والدهُ الراحل فؤاد حيدر الشاعرُ وصانع الآلات الموسيقية والأعواد، الذي كان صديقاً للعديد من الأدباء والفنانين منهم الراحل نجيب السراج، والراحل سهيل عرفة، وسليم سروة، والراحل سمير حلمي والكثير غيرهم.. أخته ياسمين كاتبة في صحف هولندا منذ خمس وعشرين سنة، وأخوه الكبير نبيل يعزف ويصنع الأعواد، أمّا مَن اختصّ بشكل احترافي في الأسرة فكان منصور فؤاد حيدر المعروف أيضاً في حرفة صناعة العود.. هكذا نشأ خالد فؤاد حيدر في بيئة مجبولة بالموسيقا والشعر، ودرّب ذائقته الموسيقية والفكرية على نغماتٍ أصيلة، وكلماتٍ راقية صاغت منه ما أصبحَ عليه اليوم من ملحن وكاتبِ أغنيات.
خالد فؤاد حيدر يروي لـ "مدونة الموسيقا" سيرته الغنية المليئة بالتنوّع والتميّز، يقول: «بعد أجواء الطفولة تلك، وفي سنّ العشرين فكّرت بالتأليف الموسيقي، سافرتُ إلى بيروت، ويومها اضطررت لأن أعزف في "ملهى ليلي"، عشتُ في بيروت فترة من الزمن، وألّفت أوّل مقطوعة لمونولوجيست اسمه "إيلي أيوب" من كلماتي وألحاني تتحدث عن التردّي في الأغنية العربية الدارجة، أقول فيها:
"لما طفرنا ولما جعنا.. رحنا نغنّي بهاك المطعم..
جابوا واحد ليسمعنا.. قالوا بالموسيقا بيفهم..
غنينالوا غنّية للسيّد درويش.. قلّي بهيك غناني ما رح فيك تعيش..
قلي سمّعني شي غربي.. لحتى تفرفحلي قلبي..
وقلّي سمعني شي لـ"مادونا" هالحلوة تقبرني عيونا
قلتلو أنا أصلي عربي وفيّي غنيلك دلعونا..
قام وكسر العود براسي.. وبرّات المطعم زتّونا".
ثم بدأت التلحين لمجموعة من المغنين السوريين الذين يعيشون في لبنان مثل: بشار درويش، عبير فضة، كنانة القصير، وبعد ذلك تعاملتُ مع الممثلة المثقفة أمل عرفة في مسلسل "عشتار" ولحّنت لها أغاني مثل: وشوِشْ ودع بصّار، وفكّر ما إلها حل..».
التَّلحِينُ لِلعُظَمَاءِ!
«حصلتُ على جائزة أفضل ملحن عام 2004 في مهرجان الأغنية السورية بحلب» يتابع خالد حيدر حكايته: «لكن من أهمّ ما لحنت كانت أغنية للراحل العملاق وديع الصافي بعنوان "وطن السلام"، وللأستاذ معين شريف "وحياة ترابك يا شام"، وللستّ ميادة الحناوي لحنت خمس أغنيات، بعضها من كلمات الدكتور نبيل طعمة الصديق العزيز، وواحدة من كلماتي وألحاني، منها: يا شآم، وقصيدة بيروت، والحبّ الأول هو الشّام وكان لها ذكرى خاصة لأن الوالد رحمه الله شارك فيها بإلقاء الشعر إلى جانب الستّ ميادة فكانت "ديو" مميزاً بينهما، وأغنية "يا أمة العُرب" في افتتاح دار الأوبرا السورية 2004 وقد كان الافتتاح بأغنية من أعمالي وختامه أيضاً وبصوت السيدة ميادة الحناوي..
