دفعه الفضول في الطفولة وحبّه تقليد الموسيقا التي يسمعها إلى تكرار التدريب على آلته الصغيرة حتى يتمكن من عزف ما يسمع، وهكذا أتقن معزوفته الأولى التي سمعها من التلفاز، فكانت خطوة أولى جذبت انتباه أهله إلى موهبته الموسيقية وكانت التمهيد لدخوله إلى عالم الموسيقا والعزف والتدوين الموسيقي ليصل لاحقاً إلى التأليف والتوزيع الموسيقي.
البِدَايَةُ فِي المُوسِيقَا
اعتمد المايسترو "مهدي المهدي" على تقليد الموسيقا التي كان يسمعها، ويتحدث لـ"مدونة موسيقا" عن الحادثة التي لفتت أنظار أهله لموهبته الموسيقية فيقول: «بدأت منذ عمر خمس سنوات بالعزف على آلة أورغ صغير اشتراه لي والدي ومحاولة تقليد ما أسمع من ألحان، وكانت موسيقا شارة مسلسل الجوارح الذي كان يعرض آنذاك على التلفاز تتكرر يومياً على مسامعي، وكوني كنت أعزف ما أسمع على آلتي الأورغ قمت بالعديد من المحاولات حتى تمكنت من عزفها بالشكل الصحيح حتى ظنّ والدي عند سماع اللحن أنه صادر عن التلفاز، لكن مفاجأته كانت عندما اكتشف أنني العازف، لذا بدأ بالاهتمام بموهبتي والعمل على تطويرها وصقلها خاصة وأنه ملحن وعازف قانون، فذهب بي إلى المعهد العربي للموسيقا "صلحي الوادي" وسجلني هناك لأدرس فيه عدّة سنوات تحت إشراف الأساتذة "أندريه المعلولي، عامر الداكشلي، أبان زركلي" وأتخرج باختصاص آلة الكمان عام 2007، وأتابع مسيرة تعليمي للموسيقا بعدها مع والدي الذي درّسني الموسيقا الشرقية وعلم المقامات والإيقاعات في الموسيقا العربية والتي لم أكن أعرفها خلال دراستي، وأنتسب بعدها إلى نقابة الفنانين بعد خضوعي لاختبار موسيقي أمام لجنة كان من ضمنها الراحل صباح فخري والملحن الراحل عدنان أبو الشامات، وخلال دراستي في جامعة دمشق كلية العلوم قسم الإحصاء الرياضي الذي تخرجت منه عام 2015 قررت التقدم إلى المعهد العالي للموسيقا ونجحت بالانتساب إليه والدراسة على مقاعده لأتخرج منه عام 2018 باختصاص آلة الفيولا على يد الأستاذ مروان أبو جهجاه».
أَهَمُّ المَحَطَّاتِ
مرّ المايسترو "مهدي" بالعديد من المحطات المهمة التي كان لها أثر مهم في حياته الموسيقية، والتي ترك أثره وبصمته الموسيقية فيها، وعن هذه المحطات يقول: «يتقدم الإنسان دائماً إلى الأمام ومع كل خطوة يحقق تطوراً ويترك أثره وبصمته، وكان من المحطات المهمة في حياتي تخرجي من معهد صلحي الوادي اختصاص آلة الكمان عام 2007، وتخرجي من المعهد العالي للموسيقا اختصاص آلة الفيولا عام 2018، ونلت درجة الماجستير في التربية الموسيقية من جامعة دمشق كلية التربية عام 2022، كما انتسبت إلى نقابة الفنانين بصفة قائد أوركسترا وعازف كمان وفيولا منذ عام 2011، وتم تعيني كقائد أوركسترا الموسيقا العربية لمعهد صلحي الوادي للموسيقا منذ عام 2019، ومن الأعضاء المؤسسين لفرقة "عازفو دمشق لموسيقا الباروك" منذ عام 2014 بإشراف د.نبيل الأسود والموسيقي الإيطالي ماركو فيتالي والتي أصبحت مدرباً ومشرفاً لها، كما أنني عضو في الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية منذ عام 2015، وشاركت في ورشة عمل Yes Academy للتأليف الموسيقي في لبنان مع المؤلف Jamie Wind Whitmarsh عام 2018، ومن المحطات المهمة كان تمثيلي لسورية ضمن المنتدى الأوراسي الشبابي الموسيقي في روسيا عام 2019 بإشراف المؤلف الروسي "أندريه باتورين" حيث عزفت الأوركسترا السيمفونية الأكاديمية بقيادة "فلاديمير زافوديلينكو" عملين أوركستراليين من تأليفي هما "الرابسودي السورية الأولى، نفحات حجاز"، بالإضافة إلى عملي كمدرس لمادة التحليل الموسيقي في المعهد العالي للموسيقا، ومدرس لآلتي الكمان والفيولا في معهد صلحي الوادي للموسيقا».
