كان يلجأ للعود في ليالٍ يحن فيها للراحة والهدوء ليشاركه سمره، عازفاً على آلة يستعيرها من جارته طالبة العود، ويُعلّم نفسه ما استطاع من ألحان بشكل سماعي وبطريقة بقيت أنيسته سنوات طويلة حتى حصل على آلته الخاصة، ليبدأ بتدريب ممنهج انتقل به إلى تدريب الأطفال الموسيقا التي طالما حلم بها وعايشها.

"غسان أبو لطيف" يشكر الموسيقا التي يسّرت تلاقيه بالأطفال مدرباً وأستاذاً، شارك مع مديرية الثقافة لسنوات ضمن برنامج "رعاية الطفولة"، ومع جمعية "أطفال الغد" التي هيأت وأعدت لتأسيس أصغر فرقة موسيقية ظهرت مؤخراً بعروض متميزة.

"أبو لطيف" كان في مجال عمله الحر بعيداً عن نبض الموسيقا ويخبرنا أنه لم يتفاعل كثيراً مع ما درسه من الآلات النفخية طفلاً في دولة "الكويت" التي ولد بها وعاش سنواته الأولى، دروس اعتبرها عابرة لكنها تعمّقت في إحدى حفلات "مارسيل خليفة" التي حضرها في دمشق ثمانينيات القرن الماضي ولمس فيها حضورَ العود كآلةٍ أثّرت به وأخذته لعالم الطرب والمتعة.

1- الأستاذ غسان أبو لطيف

أستاذ الموسيقا اليوم لم يمتلك العود طفلاً لكنه مع أخواته كان يمثل دور قائد الفرقة ويمثلن العزف، فكانت اللعبة التي أغرت خياله بقيادة الفرقة وامتلاك شعور الابتهاج مع نغمات الأوتار التي يعيشها اليوم مع أطفاله كموهوبين جدد يطمح لأخذهم إلى طريق النجاح.

يقول لـ"مدونة الموسيقا": «منذ العام 1993 كنت أستعير العود من ابنة جيراني بين فترة وأخرى، وبقيت هاوياً لهذه الآلة سنوات طويلة، أعزف وأبتهج، أُخطِئ مرات وأعود لأتعلم من جديد، ولم أتوقع أن نترافق معاً في مشوار وجدت به راحة للروح وهدوءاً بعد صخب، ورقّة بعد قسوة الحياة، وكان التلاقي مع هذه الآلة بين يدي الفنان الكبير مارسيل خليفة حالة حددت مسار علاقتي مع الموسيقا التي أخذت تتطور بشكل عفوي والتدريب بمفردي».

3- الآنسة ربا دياب مع طلاب الموسيقى

عندما قرر "أبو لطيف" الالتزام بدراسة وتدريب منظم كان على يدي الأستاذ "أبي ذر قماش" الذي اهتمّ به لمدة أربع سنوات كانت كافية لينتقل من العزف السماعي إلى النوتة والعزف السليم وهنا كانت البداية لإعطاء العود الاهتمام الكامل.

يقول: «في عام 2013 اتجهت لمشروع تعلّم طُرقِ تدريس العود إلى جانب النوتة والصولفيج بحالة تشبه الشغف والتحول من الهواية إلى التخصص، وبدأت معالم تأثير الموسيقا الإيجابي على حياتي الخاصة، والانتقال من الأعمال الشاقة والمرهقة إلى الارتياح جسدياً وفكرياً، ووجدت في الموسيقا علاجاً لكل ما مرّ في سنوات مضت بفضل المدرب الذي دربني بسخاء محبة، لأنتقل من العزف العشوائي وعلاقة غير منظمة مع الموسيقا إلى واقع جديد، ففي الطفولة خسرت فرصة تعلم العزف على الكمان، لكن مع العود استطعت التواصل مع الأطفال، وكان لي محاولات لتأسيس فرقة تعثرت، لكني تابعت بالتعاون مع مديرية الثقافة وقدمنا عدة حفلات أشعر أنها رصيد جيد أبني عليه خطوات قادمة لتدريب أطفال جدد ورعايتهم للوصول إلى مرحلة النجاح».

