خَصَّصَ مُحتَرِفُ الغِيتَارِ إبراهيم سليماني قناتَه في يوتيوب لتعليم العزف على آلة الغيتار، إضافةً إلى محتوىً مُنوّع من مُؤلفاته في موسيقا الجاز، ومجموعة مقطوعات لموسيقيين من أنماطٍ مختلفة أدّاها مع عدة فرق، إلى جانب نماذج من تجربته الحافلة في قناة الأطفال (سبيس تون)، ما بين شارات المسلسلات وموسيقاها التصويرية وفواصل البرامج التي جعلت اسمه جزءاً من ذاكرة جيلٍ بأكمله، عبر خمسة عشر عاماً من الإبداع.
كل هذا يُشكّل توليفةً سمعية تُوازي تعدد المحطات التي مرّ بها في سورية، ولا سيما نيله شهادة دبلوم عن بُعد في غيتار الجاز، من جامعة "بركلي كوليج أوف ميوزيك" الأميركية، ومن ثم انتقاله إلى فرنسا، واختباره عوالم موسيقية جديدة، حفّزته لينال شهادة دبلوم في موسيقا الجاز على آلة الغيتار من "كونسيرفاتوار مارسيل لاندوسكي"، أهّلته للتدريس في عدة كونسيرفاتوارات في باريس، لِيأتي إنجازه الأهم تأسيس فرقةٍ تحمل اسمه Ibrahim Sulaimany Group.
اِكتِشَافَاتٌ أُولَى
يستحضر سليماني في حديثٍ مع "مدوّنة الموسيقا" اكتشافاته الأولى لِوقع الموسيقا في نفسه، وعلى حد تعبيره كأنّ سحراً ما، يظهر مع الأغنيات والمقطوعات، يقول: «كان والدي سمّيعاً لأنواعٍ موسيقية مختلفة شرقية وغربية، ويعود إليه الفضل في تعرّفي على أصوات عبد الوهاب وأم كلثوم وأديب الدايخ، وفي الوقت نفسه موسيقا البوب التي راجت في السبعينيات مع فرقة البيتلز وداليدا وديميس روسيس، أذكر أنني في طفولتي استعرت بيانو صغير ماركة كاسيو من ابن الجيران، دندنت عليه نغمات أعرفها، كانت تلك محاولة لترجمة الأصوات في رأسي برفقة آلةٍ موسيقية».
لاحقاً، أحبّ سليماني الغيتار، وصار يُلاحق الموسيقا التي تحضر فيها هذه الآلة سواء الكلاسيكية أو البوب أو الروك، وعن طريق أحد الأصدقاء حصل على نسخةٍ من كتابين لتعليم العزف على الغيتار الكهربائي، وهكذا تعلّم من الكتب والتدريبات، إلى أن شكّل مع أصدقائه فرقةً عزفت في المركز الثقافي الفرنسي في عيد الموسيقا عام 1991، يُضيف للمدوّنة: «في هذه المرحلة تعلّمت قراءة لغة الموسيقا (مادة الصولفيج)، وهي جزء أساسي من تعلّم الموسيقا ككل، كذلك كانت لي مشاريع عديدة كهاوٍ مع فرقٍ قدّمت أنماطاً موسيقية مختلفة، معها أحببت التأليف، وفي منتصف التسعينيات تقريباً أسست فرقة (إطار شمع)، حيث كان دور التأليف والتوزيع مُشتركاً مع زوجتي السابقة الفنانة رشا رزق، لتبدأ هنا خطوة نحو الاحتراف عبر أغانٍ من تأليفي».
مع (سبيس تون)
في نهاية التسعينيات، بدأ سليماني العمل مع (سبيس تون) كموسيقي مُحترف في التوزيع والتأليف، ومن الشارات التي لحنها (أبـنـاء الـوطـن، الأجـنـحـة الـصيـنـيـة، الـبـطـل الـذهـبـي، الـرواد الـخـارقـون، الـسـائـق، الـصيـاد الـجـريء) وغيرها الكثير، يقول لـ "مدوّنة الموسيقا": «أذكر شارات مسلسلات الكرتون التي أحببتها في طفولتي، وبعضها موسيقا يابانية منها (غريندايزر، سندباد، ساندي بل، جزيرة الكنز)، وعندما بدأت العمل للأطفال، كانت هذه التجربة امتداداً لطفولتي، شعرت بمسؤوليةٍ كبيرة على عاتقي، في تقديم موسيقا بنفس سوية الموسيقا التي تربيت عليها، وفي كل شارة اشتغلت عليها، كنت أستمع للموسيقا الداخلية المرافقة للعمل، كما أقرأ ملخصاً عنه لكي أفهم الشريحة العمرية التي يُخاطبها، لتأتي موسيقاي بما يتناغم مع كل هذا».
