تعتبر "فرقة بيت الفنون للتراث" واحدة من أهم الفرق الحلبية التي تعنى وتهتم بتوثيق المقامات القدود والموشحات غير المتداولة كثيراً بغية التذكير بها وتنشيطها من جديد وإعادة غنائها وتذكير الأجيال الشابة بها عبر حفلات ومناسبات مدروسة من خلال الاستعانة ببعض الخبرات الفنية القديمة التي لديها إطلاع وعلوم موثوقة عن تلك المقامات والقدود والموشحات، ويتم التحضير لمثل هكذا فعاليات مدة طويلة من الوقت حتى تظهر بشكلها الحقيقي ويتحقق الهدف المرجو من إقامتها، ومن بعدها يعاد نشرها لأكثر من مرة وتعريف الجمهور الفني عليها.
"مدونة موسيقا" التقت مدير "فرقة بيت الفنون للتراث" الفنان "محمد حداد" الذي تحدث للمدونة عن أسباب تأسيس فرقته ونشاطه المحلي والعربي والعالمي فقال: «قمنا أنا وأخي "أحمد" بتأسيس فرقتنا "بيت الفنون للتراث" في عام ١٩٩٧ والهدف منها كان الحفاظ على الموروث والتراث الموسيقي القديم من رقص عربي قديم وغناء بمختلف أوجهه الفنية من مقامات وقدود وموشحات قبل نسيانه واندثاره، بالاضافة إلى إدراج رقصتي السماح والمولوية، واقتبسنا فكرة التأسيس من فرقة أمية الدمشقية التي كان يشارك فيها المنشد الراحل "حمزة شكور"، وغيره من فنانين ومنشدين آخرين، وأردت أن يكون لنا مثيل لها في مدينة "حلب" مستفيداً أيضاً من تدريسي وخبرتي بالرقصتين (السماح والمولوية) وبدروس عملية على أنغام الإيقاعات، وبالتعاون مع مدير معهد حلب للموسيقا الفنان الراحل "ماجد العمري"».
ويضيف حداد: «شكلنا فرقة قوامها ٤٥ عنصراً ما بين راقصين وكورال ومطربين وعازفين، عهدنا بالإشراف عليها موسيقياً للفنانين غسان عموري وعبد الحليم حريري وكانت أول مشاركة كانت لنا في نفس عام التأسيس، قمنا بتدريب عناصرنا لفترة طويلة،
وفي عام ٢٠٠٨ شاركنا في فعاليات الأسبوع الثقافي في "المغرب" وعدة بلدان عربية وآسيوية، منها "مصر" و"الهند" و"إسبانيا" ودول الخليج، وكان للفرقة مشاركات محلية في المحافظات السورية، لكن بسبب الأزمة المنصرمة توقفنا منذ عام ٢٠١١ وكان آخر حفل لنا في "لبنان" لصالح جمعية المعوقين تحت إشراف "رنده بري" وعدنا لتفعيل وتنشيط فعاليتنا في عام ٢٠١٤».
برنامجُ الحفلات
يتابع الفنان "محمد حداد" فيقول: «تبدأ حفلاتنا بالسماعيات الموسيقية الثقيلة وبعدها بغناء الموشحات، ومثلاً في حفلنا الأخير الذي أقيم بدار الكتب الوطنية بحلب بدأنا بأداء جماعي مشترك من أربعة مطربين للمقام الذي يكون صلب مادتنا وكان مقام البستنكار والبداية كانت بسماعي للشيخ "علي الدرويش"، وبعدها "موشح أنشدي يا صبا" للفنان "يحيى السعودي" وموشح أقبل الصبح للشيخ بكري الكردي، ومثل هذا المقام الذي هو فرع من مقام الصبا والسيكاه لم يكن ليغنى من قبل كثيراً، يليه أداء المقام تفريدات لكل مطرب حسب اللون الذي يجيده ولمدة عشر دقائق أو أكثر، ونقفل حفلتنا بالطرب الحلبي والإنشاد الصوفي على رقصة المولوية، ويتم التحضير لمثل هكذا حفلات وقتاً ليس بالقصير ضمن بروفات عديدة وبعناية فائقة حتى تلبي الهدف الذي أقيمت لأجله، وقبل مدة اشتغلنا بنفس الطريقة على مقام الزنجران ولاقى حفلنا نشاطنا تفاعلاً وحضوراً جماهيراً كبيراً، وللعلم كافة أنشطتنا الفنية تكون تحت إشراف وزارة الثقافة التي تحرص على دعمنا ومواكبة أعمالنا، وفي رقصة السماح للبنات نستعين بالمدرب "حكمت صانجيان".
ومن أهم المطربين الذين يشاركون برنامج حفلاتنا هم "أحمد بدور ومحمد علي هباش ومحمد حمامي ورامز سلطان وعبود حلاق وحسام لبناني وعابد حيلاني وأسامة ناصر وعبود شعبان وعلي السبع.. وغيرهم.
البستنكار مقام حزين
في الحفل الأخير تم غناء موشح (أنشدي يا صبا -أقبل الصبح- وليت من طير نومي) وغيرهم لمدة عشر دقائق وهو من ألحان "يحيى السعودي" و"بكري الكردي" وموشح (يا من جفا وما رحم) من كلمات وألحان قديمة ، (وأقبلَ الساقي) وهو موشح قديم ويغنى لأول مرة على المسرح مع الموسيقا..كل تلك المقامات كانت بالاستعانة مع الباحثين الموسيقيين "عمر صابوني" و"غسان عموري"، وغنى هذه الوصلة سابقاً المنشد الراحل "حسن حفار" وغيره من المنشدين القدماء.
طقوسٌ عربية
ويضيف الفنان "أحمد حداد": «تمتاز فرقتنا بارتداء لباس الزي القديم المؤلف من كلابية مخرجة وطربوش أحمر خمري، والمطربين أيضا نفس اللباس ويضعون حزام مطرز على خصورهم، ويشارك الفرقة فقرة الرقص العربي بلباسهم الحلبي المؤلف من شروال وصدرية وسمنية وملتان وحمل السيف والترس والعصا باليد والمعروفة بالنبود، حيث تحتاج الفرقة لتمارين صعبة ومجهدة لتنفيذ استعراضاتها ورقصاتها على أنغام الطبل والموسيقا».
شهاداتٌ فنية
المشرف الموسيقي عبد الحليم حريري قال لـ"مدونة الموسيقا": «نشكر فرقة بيت الفنون للتراث على الجهود التي يقومون بها بالحفاظ على التراث الفني الأصيل من قدود ومقامات وموشحات ونبش مقامات وموشحات مهملة وإعادة إحيائها وغنائها ضمن أنشطة وحفلات متواصلة، وللإنصاف عملهم متعب ومرهق ويمتد حتى ساعات طويلة ويحتاج لجهد بدني وفكري وفني متواصل، ولي الشرف العمل معهم والإشراف الموسيقي حتى تخرج الأمور بأفضل ما يمكن».
عازف القانون صبحي حبابا قال: «ما تقوم به الفرقة من عمل توثيقي فني منظم محل تقدير واحترام الجميع. لي السعادة بمشاركتهم بعدة حفلات محلية وخارجية لاقت استحسان وتصفيق وإعجاب الحاضرين. الفرقة بحاجة للدعم والمساندة من الجميع حتى تبقى تتابع عملها المميز، ولا ننسى جهدها في الحفاظ على رقصتي السماح والمولوية وفرقة الرقص العربي».