لم يكن يعلم "نوار خوري" أن تعلقه بالموسيقا في الطفولة سيخرج الموهبة الكامنة لديه، وأنه سيكمل حياته في دراسة الموسيقا وتدريسها، وأن سماعه لآلة الفلوت سيحوّل اهتمامه باتجاه تعلمها وإتقان العزف عليها.
رِحلَةُ تَعَلُّمِ المُوسِيقَا
بدأ اهتمام وتعلق "نوار خوري" بالموسيقا منذ الطفولة، لتظهر موهبته في فترة الشباب وتدفعه إلى دراسة الموسيقا، يقول لـ"مدونة الموسيقا": «لفتتني الموسيقا في الطفولة ولكن لم أكن أعرف أن مستقبلي سيكون متعلقاً بها كلياً، ففي مرحلة الشباب انضممت إلى الكشاف وكانت البداية في العزف على آلة السنير، لأتعرف بعد فترة من الزمن على شاب يعزف على آلة الترومبيت وكان ذلك في الكشاف والكنائس ما جعل اهتمامي الموسيقي يتجه نحو هذه الآلة، إلا أن سماعي لصوت آلة الفلوت أثناء خدمتي الإلزامية أثار فضولي للتعرف عليها أكثر، فتوجهت لصديقي "زياد حرب" لأعرف منه أكثر عنها وكان خير مساعد لي، ساعدني في الحصول على آلة فلوت، كما أعطاني العديد من الكتب التي استفدت من المعلومات التي تحتويها، وبدأت بتعلم قراءة النوتة، وبعض النظريات الموسيقية حتى جاءت فكرة انضمامي إلى المعهد العالي للموسيقا بدمشق، وشجعني للالتحاق به الأستاذ الراحل "حسام الدين بريمو" الذي كان جاري في الحي وزميلي في الكشاف، وبدأت التحضير لامتحان المعهد العالي للموسيقا وقبل الاختبار قمت بأداء المقطوعة أمام الأستاذ "حسام"، الذي شجعني أكثر لخوض هذه التجربة، وكان يوم الامتحان هو المرة الأولى التي ألتقي بها الأستاذ "صلحي الوادي" وبعد أن قمت بالعزف على آلة الفلوت أثنى الخبير البلغاري "روميتشل" على ما قدمته، وتم قبولي في المعهد العالي للموسيقا في 1992-1993».
لِمَاذَا آَلَةُ الفلُوت؟
أما عن اختياره لآلة الفلوت يتابع الأستاذ "نوار" الحديث: «لكل آلة موسيقية رونقها الخاص، لكن لكل شخص مزاجه الخاص بالاستماع والاستمتاع في تعلم آلة محددة، وأنا أحببت آلة الفلوت المنحدرة من عائلة الآلات النفخية، التي لم أكن أعرف عنها الكثير كوني في تلك الفترة لم أكن متعمقاً بدراسة الموسيقا كحالي أصدقائي في المعهد العالي للموسيقا الذين كان أغلبهم قد تتلمذ على أيدي خبراء روس قبل الالتحاق بالمعهد، وكنت أعتقد أن آلة الفلوت لها قدرات أداء مختلفة عن باقي الآلات كأداء "الليغاتو" أي قوس الاتصال اللحني، ولكن بعد التعمق أكثر بدراسة الموسيقا تعلمت أن كل الآلات قادرة على أدائه لكنه يكون واضحاً ومتميزاً عندما يُنفّذ بالآلات النفخية».
