تعتبر آلة الأكورديون من الآلات الغريبة، حيث تُنسب إلى الآلات النفخية لكن العزف عليها لا يتطلب النفخ عن طريق الفم، كما أنها لم تكن متواجدة على الساحة الموسيقية بكثرة لكن منذ فترة ليست ببعيدة أوجد لها "وسام الشاعر" مكانة مميزة وعمل على نشر موسيقاها لتجذب الانتباه وتصبح الآلة التي يسعى الكثير إلى تعلم العزف عليها.
البِدَايَةُ فِي المُوسِيقَا
لفت انتباه "وسام الشاعر" صوت آلة الأكورديون وجذبته ألحانها عند استماعه لأغاني السيدة فيروز وأم كلثوم فأصبحت آلته المفضلة بعد أن بدأ بالتعرف عليها وعلى طريقة عزفها، لذا كانت رفيقته منذ الطفولة، وعن هذه المرحلة يقول "وسام": «كحال الكثير من الأطفال في المرحلة الابتدائية شاركت بالأنشطة الطلائعية الخاصة بالموسيقا وكانت آلة الأكورديون هي الآلة التي شاركت بها، وكان في تلك الفترة عدّة أساتذة موسيقا تتناوب لتدريبنا العزف على الآلات وتعليمنا الموسيقا، ومع التدريب وحبّي للآلة أصبحت رائد على مستوى القطر بالعزف على آلة الأكورديون، ولكن شغفي بالموسيقا دفعني إلى تطوير مهاراتي ولم أكتف بالمشاركة فقط بعزف مقطوعات جاهزة، بل بدأت بتأليف المقطوعات الموسيقية وتقديمها في مسابقات الرواد، ووقع اختياري على آلة الأكورديون لأن صوتها كان لافتاً جداً ومميزاً عندما كنت استمع في طفولتي لأغاني أم كلثوم والسيدة فيروز».
مَحَطَّاتٌ مُهِمَّةٌ
دفع الشغف "وسام" إلى دراسة الموسيقا، كما دفعه إلى تحقيق الكثير من لإنجازات، فيقول عنها: «درست الموسيقا وحصلت على إجازة من جامعة البعث في حمص اختصاص غناء أوبرا، وتابعت الدراسة وحصلت على درجة الماجستير بالتربية الموسيقية من جامعة دمشق، ولم أقف عند هذا الحدّ بل تابعت الدراسة وحصلت على دبلوم من المعهد العالي للموسيقا باختصاص أوكورديون وبيانو، أما في المجال المهني كانت بدايتي في فرقة الإذاعة والتلفزيون عام 2002 ومن ثم أصبحت أسجل الموسيقا لها، وانتقلت بعدها إلى المحطة التي أعتبرها الأهم في مسيرتي وهي انضمامي إلى الفرقة الموسيقية للسيدة فيروز ومشاركتي العزف معها في العديد من الحفلات بمختلف بلدان العالم، وكان أبرز ما يميز هذه المرحلة أنني قمت بعزف صولو على آلة الأكورديون برفقة السيدة فيروز، فقد كانت آلة الأكورديون من الآلات المهمة بالنسبة للرحابنة وكانت الاختيار الأول لترافق صوت السيدة فيروز، وشاركت بالعزف مع العديد من النجوم كالسيدة جوليا بطرس، زياد الرحباني، ونجوم عالميين مثل الموسيقي راؤول دي بلاسيو، ونجوم عرب كميشيل فاضل، وساعدني تطور الميديا في تسجيل موسيقا الأكورديون للعديد من الفنانين الذين كانوا يرسلون المقطوعات لأقوم بتسجيلها في استديو وإرسالها لتخضع للميكساج وتضاف إلى موسيقا الأغاني، ومن الفنانين الذين سجلت لهم كاظم الساهر وعبدالله الرويشد، ملحم زين، وائل كفوري».
وتعتبر مساهمته بإدخال موسيقا الأكورديون إلى الموسيقا التصويرية من المحطات المهمة في مسيرته الفنية، فيقول "وسام": «ساهمت بإدخال موسيقا الأكورديون على الموسيقا التصويرية في الدراما السورية، وكان صوت موسيقا الأكورديون مختفياً حتى عام 2005 عندما عملت على إيجاد مكان له ليأخذ صوته دور البطولة في الموسيقا التصويرية، ومن الأعمال التي سجلت لها موسيقا كانت عدّة مسلسلات مع إياد الريماوي "24 قيراط، قلم حمرة، فتت لعبت"، ومع طاهر مامللي "في ظروف غامضة"، وإيهاب مرداني "عابروا الضباب، أريجان، أثر الفراشة"».