كذلك تعاونت مع الممثل الجميل وائل رمضان الذي أدّى أغاني من ألحاني بصوته "مين اللي قلك مين.. تحكي باسم الدين؟ وتشردّني وتكفّرني.. قلّي بأيّا دين؟!"، وأغنية "على هالحالة أنا أحلالي إذا بحمل حالي وبروح"، ومع الأستاذ أيمن رضا "طق شرش الحيا وانعدم الإحساس"، وتعاملت مع الكثير من الشعراء منهم: كمال قبيسي من لبنان، إبراهيم الديرواني من مصر، والشاعر صفوح شغالة من حلب (الذي غادرنا مؤخراً رحمه الله)، ولحّنتُ أغنيتين، منهما واحدة صوفية اسمها "أنا مَن أنا" للفنان لطفي بوشناق، مِن كلمات الدكتور نبيل طعمة، وأغنية من كلمات سفيرنا الراقي في لبنان الأستاذ علي عبد الكريم علي، كما عملت مسرحية غنائية للممثلة سوزان نجم الدين عُرضَتْ في معرض دمشق الدولي منذ أكثر من عشر سنين، وسجّلت معها أغنية من كلمات والدتها الشاعرة "دولة عباس"، وحالياً سنصوّر مع الفنانة سوزان أغنية من كلماتي وألحاني».
... فِي شِي بِالجَوّ العَام!
ومؤخراً -يضيف خالد حيدر- هناك تعاون مع الأستاذ الممثل محمد خير الجراح في ألبوم غنائي من إنتاجه، ومن كلماتي وألحاني، بعنوان "في شي بالجوّ العام" سينشر قريباً، وهنا بعض كلماته:
"في شي بالجو العام.. خلّاني ما أعرف نام..
خلّاني بأرضي متبسمر.. مهموم ومو قادر فكّر..
لا قادر إرجع برجوع.. ولا قادر أمشي لـ قدّام..
هالأزمة أزمة أخلاق.. مِن طمّاع ومِن سرّاق..
وبيحلفك بالطلاق.. وأصلاً ما في عندو مدام.. إلخ (الأغنية المرفقة في الرابط).
*كأنك تميلُ إلى هذا النمط من العمل أي إلى مَن يدمج بين فنّ التمثيل والغناء؟
أنا أميل إلى فكرة وجود مشروعٍ راقٍ، إلى أهمية أن يعرف الفنان ماذا يفعل وكيف، فاليوم نعاني من رداءة عامّة وتسطيح للشارع/ الجمهور على المستويات كلها، وعندما تكون هناك جيوش كبيرة تحاربك فهي لا تعمد فقط إلى تفكيكك عسكرياً، إنما تحاربك من الداخل، ثقافياً وفكرياً وأخلاقياً؛ هناك موجة لتسطيح الفكر، ونشر حالة الفساد العام، أشعر أنني معنيٌّ بذلك، فعندما ترى بيت جيرانك يشتعل عليك أن تبادر إلى إطفائه كيلا تحترق أنت! هناك بعض الحالات المتفردة التي تهتم بألوان غنائية جيدة، ونحن بدورنا نسعى إلى تقديم شيء متفرد.
*ماذا عن صعوبات أخرى إلى جوار عدم وجود شركات أو مؤسسات تُعنى بتقديم الجيد؟
يناولني كأسَ "زهورات" ويمازحني بالقول: «أهم الصعوبات هي "حِشريّة" بعض الإعلاميين الذين يقتحمون أجواءَنا (يضحك) ويريدون فقط تعبئة فقرة برامجية هنا أو جانب من سهرة تلفزيونية هناك، ولذلك لا نشاهد مذيعين نجوماً يتصدّرون برامج ناجحة تستمر لفترة طويلة، ولا أعرف لماذا بالضبط»!
*نردُّ المزحة له ونقول: «هذه مواجعنا نحنُ كإعلاميين أقولُ لك بعض أسبابها تحت الهواء، فأنا معك حتى صباح الغد، وليس هذه النصف ساعة فقط».. (يضحك).. لكن كنتَ تحدثنا عن مشروعك، وهناك تنوع بالأسماء من العمالقة إلى شباب جدد، مِن الأغنية الوطنية إلى "الطقطوقات" الساخرة.. لِم هذا الطيف الواسع؟
يقول: «بالنسبة للعمالقة فالتعامل معهم كان شرفاً لي، وبالنسبة للشباب الجدد أتعامل معهم بكونهم مشروع نجوم يمكن لهم -وأتمنى ذلك- أن يصبحوا حالة فنية مميزة، وبالنسبة للمواضيع، فمحبتي للرحابنة وزياد الرحباني هي ما حفزني، ما قدّموه شجعني لأتحدث عن هموم الناس، وحتى عندما أتحدث عن الحب، فهذا من باب الجمال وصنع حالة وطنية في مواجهة التخريب العام!»