أَهَمُّ المَحَطَّاتِ
في حياة كل شخص محطات يبقى أثرها في الذاكرة، محطات لا تمحى ولا تنسى، وعنها يقول الأستاذ "نوار": «مررت بعدّة محطات مهمة أثناء دراستي كان لها أثر كبير عليّ، الأولى كانت تعرفي على الأستاذ "صلحي الوادي" الذي كان مميزاً ومن الصعب تعويض خسارته في المجتمع العربي عموماً والسوري خصوصاً، والثانية مقابلة أساتذتي المدام "بيلا" والأستاذ "فيكتور بابينكو" اللذين أعطياني الموسيقا بشكل أكاديمي واحترافي، والثالثة انضمامي إلى الأوركسترا السورية الوطنية عام 1993 فقد كان للعزف الجماعي أثر كبير في تطور أدائي، لأنني كنت اضطر إلى عزف مقطوعات أصعب والتدرب بشكل أكبر لأتمكن من اتقانها وأدائها بالمستوى المطلوب، إضافة إلى أن غنائي بالكورال مع الأستاذ "فيكتور" ساعدني على استيعاب الموسيقا بشكل أكبر، وفي السنة الرابعة من الدراسة قمت بتدريس الطلاب من المعهد العربي "معهد صلحي الوادي حالياً" على آلة الريكوردر التي تعلمت العزف عليها بعد أن أهداني إياها الأستاذ "حسام الدين بريمو"، فقد كان في المعهد مادة "علوم التعليم" التي يجب على الطالب أن يدرس عدّة طلاب ولكن بسبب قلة الأساتذة تكلفت بأكثر من ثلاثة طلاب، وفي السنة الخامسة قمت بتدريس مادة "الكونتربوان" وهي مادة مشابهة للهارموني ».
ويتابع الأستاذ "نوار" الحديث عن مرحلة ما بعد الدراسة، فيقول: «اقتصرت حياتي بعد التخرج على الموسيقا فقط، فقد كنت أعزف ضمن الأوركسترا وأدرس في المعهد العالي للموسيقا، ومعهد صلحي الوادي للموسيقا، إضافة إلى دروس في مادة الصولفيج للطلاب الذين يتحضرون للالتحاق بمعهد صلحي الوادي، واستلمت رئاسة قسم النظريات بالمعهد العالي للموسيقا في 2002، ورئاسة قسم الآلات النفخية بمعهد صلحي الوادي في 2004، وفي عام الـ2014 استلمت رئاسة قسم الصولفيج في معهد صلحي الوادي، وبالرغم من ازدحام نهاري بالأعمال إلا أن لكل عمل متعته الخاصة سواء كان تدريساً أو عملاً إدارياً».
وأهم الأعمال التي يفتخر بإنجازها الأستاذ "نوار" هي تدوين نوتات موسيقية للمؤلفين الذين يكتبون القطع الموسيقية بخط اليد، ومنهم الأستاذ صلحي الوادي بعد وفاته، حيث كتب كل القطع الأوركسترالية، وعزفتها الأوركسترا الوطنية لاحقاً، كما دوّن نوتات حفلات أوركسترا ماري للأستاذ "رعد خلف" في آخر ثلاث سنوات قبل أن يسافر الأستاذ "نوار" خارج البلاد عام 2017.
الحَفَلَاتُ
شارك الأستاذ "نوار" بالعديد من الحفلات يحدثنا عنها: «شاركت بالعديد من الحفلات مع الأوركسترا السورية الوطنية في سورية وخارج سورية مثل لبنان، الأردن، العراق، دبي، أبوظبي، عُمان، تركيا، ألمانيا، وإيطاليا، ومن المشاركات المميزة بالنسبة لي كانت في مصر عندما شاركنا بهرجان القاهرة للفرق العربية وعزفنا على مسرح دار الأوبرا هناك بقيادة الأستاذ جوان قره جولي، كما أقمت عدّة حفلات لطلابي العازفين على آلة الريكوردر وكانت بمشاركة الأستاذ جوان قره جولي حيث شارك فيها بعمر 5 – 6 سنوات، وأقيمت حفلة أخرى على مسرح المركز الثقافي بالمزة بمشاركة 100 طالب قاموا بعزف 7 قطع صغيرة كتبها الأستاذ فيكتور بابينكو لتكون مناسبة لأعمار الأطفال، وأقيمت حفلات أيضاً على مسرح دار الأوبرا بدمشق بحضور وزيرة الثقافة وكانت من الحفلات الناجحة، كما أقمت حفلة لطلاب معهد صلحي الوادي على مسرح مدرسة الرعاية الخاصة، وآخر حفلة قدمتها قبل سفري كانت لطلابي الخاصين على مسرح المركز الثقافي في العدوي وكانت على آلة الريكوردر وعدّة طلاب يعزفون على آلة البيانو والكمان، وبعد سفري أقمت عام 2022 حفلة ضمت مجموعة من العازفين وشكلنا أوركسترا صغيرة وقمت بعزف فلوت أول مدة 55 دقيقة».