يتميز الموسيقار "مهدي إبراهيم" في إثراء الموسيقا العربيّة بألحانه المبدعة وبرعايته للمواهب الموسيقية واحتضانها، وبرفد مكتبة الموسيقا بكتبه القيّمة، وذلك من خلال رحلة زاخرة بالعطاء الفني المستمر منذ أربعين عاماً تقريباً.
البَحثُ لِلوُصُولِ إِلَى الحُلُمِ
"بدأت رحلتي مع الموسيقا في سن مبكرة عندما كنت طالباً في المرحلة الإعدادية متأثراً بمدرس الموسيقا في محافظة طرطوس والذي كان يعزف لنا في كل درس على آلة العود".. هكذا يبدأ الموسيقار "مهدي إبراهيم" حديثه لـ"مدونة الموسيقا"، ويضيف: "ثم كان تشجيع أهلي دافعاً قوياً لخوض غمار العزف، كنت أسمع أغاني فريد الأطرش وأسمهان في تلك البيئة المهتمة بالأصالة والتراث الغنائي العربي، وكان لوجود آلة العود في المنزل دور كبير في إظهار موهبتي وبالتالي صقلها وتطويرها معتمداً على سماعي للموسيقا والغناء المعتق بالأصالة، وكوني كنت طالباً وأجيد العزف كان لزملائي في المدرسة دور في تشجيعي من خلال الحفلات المدرسية السنوية، فيما تخللت البدايات بعض المحاولات في مجال التلحين وكتابة النصوص الغنائية، ومن أجل تطوير موهبتي كان لا بد من البحث عن مدرسة أكاديمية تعنى بتدريس الموسيقا فلم أجد منفذاً إلا معهد التربية الموسيقية في دمشق، فالتحقت به عام 1982 بعد حصولي على شهادة الدراسة الثانوية، وهناك ومن خلال مدرسين مختصين والتواصل مع زملاء عازفين ومغنين كان لا بد من البحث عن التميز بالعمل الدؤوب للوصول إلى ما أطمح وأحلم، ومن الجميل أن القدر فتح لي باباً آخر في المعهد العربي للموسيقا، فالتحقت بالفرقة الشرقية للعود الحديث والتابعة له والتي شاركت معها بحفلات في دمشق ومهرجانات في الجزائر وتونس ما بين عامي 1983و1984".
إِحيَاءُ التُّرَاثِ
"وكان ذلك كله مفتاحاً للدخول إلى قوالب التأليف الموسيقي والغنائي العربي كالموشح والقصيدة" يتابع الأستاذ "مهدي" حكايته ويضيف: "رحلتي في التلحين المتقن تميزت بالاستفادة من أعمال عباقرة الموسيقا العربية ومبدعيها، وبمرافقة آلتي الغالية على قلبي العود، أما عن تدريس الموسيقا منذ العام ١٩٨٤ وحتى تاريخه لا أزال أقدم ما استطعت للمواهب الغنائية والموسيقية على مساحة القطر، فقد درّست في معهد إعداد المعلمين ١٩٨٤وفي معهد التربية الموسيقية بـطرطوس من العام ١٩٨٥ ولغاية ١٩٩٥، وعملت موجهاً اختصاصياً لمادة التربية الموسيقية من العام ١٩٩٢ إلى اليوم، كما درّست في المعهد العالي للموسيقا بدمشق عام ٢٠٠٧ مادة الغناء العربي وعام ٢٠٠٩ كورال فرقة الغناء العربي ودرّست أيضاً في كلية التربية الموسيقية جامعة البعث عام ٢٠٠٨ قائداً للأوركسترا الشرقية التابعة للجامعة، أما في عام ٢٠١٣ كُلّفتُ بإدارة المعهد العربي للموسيقا منذ إحداثه ولمدة أربع سنوات، أعتز كل الاعتزاز بطلابي وبالأسرة الفنية التي أنتمي إليها كانتمائي لبيتنا الذي نشأت فيه، ونحن حالياً أحوج ما نكون لأحياء تراثنا من جديد، وها أنا أعلمهم وآخذ منهم العلم أيضاً، وأشعر بالفخر عند إنجاز أي عمل موسيقي ممزوج بالمحبة والود، عاصرت العظماء في فترة الثمانينيات بإذاعة دمشق فتعلمت منهم، وكان لذلك أثر طيب ساهم بتعمقي في العزف والتأليف على مستوى الوطن العربي، ما وضعني أمام مسؤولية كبيرة للاهتمام بأصول الإيقاعات والأنغام العربية، كما تعلمت من دروس الكبار أمثال "عمر بطش ونديم الدرويش" الذين وضعوا موشحات سورية الأصيلة".
