أحبَّ العزف والغناء قبل أن يعرف تفاصيلهما الدقيقة، أحبهما من خلال صوت عابر وصله من بيت جاره الملازم لمنزله الريفي، تطورت الأمور بينه وبين نفسه، واستخدم توالف البيئة الريفيّة، ليصنع مادته الموسيقية للعزف، مع مرور الأيام والسنين بات اسماً مهماً في منطقته.
الفنان المتميز "عبد الكريم عيسى" على مستوى منطقة القامشلي، وأبعد من ذلك، نال شهرة واسعة، تجاوزت الحدود، فغنى أغانيه فنانون كثر داخل وخارج البلد، لكن تبقى مسيرته الفنية محمّلة بالكثير من المتاعب والصعوبات، حسب قوله.
يقول عن ذلك لـ"مدونة الموسيقا": «كنتُ صغيراً عندما سمعتُ جاري يغني أغاني جميلة وعذبة، يصلني صوته عندما أذهب لأخلد للنوم فوق سطح بيتنا الريفي، حينها أعلنت الحب والعشق للفن، ويا لها من بداية، فقد أخذتني إلى عالم واسع وشاسع، أصبح عمري 12 سنة ذهبت "للجول" أي البريّة، ألملم قطعاً منثورة هنا وهناك، تساعدني لصنع بزق من التنك أو قطعة بلاستيكية تشبه شكل الطنبور، وأنا أتجول في البرية، كنت أغني أغاني منوّعة من دون هوية أو عنوان، وأحياناً أغني أغاني فنانين أكراد مشهورين، صنعتُ أكثر من بزق من توالف البيئة وشرطان الهواتف والدراجات العادية، إلى جانب استخدامي الملاعق في العزف على الطبل، أي أصنعه من قطعة في البرية، غنيتُ كثيراً وتأثرت أكثر بأسماء فنية كبيرة وهم (محمد شيخو، محمد طيب طاهر، آرام ديكران)، ميزتي أنني أحفظ الأغنية لسماعها مرة واحدة فقط، في مرحلة ما، وقبل الذهاب إلى الخدمة العسكرية، أعلنتُ عن نفسي بالغناء في منزلي ومنازل الأهل والأصدقاء، وإحياء حفلات صغيرة».
أثنا وجوده في خدمة العلَم، تابع صناعة آلاته الموسيقية بالطريقة التي بدأ بها أولاً، وفيها ألّف ولحن عدداً من الأغاني، بعد أن أنجز تلك المهمّة، عاد أدراجه لمنطقته، معلناً مرحلة جديدة في حياته الفنية.
الإِرَادَةُ تَصنَعُ المُستَحِيلَ!
من يملك الإرادة، يتعلم كل ما يرغبه في الحياة، بهذه الكلمات انطلق لحياته الفنية الجديدة، وقال عنها: «اتجهت للعمل في العتالة، وبعد أسبوع مع استلام مستحقاتي الماليّة، ذهبت لشراء الطنبور، طلبتُ من صاحب المحل تعليمي العزف ولو الأساسيات، لكنه لم يكن يملك الوقت، اضطررت للتعليم بشكل ذاتي، جلستُ مع نفسي في غرفتي، مع العزف والغناء لساعات وساعات، وصلت لمراحل جيدة، استعنتُ بزوجتي لتعليمي حروف اللغة العربية حتّى أستطيع كتابة أغانٍ خاصة بي، بعد أسبوع تعلّمت وأتقنت الحروف بالشكل السليم، لتكون مرحلة التأليف والتلحين».
مِن دُونِ مُقَابِلٍ!
شارك الفنان عبد الكريم عيسى في حفلات وسهرات فنية ومناسبات عائلية عديدة، ولم يأخذ ليرة واحدة مقابل عزفه وغنائه، حتّى لو شارك في الحفلات، فهو يعتبر المشاركة في إحياء الحفلات، واجباً لتقديم رسالة فنية، تنقل من مكان لآخر مع عزفه وغنائه، ساهم بإضافة ألوان جديدة وجميلة في الفن الكردي.
لديه عشرات الأغاني من ألحانه وغنائه، يقول عن ذلك: «لدي أكثر من 250 أغنية، جميعها كلماتي وألحاني وغنائي، العشرات منها وضعتها في خمسة كاسيتات، وكليب واحد، من أغاني: ("آري فلك" وتعني آه يا زمن، "دوتمام" وتعني بنت العم) أحياناً أغني أغاني لفنان مهم وكبير، لا يمكنني إلا الإشارة لذلك، وبالنسبة لي أعطيت بعض الأغاني لفنانين مهمين أمثال الفنان الراحل "جمال سعدون"، وبعض الفنانين يغنون أغاني داخل وخارج البلد ويتجاهلون ذكر الاسم والمصدر، وحتّى اليوم مستمر بتأليف وتلحين الأغاني، لا يمكنني الابتعاد عن آلتي الموسيقية، وعن العزف والغناء، هي جزء من حاتي اليومية، ترافقني الآلة في العمل والمنزل والزيارات، الكل يتأثر بأغاني سواء الصغار أو الكبار، الرجال والفتيات».
شارك وأحيا الفنان الكردي "عبد الكريم عيسى" في حفلات أعياد النوروز بمدينة دمشق أعوام 2003 و2004، كما شارك بها في مدينة القامشلي، وشارك بإحياء حفلات فنية في مخيمات اللاجئين السوريين بإقليم كردستان العراق خلال وجوده هناك، الآن يتابع رحلة العزف والغناء في منطقته (القامشلي) المستقر فيها، وقرر عدم مفارقتها إلا للتراب.
الفنان "عبد الكريم" وُلد في قرية اللطيفية التابعة لمدينة القامشلي، مولود عام 1958.