نصف قرن هي عديد السنوات التي تجمع الشقيقين "محمود ومحمد خليل" مع آلات تراثيّة لأهالي الجزيرة السوريّة، وقد كبر الشقيقان بالعزف معاً على تلك الآلات، فالحفاظ عليها، والتمسك بالعزف عليها عهد تعاهدا عليه.
بات الشقيقان "محمود ومحمد" من أقدم عازفي آلتي "الزرناية والداهول" في ربوع الجزيرة السوريّة، والأكبر سناً من بين عازفيها في الوقت الراهن، ورغم سنوات عمرهما الطويلة في الحياة، فهما مواظبان ومستمران بالعزف على آلاتهما.
محمود الخليل، وُلد ووجد آلة "الزرناية" في منزله وأمام عينيه، تربى على حبها، وعشقها وهو طفل صغير، عزف عليها طوعاً وحباً ومن دون معلّم، فهي تركة ثمينة من الآباء والأجداد حسب كلامه لـ"مدوّنة الموسيقا"، ويضيف: «كنتُ صغيراً ووجدتُ آلتي الزرناية والداهول أمام عيني، (الزرناية آلة شعبية شبيهة بآلة المِجوِز، والداهول هو الطبل الكبير، وهما آلتان موسيقيتان قديمتان جداً، ففي الماضي كانت موسيقا المناسبات والأعراس كلها تعتمد على هاتين الآلتين فقط) عزفَ على الزرناية والدي ومن قبله جدي، ويعزف عليها وعلى الآلة الأخرى غالبية كبار الأسرة، كان عمري عشر سنوات حين استلمت في البداية آلة الداهول، وبعد عشر سنوات، استلمتُ الزرناية، أنا معها عازف من مكان لآخر، ومن منطقة لمنطقة في مختلف أنحاء الجزيرة السوريّة، وحتّى تاريخه أنا مستمر معها، إلى جانب شقيقي "محمد" عازفاً على آلة الداهول».
"محمود" يتذكر كثيراً من القصص الجميلة التي عاشها مع آلته، يقول عنها: «أعراس الماضي كانت مميزة جداً، كنّا نقيم في مكان العرس أو الحفلة عدّة أيام، عازفين عبر الزرناية والداهول، نستغرق ساعات طويلة من دون توقف، أحياناً نمضي يوماً كاملاً بليله بالعزف والناس ترقص حولنا، طبعاً حتّى الرقصات والدبكات كانت عبر عزف الزرناية ودق الداهول، لم يكن في الماضي فنانون يغنون برفقة آلات موسيقية حديثة، كل الفرح كان يمر عبر آلتينا».
لم يكن "محمود ومحمد" يجدا الراحة والاستقرار خلال سنوات الماضي البعيدة، كلها كانت مع أفراح الناس وحفلاتهم، يضيف عن ذلك "محمد": «لدي أكثر من 40 سنة مع آلة "الداهول" هذا هو المصطلح المتعارف عليه واسم الآلة عند الأكراد، الداهول تكون مرافقة للزرناية، لذلك كل عمري قضيته عازفاً عليها إلى جانب شقيقي، نفهم على بعضنا البعض بالإشارة، تعلمتها كما شقيقي من دون معلّم، فنحن أسرة محترفة لهذه الآلات، واسمنا ارتبط بها، علماً أنه خلال الفترة الماضية لم يعد يهتم الأهالي بهذه الآلات، نتيجة انتشار آلات موسيقية مختلفة وحديثة، هناك قلّة ممن يهتم بآلاتنا من خلال مرافقة العريس إلى مكان الحلفة، ثم ينتهي دورنا، ولأننا متشبثون ومتمسكون بهذه الآلات، فقد تعاهدنا آلا نهجرها ونفارقها، حتّى آخر لحظة من حياتينا، نعتبرها أمانة علينا الحفاظ عليها، يتطلب مني جهداً عضلياً وتركيزاً لفترة طويلة، وأنا في هذا العمر، مع ذلك مستمر في ذلك العطاء، وأقدم حضوراً طيباً في المناسبات التي نحييها».
"محمود" أيضاً مثل شقيقه لا يستسلم لسنوات العمر المديدة، مؤكداً أنه يعطي نتاجه الفني بحيوية وحماس، فهو مع معشوقته وآلته الموسيقية، لا يمكنه الابتعاد عنها ولو ليوم واحد، باتت جزءاً منه ومن سعادته وحياته اليوميّة.
محمود من مواليد 1954، ومحمد من مواليد 1956 والشقيقان من أهالي بلدة "عامودا" في محافظة الحسكة.