يبدو أن البحث عن مخرج لموقف صنعته طفلة بادّعاء العزف على العود خطوة رسمها القدر، جعلتها تحمل عودها بين يديها وفي حنايا القلب، عازفةٌ صنفت بين أمهر ثلاثين عازفاً على مستوى كندا ومع الأوركسترا الكندية العربية، حاملةً مشروعها الموسيقي والعلمي بشغف لتقديم الأجمل والأفضل بما يرضي روحها ويفرح نفسها التواقة للنجاح.

تقول منار نعيم لـ"مدونة الموسيقا": "اندفعت للإجابة على سؤال معلمتي: من يعزف على العود؟ بالإيجاب، وأدخلت نفسي في ورطة أتذكرها جيداً، كنت في الصف السادس، وما كان مني إلا اللجوء إلى أخي للبحث عن مخرج للخروج منها، بأن علمني عزف فقرة من أغنية "أنت عمري"، وهذا ما كان، لم أعرف حينها كيف تمكنت من إنجاز المهمة لكنني أذكر جيداً أنها كانت بداية لعلاقتي مع العود الذي استقبلته برحابة صديقاً للأيام القادمة".

الطفلة كبرت، وللموسيقا ظلٌّ جميل على أيامها، وتعلقت بها كطيف شفيف يثري مشاعرها، باشرت بالانتظام على دروس عند أستاذها "عروة الشوفي"، وخططت لمشروع الانتساب للمعهد العالي للموسيقا. تابعت دراستها الثانوية في الفرع العلمي حتى السنة الثالثة للهندسة المعلوماتية، وإعداد نفسها للمعهد/ قسم العود، لكن حصولها على منحة في كندا رسم خريطة جديدة لحياتها، وجدت فيها مساحات أوسع للطموح ولمشروعها الموسيقي الذي عانت معه الكثير ليبقى نابضاً وحياً.

1- الموسيقية منار نعيم

تضيف نعيم: "اهتمّ أخي فراس نعيم بتدريبي على العزف فترة طويلة بعد أن باعت أمي خاتم زواجها لنشتري العود المناسب، فتابعتُ تدريبي الذاتي سنوات عديدة معتمدة على جهدي الخاص، وبعدها حصلت على دروس متفرقة لإتقان العزف ولا أنكر جهود أساتذتي "عروة الشوفي" و"محمد عثمان" وفي مواقع عدة اخترت الاعتماد على الذات لأدرب نفسي تدريبات كثيفة تتكامل ما قدمه الأساتذة لي من دعم، كون الظروف الاقتصادية لي كطالبة لم تكن مساعدة للحصول على تدريبات مستمرة، وكانت النتائج رائعة لكنها استهلكت جهداً كبيراً لأتابع الدراسة وموهبتي التي شكلت جزءاً جميلاً من مستقبلي خاصة بعد الاستقرار في كندا".

وفي كندا تابعت التحصيل العلمي من خلال منحة لدراسة الفيزياء، وأكملت دراستها عندما حصلت على منحة دراسية للحصول على شهادة الماجستير بالفيزياء معهد "الحوسبة الكونتية" بجامعة "واترلو"، وسارت الموسيقا والفيزياء بالتوازي فالمشروع الأكاديمي أثرى المشروع الموسيقي، لتبحث عن روابط ذاتية بين المشروعين لتستمر وتضيف نشاطاً موسيقياً بدأ مع الأوركسترا الكندية- العربية.

2- منار نعيم وآلة العود المحببة لديها

تكمل "نعيم" حكايتها: "عند الوصول إلى كندا تعرفت على "الأوركسترا العربية- الكندية" التي أسسها عازف القانون "وفا الزغل" وعازفة البيانو "لميس عودة" تعرفت على هذه الأوركسترا وتقدمت إليها وقبلت عام 2019 بعد امتحان، وتم ضمي للفرقة كعازفة عود معهم، وعرضوا علي العمل في مجال تدريس الموسيقا التابع للأوركسترا في المعهد الكندي- العربي لأدرّس العود لكل الأعمار من عرب وكنديين".