التَّألِيفُ وَالتَّوزِيعُ
ويتابع المايسترو "مهدي" الحديث عن مسيرته الموسيقية وانتقاله إلى التأليف والتوزيع الموسيقي، فيقول: «كنت أهتم بالتدوين الموسيقي منذ طفولتي وكنت أمتلك دفتراً أنوّط عليه أغاني فيروز، بالإضافة إلى تجربة التلحين والتأليف الموسيقي، لكن انضمامي ودراستي في المعهد العالي للموسيقا ساعداني على صقل هذه الموهبة وتطويرها، لأتمكن بعدها من إنجاز العديد من المؤلفات الموسيقية، وقامت الفرقة الوطنية السورية للموسيقا العربية بقيادة عدنان فتح الله بعزف عدة مؤلفات منها "تراتيل دمشقية، خريف، حلم، إلى حلب، أنين، رقصة سورية، أحلام اليقظة، فانتازيا سورية"، وعملت أيضاً بالتوزيع الموسيقي وتوليت مهمة التوزيع الموسيقي لعدة فرق سورية منها "أوركسترا أورفيوس، أوركسترا الموسيقا الشرقية بقيادة نزيه أسعد، جوقة الفرح بقيادة رجاء الأمير"، وتوزيع عدد من الأعمال لمغنين سوريين وعرب منهم "ميادة الحناوي، الراحل مروان محفوظ، ليندا بيطار، سناء بركات، سارة درويش، كارمن توكمه جي، سومر نجار"، وخلال فترة سابقة استمرت عدّة سنوات قمت بالعمل على توثيق التراث الغنائي العربي عموماً والسوري خصوصاً لصالح صف الغناء الشرقي في المعهد العالي للموسيقا».
الجُمهُورُ وَالمَوَاهِبُ السُّورِيَّةُ
يختلف الجمهور من مكان للآخر لكن هذا لا يعني اختلاف الذائقة الموسيقية، فكل من يحب الموسيقا سيكون حاضراً في المسرح ليسمع ما يطربه، وعن الجمهور المتابع للموسيقا يقول المايسترو "مهدي": «أركز في أعمالي على المشاعر والأحاسيس، وأخاطب الأرواح، وبرأيي الموسيقا الحقيقية قادرة على تجميد الزمن والوصول إلى القلوب كل الناس والجماهير من كل شرائح المجتمع، ولعل هدف الفن هو إيصال رسالة إنسانية تسمو بنا نحو الجمال».
أما عن المواهب السورية فيقول: «سورية كانت ولا تزال وستبقى ولّادة للمواهب، لكن للأسف لا يتم تبني هذه المواهب بالشكل الأمثل، كما نشهد في الآونة الأخيرة هجرة وسفر الكثير من الكفاءات الفنية والعلمية السورية.. لكن، كلّي أملٌ بأن يكون المستقبل القادم أفضل».