من النوادر في زمن الضجيج والشهرة السريعة والأضواء الخادعة، أن تجد شاباً موهوباً مثل "صالح مزيك" يملك صوتاً جميلاً يتحدى تلك الموجة ويرفض الانخراط في أجوائها ولا تعجبه نغماتها ولا يقلدها.. في مقابل ذلك أخذ يركز كل مجهوده ودراسته الغنائية للبحث في الطرب والأدوار والموشحات القديمة، ويعيد حفظها وتسجيلها بقالب جديد مع المحافظة على هويتها وحفظ أسماء ملحنيها ومطربيها وزمانها ومكانها.

ومن أوساط الطرب الحلبي وعائلة فنية متجذرة بالفن ولد "صالح" بحارة البياضة الشعبية لأسرة فنية عريقة فوالده عازف العود الشهير "سعد مزيك" والمؤذن بجامع العادلية ومن بعده الغزالي، ولاحظ الأب ميول ابنه "صالح" مبكراً ورغبته بحفظ النغمات والأغاني القديمة حصراً لأمثال "صالح عبد الحي وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وسيد درويش" فمد يد العون لابنه وساعده ودرسه أصول النغمات والقدود والموشحات والأدوار، والبداية "لصالح" كانت بحفظ أغنية "حبيتك وبحبك" "لمحمد عبد المطلب" ولم يكن الابن يتجاوز الخامسة عشرة من العمر حتى تمكن من حفظ أكثر من ٢٥ دوراً، وأكثر من ٢٠٠ موشح.

مَع الشَّيخِ حَسَن حَفَّار

ولأنه من عائلة فنية تعشق الفن الأصيل التحق "صالح" بناء على نصيحة والده بفرقة المنشد "حسن حفار" بصفة كورال ثم عازف إيقاع ولمدة ثلاثة أعوام اكتسب فيها الكثير من الخبرة وبكيفية طريقة غناء الموشحات من شيخ المنشدين الحلبيين. كما حفظ عنه موشح "يا عذيب المرشف ومعير الغصن"، عاد وتتلمذ "صالح" على يد الباحث الموسيقي المهندس "ظافر جسري" ومن بعدها أنشد بفرقة تراث "حلب" عدة حفلات في الطرب والإنشاد، وذهب في عام ٢٠١٥ بزيارة إلى "تركيا" وهناك التقى بموسيقين أتراك بمدينة "قونيا" وتمت مناقشة وتبادل الأفكار حول تقارب النغمات العربية والتركية وعلاقتها ببعضها البعض، وأعجبوا جداً بما سمعوه من أداء "صالح" لموشحات عربية.

1- صالح مزيك ونورس الجسري
2- مراسل مدونة الموسيقا من حلب زهير النعمة مع الجسري ومزيك

حَفَلَاتٌ

3- الباحث عدنان جسري

أحيا "صالح" عدة حفلات فوق مسارح "حلب" وفي مساجد "دمشق" مع الوشّاح الدمشقي "مصطفى كريم" ويحرص على انتقاء وحضور حفلاته بدقة متناهية بحيث يكون محتواها غناء وتقديم الطرب الأصيل.

الطَّرِيقُ طَوِيلٌ

يختم المطرب الشاب "صالح" حديثه لـ"مدونة الموسيقا" بأنه حدد مساره الفني المستقبلي بوضوح لا لبس فيه، وهو غناء الطرب القديم بالإضافة لغناء الأدوار والموشحات القديمة مع البحث عن موشحات غير ملحنة ليعيد تسجيلها من جديد بصوته وبالتشارك مع زميله العازف "نورس".

4- الباحث الموسيقي المهندس سؤدد عقاد

ومن حسن الحظ كما يقول تفاهمه والسير بخطوات متشابهة مع زميله عازف القانون الشاب المبدع "نورس جسري" للعمل معاً، مع الاستفادة من نصائح وتوجيه الخبرات الفنية المخضرمة بهذا المجال.

