شعور بالبهجة يرافقك بالاستماع لمقطوعات الموسيقي والملحن "تامر ناصيف" الذي جعل العود صديق قلبه والموسيقا خليلة الروح، حتى وإن تعب في مشواره معها الذي بدأ بالتحدي ومحاولة امتلاك مهارة العزف على الآلة الموسيقية مقاوماً رفض الأهل، متمسكاً بروح الطرب ومكانة اللحن في نفسه، ويستمر حتى عندما اضطره الأمر لاستعارة الآلة التي كان امتلاكها مشكلة حقيقة لم تحل إلا في مرحلة متقدمة بعد الظهور على مسارح بيروت عندما أخذ يخط طريق النجاح.
يقول "تامر ناصيف" لـ"مدونة الموسيقا": «تعلقت طفلاً بالطبلة متأثراً بأحد أقاربي وتعلمت العزف عليها طلباً لتلك البهجة التي تدخلها الموسيقا للنفس، لأغني في الحفلات المدرسية وأعزف على الطبلة مع محاولة دائمة لمسايرة رفض الوالد للمتابعة في هذا المجال، وتعلم العزف على أي آلة إلى جانب الحالة الاقتصادية التي وقفت حائلاً أمام امتلاك العود أو أي آلة من الآلات التي أميل إليها وشغلتني كثيراً».
لكن من الصدف السعيدة عندما عاد الأخ الأكبر من السفر وحمل معه العود إلى المنزل لتتحقق إحدى الأماني ويستفيد من الوقت وقد يؤجل الدراسة لينال بضع دقائق من العزف بغياب الوالد، وكان توفر الآلة سبباً رئيسياً للتدرب وبداية للتحدي واستثمار الوقت الممكن، يقول: «صادف ذلك مع بداية موسم شتاء عام 1992 وكان موسماً طويلاً من الأمطار والثلوج ابقتنا داخل المنزل وكنت أتحدى نفسي لإعادة اللحن، أسمع وأعيد واكتشف مهارتي بالسمع وأستثمر ميزة الحفظ السريع وسرعة البديهة التي ساعدتني لأتعلم من دون النوتة أو أي وسيلة للتعلم غير مهارة الحفظ وإتقان ما يمكن إتقانه خاصة أن الوقت لم يكن ملكي».
رِيَادَةٌ طَلِيعِيَّةٌ
اشترك "ناصيف" بعد عام وثمانية أشهر بمسابقة الرواد ونال الريادة خاصة أنه قدم من مدينة "صلخد" إلى السويداء مسافة 40 كم، وتمكن من وضع بداية له على طريق العزف والموسيقا التي أحبها لكن تراجعه بالدراسة سبب غضب الوالد الذي كسر العود ليعود لمشكلة الحرمان من الآلة التي جعلته مضطراً لزيارة رفاقه ليجرب عند رفاقه العزف وكانوا يعرفون أن ليس لديه آلة، ولكن عندما يسمعون عزفه يتوقعون أنه يتدرب تبعاً لأدائه الذي يبهرهم.
انطلق "ناصيف" للحياة الجامعية لدراسة علم النفس في كلية التربية، وفي أحد مواسم حفلات عيد الميلاد ورأس السنة استعار العود من ابن جيرانه متجهاً إلى بيروت مشاركاً بعدة حفلات ليعزف بشكل إفرادي في عدد منها وينال استحسان الجمهور بنجاح حرضه لاقتناء العود، وكان التحول بتصنيع عوده الخاص بسبعة أوتار على غير المعتاد في المنطقة، وبدأ مرحلة السعي لدراسة النوتة والدخول في متاهات البحث عن مدرس مع العلم بالظروف الاقتصادية الصعبة التي رافقته سنوات طويلة وكان العمل مع الإخوة بأعمال المقاولات والبيتون أحد الحلول لكسب العيش ومتابعة الدراسة الموسيقية والجامعية.
تَحَدِّي الصُّعُوبَاتِ
يقول "ناصيف": «بدأت مع الأستاذ "فايز زهر الدين" مؤسس القسم الشرقي بالمعهد العالي للموسيقا عام 1998 بمعاناة حقيقة بين أعمال البناء الصعبة والمرهقة والحاجة لمتابعة دروس الموسيقا المكلفة وبعد تجاوز عتبة التعلم الأولى التقيت مع الأستاذ "خالد الجرماني"، ساعدني ودعمني وطلب مني المتابعة للدخول للمعهد وهنا تضاعفت العقبة المالية وحالت أشهر بيني وبين تحقيق الحلم الذي لم تكن مقوماته المادية كافية ليتحقق وتطورت المشكلة بظهور كتلة بيدي اليمنى بسبب العمل وتوقفت يدي لمدة عام، وكنت أمسك العود بأعجوبة وبعد معركة طويلة مع العلاج الفيزيائي تخرجت من كليتي وبدأت العمل لتأسيس نواة التأليف الموسيقي».
