صادقت الموسيقا منذ عمر خمس سنوات حين بدأت "مجد سليمان" تعلّمَ العزف على البيانو الصديق الذي رافقها خلال دراستها الجامعية لطب الأسنان وكان الأنيس في أوقات الفراغ المملة.

رِحلَةُ تَعَلُّمِ المُوسِيقَا

كان فضول الطفولة يدفع "مجد سليمان" إلى اكتشاف آلة البيانو المتواجدة في منزلها بحكم أن والدتها عازفة، فتقول عن بداياتها: «درست والدتي الموسيقا وكانت تعزف على عدّة آلات موسيقية "الكمان، الأوكورديون، المندولين" وتواجد البيانو في منزلنا وبتشجيع من أمي بدأت بتعلم العزف على البيانو في عمر خمس سنوات، فقد كنت أحب اللعب على البيانو وسماع النوتات، لذا قام أهلي بتسجيلي بالمركز الثقافي الروسي عند مدرسة روسية لطيفة غادرت البلاد بعد فترة قصيرة، لكنها أخبرت الخبير الروسي "فلاديمير زاريتسكي" وزوجته عن موهبتي، وفي الدرس الثاني مع زوجة الأستاذ زاريتسكي سمع الأستاذ المقطوعة التي عزفتها فقرر أن أكمل تعلم الموسيقا معه، وكان الفضل في تلك الفترة لوالدتي التي كانت مواظبة على تدريبي في المنزل أيضاً، لانتسب بعدها إلى معهد "صلحي الوادي" وأتابع الدراسة مع أستاذي زاريتسكي حتى تخرجي من المعهد الآلي للموسيقا».

طِبُّ الأَسنَانِ إِلَى جَانِبِ المُوسِيقَا

درست "مجد" الطب إلى جانب دراستها للموسيقا، وحققت نجاحاً في المجالين، فتقول: «كانت دراستي للموسيقا أمراً حتمياً، كوني أدرسها منذ الطفولة وكانت الموسيقا شغفي، وكانت تحصيلي العلمي جيداً وكوني أنحدر من عائلة أغلب أفرادها أطباء وأميل إلى دراسة الأفرع العلمية اخترت دراسة طب الأسنان، ولم تؤثر الموسيقا على دراستي للطب والعكس أيضاً، بل كانت تساعدني على التركيز أكثر على دراستي وتنظيم وقتي، فقد كنت أقضي أوقات فراغي في العزف، فالكثير من الدراسات أثبتت أن الأطفال الذين يمتلكون اهتمامات أخرى إلى جانب دراستهم يحظون بتحصيل علمي أفضل، وكان لوالدتي الفضل الكبير بكل مراحل دراستي في الجامعة والمعهد باعتبار أن الفرعين يحتاجان إلى الالتزام بالدوام ويعتبر القسم العملي فيهما هو الأهم فكانت تساعدني في دراسة المقررات وكذلك في البحث عن مرضى في سنوات دراسة طب الأسنان الأخيرة لأجل الامتحان العملي».

1- عازفة البيانو وطبيبة الأسنان مجد سليمان

تَنظِيمُ الوَقتِ

2- الموسيقية مجد سليمان

عملت "مجد" جاهدةً على تنظيم وقتها لتطور مهاراتها في العزف وتنهي دراستها وتتابع العمل في طب الأسنان، تقول: «حاولت جاهدة على تنظيم وقتي حتى لا يؤثر أي فرع على الآخر، وبالرغم من كثرة الانتقادات ومقولة "كتير الكارات قليل البارات" لكن تمكنت من متابعة دراستي الجامعية وأكملت اختصاص بأمراض اللثة وجراحتها، وقمت بالإشراف على الجوانب العملية بقسم اللثة في جامعة تشرين ودمشق والأندلس لفترة معينة، إضافة إلى تدريس البيانو في معهد صلحي الوادي والمعهد العالي للموسيقا في دمشق ومعهد محمود العجان في اللاذقية، وإقامة العديد من الحفلات في دار الأوبرا بدمشق وغيرها من المسارح كل فترة، وحتى اللحظة أواظب على الاستمرار بالمجالين فأنا في برلين منذ سنتين وأعمل صباحاً في عيادة الأسنان ومساءً في تدريس آلة البيانو».