وفي الطرف الآخر هناك عازف القانون والحقوقي الشاب "نورس جسري" ابن الواحد والعشرين عاماً والمولود بعائلة فنية عريقة، فوالده الفنان "عدنان جسري"، وعمه الباحث المهندس "ظافر" وعمه الآخر المطرب "عادل"، وضمن تلك الأجواء الفنية الساخنة طلب منه والده تعلم العزف على آلة القانون، ولمدة ست سنوات تتلمذ على المايسترو "غسان عموري" ولمدة عام على يد "حسن عساف" ولمدة عام آخر تنقل ما بين العازفين "جلال جوبي وفراس نجار، متماً بذلك ثماني سنوات متتالية، اتبعها ببحثه وتعلمه الصولفيج وقراءة النوتة والمقامات بين عامي ٢٠١١ حتى ٢٠١٨ في المعهد العربي للموسيقا. وبعد تخرجه عهد إليه بتدريس المادة في المعهد نفسه.

5- عازف الدف فائز ملاح

نَشَاطٌ فَنِّيٌّ مَع الكِبَارِ

ولأن "نورس" مبدع وموهوب بالعزف على آلة القانون تم طلبه لأكثر من حفلة محلية بالمدينة مع كبار المطربين، وبقيادة العازف الخبير "عبد الحليم حريري" ونظراً لتميزه حصل على عضوية نقابة الفنانين في عام ٢٠٢١.

فِرقَةٌ فَنِّيَّةٌ

شكل "نورس" فرقتين موسيقتين "تريولت"، و"دلنشين" الأولى لعزف المقطوعات المتنوعة من سماعي ولونغا وأغاني، والثانية لنشر وعزف التراث الحلبي القديم من قدود وموشحات طربية، حيث شارك بها بعدة حفلات ومهرجانات محلية.

"صالح" مُتَمَيِّزٌ وَمُقتَدِرٌ

وصف العازف "نورس" زميله المطرب "صالح مزيك" بالمتميز والمقتدر وصاحب الصوت القوي والجميل والمنسجم مع الموسيقا والمتواضع والخلوق، وعبر عن سعادته معه، وأضاف: «لدينا برنامج عمل فني متواصل ضمن سهرات خاصة لتسجيل موشحات جديدة لم تغن من قبل».

شَهَادَاتٌ فَنِّيَّةٌ

الباحث الموسيقي "سؤدد عقاد" أشاد بالتعاون الشبابي الناجح ما بين "نورس وصالح" واصفاً أياهما بالشباب الطموح الذي يعشق الفن والطرب الأصيل على حبته، ومن علامات نجاحهما وتطورهما براعة "نورس" في العزف على آلة القانون مع جمال صوت "صالح" المميز، ومهارته وذكائه بحفظ كم كبير من الأدوار والموشحات لـ"رياض السنباطي وسيد درويش وزكريا أحمد وداوود حسني وزكي مراد وأم كلثوم ومحمد عبد الوهاب"، وتوقع لمشروعهما الفني النجاح والتوفيق، متمنياً عليهما إكمال طريقهما بمزيد من الدراسة الفنية ليكونا ذوا شأن ومكانة.

الفنان عدنان جسري" قال: «شهادتي مجروحة "بنورس" كونه ابني ولكن ما يصل لمسامعي من الخبرات الموسيقية من مديح وإطراء بحقه أعتبره وساماً على صدري، وأطلب منه باستمرار التواضع وعدم الغرور والمزيد من الدراسة الموسيقية، أما زميله المطرب "صالح" الشاب المختلف عن أمثاله بحبه للطرب القديم فهو يملك صوتاً جميلاً وهو ابن عائلة فنية عريقة، ونشجع وندعم بقوة فكرة العمل الفني المشترك بين "نورس وصالح" ليكونا بصمة يشار لها بالبنان في عالم الفن».