العازفة وجدت في فترة الحجر الصحي أثناء انتشار كوفيد 19 فرصة لتلقي دروس عند الأستاذ المتمكن "عصام رافع" وهو من أهم مدرسي العود.

3-الأستاذ وانيس مبيض

وتقول "نعيم": "تم انتقائي ضمن قائمة أفضل ثلاثين عازفاً ضمن منصة"cbc" وهي تمثل التلفزيون والراديو والمجلة الرسمية بكندا، وكنت أول عازفة عود تدخل القائمة للموسيقا الكلاسيكية منذ تأسيسها منذ أكثر من عشر سنوات، وعلى أثر ذلك تم التواصل معي من الأوركسترا الوطنية بكندا ومقرها "أوتاوا" وطلب مني تسجيل فيديو ليضعوه على شبكات تواصلهم الاجتماعية".

مَشرُوعُ "كُلُّ لَاجِئٍ قَصِيدَةٌ"

أيضاً شاركت بمشروع "كل لاجئ قصيدة" وهو عبارة عن قصيدتين من كتابة "هبة الميعاري" لحنتها بهدف تقديم الثقافة العربية للمجتمع الغربي، وتم تصوير الفيديو لمسابقة الأغنية الأولى بلبنان وقدمنا من خلالها البيئة العربية، قمت بتلحين الأغاني وهي أغنية صوفية اسمها "لا أستطيع مِنكَ التولّي" تم تصويرها كفيديو، والأغنية الثانية قيد الإعداد اسمها "نشيد المرأة الفلسطينية".

وتمت استضافتي من المدينة التي أعيش فيها "كيتشنر واترلو" وتم الصيف الماضي استضافتي بالتلفزيون الكندي "OTV" ضمن برنامج لتقديم الآلات الموسيقية للأطفال وألفت قطعة للبرنامج "حديث الشرق والغرب" عزفتها وقدمت آلة العود ليتم نشرها للحلقة خلال الشهر القادم.

عن الكونسيرتات مع الأوركسترا -تضيف "نعيم"- إن أهمها كان في الجولة حول كندا خلال شهر أيار لهذا العام، حيث زرنا خمس مقاطعات مختلفة بكندا، وقدمنا برامج الموسيقا العربية، وكانت تجربة مهمة للتعرف على مقاطعات جديدة والمقاطعات البعيدة وعلى الجالية العربية فيها.

"منار نعيم" تعدّ نفسها في بداية الطريق، وتحاول نقل خبرتها لطلابها للاعتماد على الذات واكتساب المهارة: "كل الوقت أعلّم طلابي الاعتماد على الذات لأن عاشق الموسيقا لديه مشروعه الذاتي وحلمه الكبير بالنجاح".

وتضيف: اشتغلت مع الأوركسترا أكثر من 30 كونسيرت، وأحافظ على موهبتي لتزدهر باستمرار وعيني تتجه لمشروع قادم لأكمل العمل مع الفرق وأعمل للجمع بين الموسيقا الغربية والعربية خاصة أن آلة العود هي آلة عربية بامتياز في بلد مثل كندا ومجتمعه الذي يحترم اختلاف الثقافات.

شَهَادة

قائد الأوركسترا الكندية العربية "وانيس مبيض" يقول: "تعرفت على "منار" عن طريق الأوركسترا كعازفة عود، وعندما رأيتها تركت عندي انطباعاً أنها دائماً والعود معاً! كما أن تقنيتها بالعزف نضجت خلال السنوات الأخيرة بمشاركاتها في حفلات الأوركسترا، لديها صوت مميز فيه رقي يدل على شخصيتها فالصوت الجميل مع العزف على العود يدل على نضج وعلى حرارة وفكر عميق".

"منار نعيم" من مواليد السويداء عام 1994، خريجة فيزياء وطالبة ماجستير مقيمة في كندا.