عَلَاقَةُ اهتِمَامٍ مُتَبَادَلٍ مَع الطُّلَّابِ

ويضيف "أبو لطيف": «إن التعامل مع الطفل كخامة بيضاء يفتح آفاقاً واسعة للمدرب قبل الطفل ليعرف اهتماماته وميوله، ولا بهجة تساوي بهجة تعليم الطفل، فإن أخطأ تجدُ متعةً في طريقة المعالجة، وإن أجادَ فقد حقق المدربُ غايته التي حلم بها، فالعلاقة بالأطفال أشبه علاقة عاطفية متبادلة، وهؤلاء الأطفال مستقبلنا وليس لدي وصف لبهجتي معهم، وقد باشرت العمل بتدريب الأطفال من خلال التدريس عام 2014 وكان لدي أول طالبة "مايا أبو لطيف" وعدد من البرامج التي خرجت مواهب وبعام 2017 كنت مدير فرقة "نبض السويداء الثقافي" برعاية دار "ليندا للنشر"، وكنا نهتم ونقدم الدعم للمواهب وخرّجنا عدداً كبيراً، وكانت الأمنية أن يتابعوا ليكونوا أهم عازفين، وكانت لي مشاركة مركز "قدرات" بإدارة السيدة "زهر غانم" للأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة، مشروع العلاج عن طريق الموسيقا وتعليم الأطفال الموسيقا».

يَعدُّ "أبو لطيف" التجربةَ مع "جمعية أطفال الغد" قفزة نوعية والتعامل مع أطفال موهوبين يحتاج للحذر واهتمام وتقديم المعلومة بشكل صحيح: «لكن استطعنا مع ثمانية عشر طفلاً تكوين فرقة مميزة والجمع بين الآلات بانسجام رائع، وهذا الكلام يعرفه الموسيقيون وكانت تجربة ممتعة وتحديّاً بيني وبين نفسي، وهؤلاء الأطفال لهم مني دائماً كل المحبة، وتشاركنا في حفلين من خلال الجمعية التي هيأت الدعم الكامل، كما نستعد لحفلنا القادم».

كُرِّمَ "أبو لطيف" في يوم الطفل العالمي عام 2017 من وزارة الثقافة وكانت مشاركة مع الآنسة نور مشرف رضوان بالمركز الثقافي في يوم الطفل العالمي، وكذلك في دمشق من أسرة "جادك الغيث" بإدارة السيدة دينا سعيد فارس ونور البياتي والأستاذ سلام بشر، والتكريم الثالث كان من خلال جمعية أطفال الغد abc بإدارة الآنسة "ربا دياب"».

رَأيٌ

رئيسة مجلس إدارة جمعية "أطفال الغد" ربا دياب تحدثت عن الموسيقي "غسان أبو لطيف": «أستاذ قدير جداً، أنجز حفلة بناء على تدريباته واهتمامه، وكان له الفضل من خلال التدريب وما امتلكه من الحس الموسيقي لإنجاح عمل الفرقة التي تعتبر أحد أهم فعاليات الجمعية الهادفة إلى توجيه الطفل في بيئة سليمة، وإن المشوار الذي بدأ بحفلتين وبروفات مميزة سيكون طويلاً لكن فيه تفاعل جميل، كما أن الجمعية التي جمعت 18 طفلاً ضمن فرقة أطفال واحدة تعتز بإشراف الأستاذ أبو لطيف والتعاون معه لأسلوبه المميز واهتمامه الكبير وخبرته التي أنتجت عروضاً فيها كل هذا التناغم بين العازفين الأطفال بشهادة كل من تابعهم».

"رشا اللحام" المشرفة على برنامج رعاية الطفولة في مديرية الثقافة عام 2015 بينت: «الأسلوب المميز للعازف "أبو لطيف" وطريقته الهادئة باستيعاب الأطفال وجهوده المميزة في الأطفال بمعسكر الوافدين وعمله مع المشروع لمدة عام كان بداية لاكتشاف مواهب مميزة من الأطفال».

"غسان أبو لطيف" موسيقي سوري تولّد الكويت 1977، ألّف عدة مؤلفات موسيقية ما بين القصيرة إلى الطويلة ميالة للنمط الغربي، لم تبصر النور بعد، يستعد لتسجيلها والأمل موجود.