البعضُ في القناة، طالب سليماني بتأليف موسيقا أكثر شرقيّة، واختيار آلاتٍ قريبة من بيئتنا، لكنه كان يُصر على أن عملاً يُقدّم بيئةً يابانية أو أوروبية بمرافقة موسيقا غربية بحتة، لا يجب أن يُوضعَ له لحنٌ بعيدٌ عن طبيعته، حتى أن الأطفال سيلحظون الغربة والفارق بين الشارة والعمل، وفي هذا السياق يُضيف: «التعامل مع الطفل على أنه غير قادر على الاستيعاب مثلنا أو الاستخفاف بقدراته، سببٌ للاستسهال في المواد الفنية المُقدّمة له، أحياناً المشتغلون للأطفال لا يمتلكون سوية جيدة لتقديم مادةٍ لائقة، وكمحترفٍ أستغرب كيف مرّت بعض الأعمال وأصبحت جزءاً من ذاكرة أطفالٍ صاروا شباباً».
تَدرِيبٌ دَائِمٌ
يُؤمن سليماني بضرورة التدريب للموسيقي، عازفاً ومؤلفاً وموزّعاً، يحتاج التعلّم باستمرار، وحتى يُمكنه ذلك، لا بدّ من امتلاكه الشغف، يقول أيضاً: «يجب أن يبني الموسيقي قاعدةً قويةً صلبة، لِيصبح مُحترفاً ومُنتجاً للموسيقا، يجب أن يعمل على تطوير مهاراته بلا توقف»، أمّا معايير الشهرة والنجاح والتسويق، فقد اختلفتْ كلياً برأيه مع يوتيوب وفيسبوك وانستغرام: «ربما يمتلك أحدهم موهبة ضعيفة وأداءً متواضعاً، لكنه يُقدم فيديو لمقطوعةٍ ما، يُحقق مشاهداتٍ عالية، هذا يُعطي قيمة له، اليوم أصبح عدد المشاهدات معياراً للنجومية، رغم أن هذا الشخص غير قادر على تقديم أداءٍ حيٍّ على المسرح بمستوى جيد.. في مصر مثلاً، تُحقق موسيقا المهرجانات رواجاً كبيراً عبر ملايين المشاهدات، لكن هذا لا يعني أنها جيدة بالضرورة».
ويُردف أيضاً: «السؤال يتعلق بالمُشاهدين والمُتابعين، مَن هم، وما هي ثقافتهم؟، في المحصلة رقابة الجودة في المُحتوى أصبحت معدومة، ومعيار الرائج لم يعد مناسباً».
في فرنسا
عام 2015 انتقل سليماني إلى فرنسا، وهي خطوةٌ أضافت لهويته وشخصيته ونتاجه، وكان ألبومه الأول (نزوح قسري) مع فرقته التي أسسها هناك، يقول: «رغم أنني أعتبر نفسي مزدوج الثقافة، كونني أتحدث الإنكليزية ومُطّلع على أجزاء من فنونها وآدابها منذ كنت في سورية، لكنني عشت صدمة الاغتراب، واختلافات اللغة والطقس وطبيعة الحياة، فكان الألبوم وسيلتي للتعبير عن (مَنْ أنا وما هي تجربتي!)، ألّفت موسيقاه وأنا في عزلة، بحثتُ عن عازفين في مدينة "تروا" حيث أعيش، لتشكيل الفرقة ثم بدأ موضوع تبادل الخبرات عبر هذا المشروع ومشاريع أخرى أيضاً».
بعد أعوامٍ على إقامته في فرنسا، يرى سليماني أن الفرنسيين منفتحون على الثقافات الأخرى، من بينها السورية، لذلك قدّم لهم في حفلاته ومُشاركاته، مُؤلفاته بالإضافة إلى بعض المقطوعات من تراثنا، منها (رقصة ستّي)، بعد أن أعاد توزيعها، وعدة مقطوعات لأبي خليل القباني (وصلة شامية)، تفاعل معهما الفرنسيون وأحبوهما، هنا يقول: «الأغنيات والفرق الفنية والأصوات تصنع ما لا تستطيعه السياسة والحكومات، الفنان مسؤولٌ عن الكيفية التي يُقدّم بها بلده».
ويتمنى سليماني أن تُثمر دراسةٌ أعدّها، تتضمن مشروع حفلٍ موسيقي لمؤلفات (خماسي إبراهيم سليماني) مع الفرقة السيمفونية الوطنية السورية، وورشة عمل لطلاب المعهد العالي للموسيقا في سورية، تُتيح تبادل الخبرات والمعارف معهم، يقول للمدوّنة: «حالياً أستعد للألبوم الثاني مع فرقتي، ومُنفتحٌ على أي عرضٍ يُقدّم».