أَهَمُّ المَحَطَّاتِ

يمرّ العازف بالعديد من المحطات المهمة خلال مسيرته والتي تترك أثرها على حياته، وعن المحطات التي تخللت مسيرة "مجد" تقول:« لكل محطة أثر مهم ومختلف في حياتي، سواء طفولتي الحافلة بالتمرين والحفلات والتي تعتبر حجر الأساس لما تلاها، أو مرحلة الجامعة والمعهد العالي للموسيقا التي تبلور فيها الوعي أكثر، بالانتقال إلى مرحلة التخصص والعمل ومن ثم السفر وتحدياته من تعلم لغة جديدة وصعبة إلى الانخراط مع مجتمع غريب كلياً عنا بسلبياته وإيجابياته، خاصة بالنسبة لشخص اجتماعي مثلي أعظم المتع لديه التواصل مع الناس، وفي النهاية كل محطة تثري شخصية الإنسان من دون أي شك».

وتتابع الحديث عن الحفلات التي شاركت بها خلال مسيرتها: «شاركت بالعديد من الحفلات منذ الطفولة، وكانت البداية في المركز الثقافي الروسي، ثم معهد صلحي الوادي، ومن أبرز تلك الحفلات كانت حفلتي مع الأوركسترا السمفونية الوطنية، حيث عزفت كونشيرتو البيانو الأول لبيتهوفن بقيادة الأستاذ صلحي الوادي في قصر إيبلا للمؤتمرات بعمر الحادية عشرة، وفي السنة الأولى من المعهد العالي للموسيقا شاركت في مسابقة أفضل عازف صولو، واختارنا الألمان أنا وثلاثة من الزملاء لنشارك في مهرجان العزف للشباب في برلين، وفي صيف 2022 شاركت بعزف "كونشيرتو سان سان" الأول مع الأوركسترا الوطنية بقيادة الأستاذ ميساك باغبودريان في قصر العظم، ومن أبرز المحطات أيضاً مشاركتي بمسابقة شوبان في القاهرة حيث أقام المشاركون حفلاً في دار الأوبرا بالقاهرة، بالإضافة إلى العديد من حفلات الصولو والمشاركة مع آلة الترومبيت والكمان وأوركسترا شام الإيقاعية على مسارح مختلفة سواء دار الأوبرا أو المراكز الثقافية في عدة مدن كاللاذقية وطرطوس والسويداء».

الجُمهُورُ المُتَابِعُ وَالمَوَاهِبُ السُّورِيَّةُ

تتحدث "مجد" عن اختلاف الجمهور وذائقته الفنية من مكان لآخر، وعن دورها في تقديم الأفضل لهم: «يختلف الجمهور بين مكان وآخر، وهدفنا من إقامة الحفلات تقديم المتعة للحاضرين، والإضاءة على أساليب العزف أو المدارس الموسيقية غير المعروفة بالنسبة لجمهورنا، وأنا أطمح إلى تقديم الأفضل على كل المسارح، إلا أن إحساس المسؤولية يكون أكبر عندما أقف على مسرح دار الأوبرا لأن قسماً كبيراً من الحاضرين هم أساتذتي وزملائي، والنقد الفني طبعاً سيكون على مستوى أعلى، ولكل مسرح رهبة تختلف، ولا يوجد مسرح بلا رهبة، لكن التمرين على العزف أو الأداء على المسرح يلعب دوراً كبيراً ومهماً لتجاوز هذه الرهبة، والنقطة المشتركة بين كل المسارح هي أن بداية العزف هي اللحظة التي تمتزج فيها هذه الرهبة بالمتعة لتتحول إلى متعة خالصة بنهاية الحفل، وكذلك الشراكة الموسيقية على المسرح تكسر هذه الرهبة، فوجود زملاء معك بالعمل الموسيقي يضيف تحديات من نوع آخر مختلف عن حفلات الصولو ويضيف دعماً نفسياً وشعوراً مريحاً بأن الجميع على هذه الخشبة يحمل مسؤولية النجاح».

وعن المواهب السورية تقول "مجد": «أثبتت المواهب السورية جدارتها وتميزها خارج وداخل البلد على حد سواء ما يثبت أنه لدينا من المواهب ما يضاهي الخبرات العالمية في مختلف المجالات، ويؤسفني الوضع الحالي للبلاد الذي دفع بالعقول والمواهب إلى الهجرة، ومن المؤسف عدم الاستفادة من هذه الخبرات التي تعمل البلدان العربية والأجنبية، وكلّي أمل أن تعود البلاد إلى سابق عهدها لأن الشعب السوري متميز ويستحق الفرح».

يذكر أن "مجد سليمان" خريجة المعهد العالي للموسيقا "آلة بيانو" وكلية طب الأسنان "اخصائية بأمراض اللثة وجراحتها".