*وهل هناك عتب من قبلك على جهات ما بخصوص عدم دعم مشاريع تشبه مشاريعك؟
«بصراحة، لا! أنا أسعى بكل جهدي وطاقتي لأصنع ما يمكنني صنعه، أما عن الجهات الرسمية، فبالنهاية هي أفراد من أبناء هذا الوطن، قد يكون هذا الشخص غير مقدر للأمور بشكل جيد، وقد يتغير ويأتي شخص آخر أكثر دراية وخبرة وتقديراً للجيد، العتب لا يفيد، علينا أن نعمل ما نستطيع دائماً، فالحياة الواقعية مزيج من الجيد والرديء، انظر إلى الطبيعة، هناك الورود وهناك الأشواك، وأنا شخصياً مزيجٌ من كل هذا، مرّةً أكون مسالماً، ومرّاتٍ أكون مليئاً بالعواصف التي أضعها في كلماتي وألحاني، عليّ أن أكون أربعَة فصول في شخص واحد، وهذه ميزتي على ما أعتقد، بل هذه ميزتنا كسوريين منذ عشرة آلاف سنة».
*أليست هذه شعارات؟
«أبداً.. لكن هناك مَن غيّب هذه الحقيقة، أو من يحاول أن يغيّبها، نحن أعدمنا تاريخَنا الطويل، وبدأنا من جغرافيا لا تشبهنا؛ فالسيد المسيح مثلاً سوريٌّ بالمعنى العام، في حين صرنا نتعامل معه باعتباره قادماً من الغرب ومعه "سانتا كلوز"، أليست هذه حقيقة؟ وعندما قال السيد الرئيس: هناك حرب كونية علينا، نعم هناك حرب كونية، بإمكانك أن تعود إلى كلام وزير الخارجية القطري حمد بن جاسم، وما قاله بخصوص "الصيدة.. وكيف فلتت الصيدة.. إلخ"، وقد لحّنت أغنيةً ضده في بداية الحرب من كلمات الأستاذ "مضر شغّالة"، وغناء مطرب عراقي هو صباح خليفة، وتم تصويرها فيديو كليب لكنها حُذفت عن اليوتيوب بأعجوبة! تقول كلماتها:
"على ما يبدو الطبخة احترقت.. وصلتْ ريحتها للصين
وعلى ما يبدو الطبخة انطبخت بمطابخ مستر كوهين
العربي عازملو كم ضيف.. الأمريكي بيرقص بالسيف
و"حمد" بذاتو هوّي الشيف.. وهو زعيم الطباخين
هالطبخة بهاراتا عجيبة.. وطعمتها لقمة زقّوم
مو طيبة.. نصّ مصيبة.. بس محروقة يا عيب الشّوم
بهاراتا من الـ KFC وتبلتها من الـ ABC
وطلعت معهن BKC.. وفتحوا النار بـ اسم الدِّين".
*حدثني عن لحظة وجدانية في علاقتك مع الوالد؟
«اقتنى من أعواده كثير من الفنانين في الوطن العربي منهم: وديع الصافي ونصري شمس الدين وشربل روحانا وصباح فخري.
لكن هناك لحظة لا أنساها بعمري، وهي ليست مبالغة شاعريّة أو مزايدة عاطفية، حين كان والدي يصنع الأعواد، وأنا جالس إلى جواره أناوله بعض المعدات أو علب الغِراء، كنتُ أتنسّمُ رائحةَ عَرَقِهِ الممزوجة برائحة نشارة الخشب والصمغ المحروق، هذه الرائحة تحديداً أفتقدها بشدّة».