مَشَارِيعُهُ الفَنِّية
سعى "وسام" إلى تحقيق نجوميته والحفاظ على تواجد آلة الأكورديون بالعزف المنفرد على مسارح مختلفة وفي المهرجانات وإنشاء أول صف تدريبي للآلة في سورية، فيقول: «لم أكتفِ بكوني عازف مع فرق موسيقية، بل سعيت لأحقق نجوميتي الخاصة بواسطة الأكورديون، وبالعمل على نشر ألحان هذه الآلة، فقد عزفت صولو مع الفرقة السمفونية الوطنية للموسيقا العربية، وقدمت العديد من الأمسيات على مسرح دار الأوبرا بدمشق، وآخر الحفلات التي عزفت بها صولو أكورديون مع الفرقة السمفونية الوطنية كانت على مسرح دار الأوبرا بالجزائر في مهرجان الموسيقا السمفونية الدولية بقيادة المايسترو ميساك باغبودريان، وحصلت على درع تكريمية من إدارة المهرجان كعازف صولو أكورديون، كما تمت دعوتي إلى مهرجان بعلبك مع الفرقة الوطنية اللبنانية، وقمت بتمثيل سورية في عدّة محافل دولية كان آخرها في الجزائر ولبنان ومصر، وقامت دار الأوبرا في القاهرة بتكريمي عدّة مرات، وشاركت بمهرجانات الموسيقا العربية في مصر وفي عدّة دول عربية أخرى، كما عزفت صولو أكورديون في أمستردام، وفي مهرجان ليالي بيروت مع الموسيقي العالمي راؤول دي بلاسيو، وكوني أسعى للحفاظ على تواجد آلة الأكورديون عملت على تأسيس أول صف أكاديمي لآلة الأكورديون بسورية في معهد صلحي الوادي يضم مجموعة من الأطفال لديها الشغف لتعلم عزف الأكورديون لذا أعمل جاهداً على تدريبهم بالطريقة الأمثل ليكونوا عازفين ومدربين ويتابعوا مسيرتي في تدريس هذه الآلة للأجيال القادمة، كما قمت بتأسيس أوركسترا خاصة تدعي أوغاريت كوني أحمل صفة قائد أوركسترا وعازف أوكورديون من نقابة الفنانين والتي قدمت عدّة أعمال على مسرح دار الأوبرا في دمشق وعلى مسارح المراكز الثقافية في عدّة محافظات».
الجُمهُورُ وَالمَسرَحُ
يختلف الجمهور المتابع للموسيقا وعادات وتقاليد الاستماع بين دولة وأخرى فيقول "وسام": «من الصعب جذب الجمهور خصوصاً العربي للموسيقا فقط، لأننا تعودنا الاستماع للكلمات فقط من دون الموسيقا، أما اليوم فإننا نسعى إلى لفت انتباه المستمع إلى اللحن المرافق للكلمات وأهميته، ويلقى الأمر تجاوباً وتفاعلاً لافتاً من الجمهور وقد لاحظت ذلك خلال عزفي صولو على مسارح دور الأوبرا في العديد من الدول، كما يختلف الجمهور من مكان لآخر فالجمهور في لبنان يختلف عن الجمهور في الجزائر ويختلف عن الجمهور في دول غربية، وبالنهاية عند تقديم موسيقا تناسب ذوق الجمهور ستلاحظ تفاعلهم مع الألحان، وتختلف عادات وتقاليد الاستماع بين الدول العربية والأوربية، ففي أوروبا مثلاً لا يصفق الجمهور حتى تنتهي المقطوعة الموسيقية كاملةً حتى لو كانت كونشيرتو مدتها نصف ساعة، أما الجمهور العربي فهو جمهور تفاعلي مع كل مقطع يشارك بالتصفيق».
المَوَاهِبُ السُّورِيَّةُ
يتحدث "وسام" عن المواهب السورية المميزة: «تذخر البلاد بالعديد من المواهب المميزة وتلاحظ ذلك من المشاركات العالمية لعازفين سوريين نالوا جوائز مهمة على المستوى العربي والعالمي، ومنهم عازف العود كنان أدناوي الذي نال جائزة مهمة في مهرجان العود الذي أُقيم في الرياض، وجمان عمران التي نالت جائزة في عزف البيانو بسويسرا، وعازف الترومبيت نزار عمران الذي مثّل سورية في العديد من المحافل الدولية، وهؤلاء مثال على وجود المواهب السورية المميزة، لكن في البلاد لا يلتفت أحد إلى أهمية الاستثمار الخاص للمواهب الموسيقية، حيث نجد تواجد شركات الإنتاج الخاصة التي تعنى بالأفلام والمسلسلات والأغاني، لكن لا نجد شركة إنتاج تُعنى بتقديم الدعم للموسيقيين، كحال الدول الأوروبية التي يتواجد بها شركات إنتاج خاصة بالموسيقيين تعمل على التسويق لهم وتقديم الدعم لانتشارهم وإقامة المهرجانات للموسيقيين، لذا أتمنى أن يكون لدينا ثقافة الدعم الخاص إلى جانب ما تقدمه نقابة الفنانين ووزارة الثقافة ليسود جو من التنافس بين شركات الإنتاج الخاص لدعم الموسيقيين كانتشار ثقافة التنافس لدعم الدراما والأغاني».