تَجرُبَةُ التَّلحِينِ
"ناصيف" خاض تجربة التأليف الموسيقي قبل امتلاك العود خلال دراسة الشهادة الثانوية بتلحين أغنية لم تنشر، اسم الأغنية "لمين تارك هالقلب وتفل" ولم تسجل ولم تظهر لكنه يعتبرها بداية جميلة لمشواره مع التأليف الذي استكمله في "دبي" بعد سفره عام 2003 طلباً للعمل، حتى امتلكَ اليوم منها رصيداً كبيراً.
قبل السفر إلى دبي بعامين وفي السنة الثالثة والرابعة ربطته علاقة مع المرحوم الشاعر النواب "مظفر النواب" في "دمشق" وتعرف من خلاله على الفنان "نصير شما" وكان متأثراً به، وقبل ذلك كان قد استلهم من الفنان "فريد الأطرش" وأدى مقطوعاته بتعلم سماعي في بيروت وعايش عالمه الموسيقي وميراثه الموسيقي الذي اكتشفه بعمق.
يضيف "ناصيف": «وفي دبي أنقذني العود وكانت فرصتي للحصول على عمل وأعتبرها فترة مشرقة لأنني التقيت "نصير شما" وظهرت على عدة مسارح وكان العود المنقذ الذي ساعدني للعمل وتأمين فيزا سياحية بعد معاناة، ثم بعد الحصول على وظيفة في إحدى الشركات بدأت أقدم حفلات في مهرجانات على مسارح قصر الإمارات والجامعة الأمريكية ومثلت فرصة ذهبية للحصول على عدد من الآلات الموسيقية وتحقيق حلم امتلاكها والتدرب على الأورغ ومن قبله الناي والكلارنيت والقانون ومجموعة كبيرة إلى جانب البزق الذي أرسله لي الاستاذ "أمجد الجرماني"».
خلال رحلة "دبي" أيضاً عزف "ناصيف" في القرية العالمية، والتقى بعازفة تشيلو إيرلندية وهي مدرسة كبيرة دعته للانضمام إلى أوركسترا "الشرق" مع ستة عازفين عرب وأجانب من 22 دولة وعزف معهم عدة سنوات، وأيضاً مع فرقة جاز روسية وفرقة كولومبية وظهر مع عازف ألماني على مسرح قصر الإمارات.
مَهَارَةُ تَخرِيجِ المَوَاهِبِ
ظروف كثيرة سببت العودة إلى سورية اضطرته للعمل في مجال تدريب المواهب، حيث قدم "كمي غرز الدين" الذي تقدم إلى "The voice" وفي عام 2016 قدم للبرنامج نفسه 12 موهبة بين كبار وصغار منهم "تمام هلال" و"يعرب الحلبي" ومن هذه المجموعة من وصل لمراحل متقدمة، واكتشفت مهارات كبيرة في هذا المجال الذي ليتابعه اليوم وهو محط الاهتمام بالإضافة إلى التلحين حيث قدم للموهوب "تمام هلال" أغنية وطنية جميلة وشارك فيها بمهرجان الأغنية الطفلية، ومن طلابه "زين أبو سرحان" التي نالت بعمر ثماني سنوات الجائزة الأولى من مهرجان الأغنية الطفلية بدار الأوبرا منذ ثلاث سنوات، وبدأت معه من أربع سنين ونصف، وقبلها "مرام البني" التي حصلت على ريادة على مستوى القطر، وطلاب يعمل معهم بمحبة كبيرة، وكان له معهم عدة لقاءات عبر المحطات المحلية والعربية.
يختتم "ناصيف": «عدد من عشاق الغناء والعزف فاتهم قطار التعليم بالطفولة واليوم عادوا إلى مرابع الموسيقا وهم عدد لا يستهان به ويحققون تقدماً واضحاً، أشعر معهم بالبهجة فهم عشاق الطرب والفن الأصيل الذي يعتبر محور اهتمامي وولعي الدائم.
شَهَادَاتٌ
العازف "أيمن الباروكي" وأستاذ العزف على الأورغ يتحدث عن "تامر ناصيف" بوصفه فناناً وموسيقياً محترفاً مخضرماً وخبرته الفنية لاتقل عن 30 سنة بين العزف على آلة العود والتدريس، وله تجارب بالعزف على بقية الآلات كالناي والأورغ، بالإضافة إلى أنه مدرس أصول الغناء، حيث إنه خرّج العديد من الأصوات التي حققت شهرة عربية، وأنا برأيي الخاص سميته "صانع النجوم"!.
ويضيف: «يحب الناس ويحب فنه بكل صدق. "تامر ناصيف" إنسان ناجح ومحبوب لكل الوسط الفني، بالإضافة الى أنه ملحن قدير وله عدة ألحان نالت إعجاب كل من سمعها».