ترك «أبو الأناشيد الوطنية» الفنان "إيلي شويري" برحيله فراغاً عميقاً في الساحة الفنية بعد مشوار فني ذاخر بالعطاء والتألق، بدءاً من كلمات أغانيه مروراً باللحن وصولاً للصوت الأصيل الذي تمكن من الحفاظ عليه طيلة حياته وكرسه لمستمعيه بكل تواضع ومحبة ومسؤولية.
أغنية وطنية لائقة!
...«الفنان الراحل "إيلي شويري" من الأشخاص المقربين جداً للحالة الوطنية في سوريا لدرجة أنه يمكننا اعتباره فناناً ساهم بنشر الأغنية الوطنية السورية وإعطائها هوية لائقة»... يقول المايسترو "نزيه اسعد" في حديثه إلى "مدونة الموسيقا" ويضيف بالقول: «واكب الراحل "إيلي" أحداثاً وطنية عديدة في سورية وأعطاها أعمالاً غنائية انتشرت بين شرائح المجتمع السوري بمحبة، نظراً لصدق الكلمة وذكاء اللحن لذلك حفظ الناس أغانيه بعفوية وإيمان، لا نستطيع إلا أن نذكر تأثير أغنية (بكتب اسمك يا بلادي) التي انتشرت في الوطن العربي بعد أن ألفها ولحنها في بداية السبعينيات من القرن الماضي، ولا زالت حتى اليوم تشبه شعاراً وطنياً نستخدمه في حفلاتنا الوطنية وعلاقته بالمطربين كانت من هذا المنحى، أقصد منحى المحبة والعفوية، فعندما لحن أغنية "أنا سوري وأرضي عربية" صدحَ بها المغني السوري "مروان حسام الدين" بمنتهى التبني والإيمان بكلماتها ولحنها حتى أصبح هذا العمل مكرراً في كل مناسبة وطنية سورية وفي كل مرة يظهر بألق مختلف.... وهذا هو السحر الموسيقي، كما إن زياراته المستمرة لسورية كان لها نتائج فنية تركت الأثر الطيب فينا، ونحن بدورنا نحترم هذه القامات ونعتبرها قاموساً هاماً نرجع إليه، وأنا شخصياً صرحت في الإعلام ذات مرة أني أتمنى أن أقود أوركسترا موسيقية مع الفنان "إيلي شويري"».
من عمالقة الجيل الذهبي
بالتأكيد الحديث عن فنان "إيلي شويري" هو حديث عن فنان من فناني الجيل الذهبي للأغنية العربية... يقول الصحفي والناقد الفني "تمام بركات" ويضيف: «بدأ الفنان "إيلي" حياته المهنية بالصدفة البحثة وكان يعتقد بنفسه أنه يحب الفن ولكن لن يصبح يوماً فناناً لديه جماهيريه وهذه هي ميزة الفنان العظيم بالرغم أن موضوع الفن موجود بداخله ومتأصل بوجدانه، ميزة إيلي شويري الحقيقية عندما بدأ مع الرحابنة، فتعرف على فكر ومنطق جديد في الأغنية العربية ضمن خط الرحابنة نفسه، الا أنه اختار فيما بعد منطقاً خاصاً في أغنية تسمى فقط في اسمه "أغنية إيلي شويري" كما غنى جميع أغانيه باللهجة الشامية سواء تلك التي كتبها أو لحنها مثل "صف العسكر" وغيرها من الأغاني الجميلة، ومن صفاته أيضاً أنه شاعرٌ رهيف يذهب نحو كلمات بسيطة ذات مواضيع عظيمة ويعالجها بمنطق فني بسيط، حيث يظن المستمع اليه للوهلة الأولى أنها أغاني بسيطة لكن مضمونها عكس ذلك تماماً مثل "أغنية يا بلح زغلولي" التي بقيت على ألسنة الناس طويلاً وهي من الأغاني الباقية في الوجدان والذاكرة، لذلك إن الراحل "إيلي شويري" فنان عربي كبير وقامة فنية وإنسانية عظيمة تركت إرثاً كبيراً يمثل خلود شخصيته العظيمة... لروحه السلام».
قريبٌ من القلب
...«السهل الممتنع الصوت الهادئ القريب من القلب العذب القادر على أداء أصعب الجمل الموسيقية دون تكلف، وعلى ملامسة القلب الشغوف بالطرب، وهو الملحن الرصين الذي أعطانا الحب والوطن بكفة من ميزان الوجد والالتزام»... بهذه الكلمات تحدث الكاتب السياسي والناقد الفني "يزيد جرجوس" عن الفنان الراحل "إيلي شويري"، ويتابع: «قدم الراحل شويري باقة متنوعة من الأنماط الغنائية والألحان الرومانسية الرقيقة والوجدانية مثل أغنيته "رقصت الحلوين على عودي"، والإنسانية الهادفة التي تبتعد عن النمطية والملل مثل أغنيته "يا ناس حبوا الناس"، وقدم كذلك الأغنية الملتزمة التي تطرح لوناً من النّقد الاجتماعي كما في "زمن الطرشان"، وبرغم أنه ألّف ألحاناً رائعة للراحلة "صباح" وسميرة توفيق وماجدة الرومي التي لحن لها مثلاً "مين إلنا غيرك"... ولكن ربّما يبقى أجمل ما قدّمه الرّاحل هو الأغنية الوطنيّة التي أبدع في صناعة لحنها مُتَسلّحاً بالمعرفة والتعمق في قوانين الموسيقى، حيث يتمكّن اللحن من نقل المستمع إلى المعنى الحماسي والمعنوي دون أن تسمع الكلام حتى، مثل رائعته "بكتب اسمك يا بلادي" و"صف العسكر" حيث شكلت سورية الملهم الأول له في الأغنية الوطنيّة، وما زالت أغنية "انتِ الأساس يا سورية" علامة فارقة في أغنية الانتماء، لقد حافظ الرّاحل على شكل الأغنية الشّرقيّة ذات الطّابع الطربي اللطيف، مُبتعداً عن الإطالة برغم حرصه على وضع المقدمة الموسيقيّة في معظم أغانيه، كما أنّه قدّم نموذجاً من الحضور الرّصين والهادئ، غير المكترث بحمى الشّهرة والنّجومية، وهذا ربما أجمل ما فيه».
إيلي شويري هو مطرب من مواليد بيروت عام 1939 و يُعد من مطربي العصر الذهبي للغناء العربي، في مسيرة نصف قرن من العطاء الفني، عاصرعمالقة الطرب مثل "محمد عبد الوهاب، أم كلثوم ، عبد الحليم حافظ، كارم محمود وفايزة أحمد... وغيرهم من الذين رسموا خريطة الأغنية العربية، إلا أنه غادر عالمنا بتاريخ 3 أيار 2023 عن عُمرٍ ناهز الرابعة والثمانين.