختيارها أخيراً على جامعة "كريستوف بينديرتيسكي" في بولندا، لتتابع فيها دراستها في قسم التمثيل والغناء.
رحلة تحقيق الحلم لم تكن أمراً سهلاً فقد واجهت "كريستينا" صعوبات تقول عنها: «اختلاف الثقافة الموسيقية بين سورية وبولندا التي تعد فيها الأوبرا أحد أعمدة الثقافة في الموسيقا الكلاسيكية لم يكن بالأمر السهل، سواء من ناحية الضغط الدراسي الذي لم يكن موجوداً في المعهد العالي في دمشق، كذلك اختلاف اللغة وطريقة نطق الحروف ومخارجها، ناهيك عن حادث أليم تعرضت له، سببه سقوط أحد الجدران المستعارة خلال أحد العروض، ذلك قبل تخرجي من الماجستير بثلاثة شهور فقط في العام 2017، اضطررت بعدها للعودة إلى سورية لإجراء جراحة، ولم أتمكن بعدئذٍ من الحصول على فيزا للعودة إلى بولندا لمدة عامين، ثم كان الحظر الذي فرض خلال جائحة كورونا، كل هذه عوامل أعاقت عودتي لإكمال دراستي لمدة أربع سنوات، لأعود بعدها وسط ترحيب كبير من الجامعة وتقديم العديد من التسهيلات التي انتهت بتخرجي بدرجة ممتاز من قسم الغناء والتمثيل».
تَجَارُبٌ نَاجِحَةٌ
وأثناء تواجد "كريستينا" في سورية تحديداً في العامين 2017 و2018 كان لها تجربة غنية في التدريس الموسيقي لدى المعهد العالي للموسيقا، حيث درّست مادتي الأوبرا والتمثيل المسرحي، شاركت خلالها تجربتها مع طلابها، محاولةً أن تكون بالنسبة لهم المعين والسند، بناءً على ما اكتسبته من خبرة في رحلة تحقيقها لحلمها، حسب تعبيرها.
لكن منذ العام 2010 كان لـ "كريستينا" الكثير من المشاركات، قالت عنها: «أوبرا "زواج فيغارو" كانت المشاركة الأولى لي في سورية في العام 2010 مع أهم الأساتذة، منهم "رشا رزق" و"بيير خوري"، وكانت أول أوبرا تضم كاست سورياً بالكامل، عدا ممثل أجنبي واحد فقط.
كذلك كان لي الكثير من المشاركات مع الأوركسترا السورية داخل سورية وخارجها، منها في "الجزائر" وفي "الأردن"، كما أن مشاركاتي مع الأوركسترا السورية لم تكن فقط بالغناء الأوبرالي إنما أيضاً غناء شرقي، أهمها حفلة حملت اسم (شرق وغرب)، أيضاً بين العامين 2017 و2020 كان لي العديد من حفلات الغناء الأوبرالي مع الأوركسترا السورية، كما كانت لي مشاركات مهمة بعدة حفلات في أوروبا شملت مسارح في "فرنسا" و"التشيك" و"النمسا"، قدمت خلالها موسيقا كلاسيك ومعاصر، وفي بولندا لعبت ثلاثة أدوار رئيسة في عدة مسرحيات، وشاركت في حفلات مع أحد المغنين المشهورين، تركت صدى كبيراً جداً.
ومن أحب الأعمال إلى قلبي غناء شارات أفلام الكرتون مع "ديزني بالعربية"، حيث جسدت شخصيات كالأميرة "ياسمين"، والأميرة النائمة، وكانت لي مشاركة مع "رشا رزق" في شارة برنامج أطفال في أغنية اسمها "رحلة فتاتين"».
يذكر أن مغنية الأوبرا كريستينا اسحق من مواليد "طرطوس" 19 نيسان 1984 وتقيم في "بولندا".