نِتَاجٌ ثَرِيٌّ
أعماله الغنائية تزيد على ٦٠٠ عمل موسيقي آلي وغنائي مسجل، منها لصالح إذاعة دمشق ما يزيد على ١٨٠ عملاً، يقول المايسترو "إبراهيم" مضيفاً: "ساهمت في تأليف وتقويم مناهج التربية الموسيقية ضمن فريق عمل تطوير المناهج المتعلقة بالمادة الموسيقية، وعندي ثمانية كتب في مجال البحث العلمي الموسيقي، وخمسة كتب في مجال تعليم العزف، وأول كتاب حول (مبادئ العلوم الموسيقية) ألفته بوحي من استفسارات طلابي، ثم ألفت الكتاب الثاني (أصول وفروع الموسيقا العربية) باعتبار أن لكل مقام في سلم الموسيقا العربية فروعاً تابعة له، وتوسعت فيه من خلال الإضاءة على الموشحات بدراسة تحليلية علمية وعملية، فعندما أجد نغمة جديدة في موشح عام أبحث في أصلها وفرعها، وهذا أيضاً جزء من رسالتي الموسيقية، بالإضافة لتأليف كتاب عن تمارين العود، أما عن المشاركات فكانت أهمها في أيام مهرجانات الأغنية السورية كافة منذ انطلاقتها، وحصلت على الأورنينا الذهبية في المهرجان الرابع، ومثلت بلدي سورية في مهرجان الأغنية العربية عام ٢٠٠١ في دمشق، وفازت القصيدة التي شاركت بها في المهرجان بالميكرفون الذهبي، عدا عن مشاركتي بقيادة فرقة شباب سورية للموسيقا العربية بحفلات معرض دمشق الدولي، وشاركت بتحكيم مهرجانات قطرية موسيقية وغنائية، كما حصلت على ما يزيد على ٩٠ شهادة وبراءة تقدير من كافة الجهات المعنية المهتمة بالشأن الموسيقي والغنائي، وآخر تكريم لي كان عام 2017 هو تكريم من وزارة الثقافة، بينما أهم تكريم كان في تقديم حفل لأهم أعمالي بقيادة المايسترو "كمال سكيكر" وفرقته الراقية "قصيد" على مسرح دار الأوبرا عام 2021، وعملت قائداً لفرقة عمريت للموسيقا العربية في طرطوس والتي ضمت مجموعة من الموهوبين من الغناء والعزف بهدف خلق حالة نوعية تؤدي دورها في العملية الموسيقية والغنائية، أما حالياً أقوم بتحضير بعض الأعمال من أدوار وموشحات وقصائد وأغانٍ منوعة للغناء الجماعي والفردي من خلال ما ستقدمه الفرقة أو من خلال بعض الأصوات المهمة في سورية، وتأليف كتاب عن تحليل القوالب الغنائية والموسيقية الشرقية وأعلامها أتمنى أن أوفق بإنجازه قريباً".
يُذكر أن الموسيقار "مهدي إبراهيم" من مواليد "حكر معبرية" التابعة لمحافظة طرطوس، قدم ألحاناً مبدعة لأهم الأصوات في "سورية" منهم الفنان محسن غازي والفنان سمير سمره والفنانة كنانة القصير والفنانة نوال سمعان والفنانة فاتن صيداوي والفنانة إيناس لطوف والفنان أحمد الأحمد وغيرهم.