سنواته الأولى رسمت ملامح طريقه الفنّي في الموسيقا والتمثيل، وكوّن مخزوناً بصرياً وسمعياً منذ طفولته من خلال قيثارة معلقة على الجدار وعزف عود في اللمّات العائلية تلك البيئة الغنية وتأثره بها، ترجمها الموسيقي "ثائر جبور" بأعمال مسرحية وتلفزيونية، وموسيقية بتأسيس معهد "مينور" الموسيقي ونشر رسالته الفنّيّة.
منبتٌ فنّيّ
في حديثه لـ "مدوّنة الموسيقا" قال الموسيقي "ثائر جبور": «تأثرت منذ طفولتي بأخي الراحل "نبيل جبور" الذي كان مدرّساً جامعياً، وكان عازفاً ومدرّساً للموسيقا على أكثر من آلة، وممثلاً ومخرجاً ومؤلفاً مسرحياً، تفتّحتْ عيناي على كل ذلك الفنّ والإبداع الذي كانت تضمّهُ غرفةٌ صغيرةٌ في منزلنا تحوي كل الآلات الموسيقية "الأكورديون"، "الغيتار"، "الكمان"، "العود"، وآلة إيقاع وغيرهم، والجلسات العائلية المفعمة بالعزف والغناء، حيث كانت بيئتي الموسيقية كفيلة أن تجعلني شغوفاً بالموسيقا وبشكل خاص آلة "الغيتار"».
الغيتار حكاية ورسالة
على الرغم من تنوّع الآلات الموسيقية كان للغيتار لدى "جبور" حكاية مضى عليها أكثر من أربعة عقود، يقول: «لفت انتباهي "الغيتار" المعلّق على جدار تلك الغرفة، حيث كان هناك الغيتار الكهربائي والآخر الخشبي، حاولت التعلّم على يد أخي وكانت هناك خصوصية للتعلم عنده وحبّ العزف، وسجلت دورة في المركز الموسيقي آنذاك، كان أستاذي الأول الموسيقي "محمد أبو عقل" نهلْتُ من خبراته الموسيقية، وتتلمذت عنده على آلة "الغيتار"، كان عمري تسع سنوات حينئذٍ، وبعد رحيل أخي حاولت متابعة رسالته في الفنّ، أخذت أتقدم وأتطور في الموسيقا، وازدادت أنشطتي وحفلاتي الموسيقية مع الشبيبة في المدرسة».
أصغر العازفين
«انتسبت لنادي "المسيرة" الثقافي وشاركت بندوات أدبية وموسيقية منوّعة، وشكّلتُ فرقةً موسيقيةً خاصة، كان عمري سبع عشرة سنة وكنت أصغر عازف في الفرقة ويرافقني عازفون مخضرمون، شكّلتْ نقلة نوعية في ذلك الوقت، كنا نحيي أمسيات وحفلات موسيقية خاصة، ثم قام بدعوتي الأستاذ "محمود القيم" مؤسس فرقة "راميتا" كعازف في الفرقة، بالإضافة لتأدية فقرات تمثيلية ضمن الحفلات والمشاركات المتعددة مع الفرقة بالمركز الثقافي في "اللاذقية"».
على أوتار الفنّ
موهبته الفنّيّة التي استقاها من بيئته ومتابعته الدائمة في تطوير نفسه جعلته يمتلك مقومات الممثل الجيد الناجح، يتحدث قائلاً: «تكوّنت لدي خبرة تراكمية من خلال مشاركاتي وأنشطتي الكثيرة، كما شكّل حضور البروفات والعروض لأربعة عشر عملاً مسرحياً لأخي مخزوناً غنياً في مجال التمثيل، فانتقلت من العزف إلى المسرح، وشاركت بعملين مسرحيين من بطولتي "الجدران القرمزية" عام ١٩٩٤ إخراج "عبدالله شيخ خميس" وأخذت جائزة أفضل ممثل، ومسرحية "إدارة عموم الزير" إخراج "محمود القيم" عام ١٩٩٩، بعد ذلك انتقلت للعمل التلفزيوني وكان أول عمل "جذور لا تموت" مع المخرج "مأمون البني"، ثم شاركت بثلاثة أعمال "العوسج"، "الموت القادم إلى الشرق"، و"رمح النار" مع المخرج "نجدت أنزور"، كما شاركت مع المخرج "محمد عزيزية" بمسلسل "البحر أيوب"، وتوقفت بعد ذلك مدة طويلة عن الفنّ».
"مينور" للموسيقا
سنوات طويلة فصلت الموسيقي "ثائر جبور" عن عالم الموسيقا والتمثيل اتجه فيها إلى عالم الأعمال والمشاريع، ولكن توقه للموسيقا أعاده لتأسيس مشروعه الفنيّ في مجتمع يعاني آثار الحرب السلبية فيقول: «لم يكن في عالم الأعمال ما يشبهني، فقررت العودة إلى الموسيقا عام 2013، وأسست معهد "مينور" الموسيقي في قريتي "بسنادا" رغم الظروف الصعبة مع بدايات الحرب على وطننا "سورية"، وكانت رسالة ومسؤولية جديدة لتقديم مشروع يعود بالفائدة على الجيل القادم وخاصة أن سنوات الحرب كانت ثقيلة وصعبة ومشهد الأطفال في الشوارع يثير الخوف، كما يثير رغبة ما بخلق شيء يرتقي من خلاله المجتمع بالأطفال الذين ابتعدوا عن طريق الطفولة ومعانيها وأصبحوا ينتمون للظواهر السلبية البشعة المنتشرة في المجتمع، فقررت وضع بصمة حضارية والأمل بتغيير الواقع، وتعزيز فكرة تعلّم الموسيقا بين الأطفال والشباب، كما تعلّمته وأحبته ابنتي الشابة "ليلاس"».
ولادة من ذكرى
كان لذكرياته دور في غرس العطاء في المكان الذي أنجبه، وهنا يتحدث قائلاً: «كان هدفي أن أقيم المعهد في المكان الذي ولدت به عام 1973، الحيّ الذي قدم لي أشياء كثيرة وطبع في ذاكرتي الصورة الجميلة لتلك البيئة بكل مكوناتها العلمية والثقافية والحضارية والتاريخية، فكان معهد "مينور" الذي يتكئ على حائط العين الأثرية في قريتي "بسنادا"، بدأنا بعدد بسيط من الطلاب ثم مع الوقت أصبح الأمر يتطور لتخريج دفعات عدة من الطلاب، ووصلنا إلى مرحلة متميزة في هذا المجال وتم تأسيس فرقة من الطلاب المتقدمين خاصة بالمعهد، أنجزنا حفلات عدة فكان الحفل الأول عام 2016 والحفل الثاني عام 2019 والثالث عام 2020 في دار "الأسد" للثقافة ونجحنا نجاحاً لافتاً حينئذٍ، وفي عام 2023 أنجزنا حفلاً موسيقياً في ثقافي "بيت ياشوط"، كما شاركنا في ملتقى "القنديل" الثقافي بفقرات موسيقية قام بها طلاب المعهد».
رأي
المؤرخ الباحث الدكتور "بسام جاموس" تحدث عنه قائلاً: «"ثائر جبور" فنان منذ الطفولة فقد بدأ عازفاً ثم ممثلاً، وتتوّجت مسيرته الفنية بافتتاح معهد "مينور" الموسيقي وله الفضل في تدريب وتخريج دفعات من الفنانين العازفين الذين يشاركون في النشاطات الثقافية، وهو ينتمي لعائلة أحبّت الفنّ وأبدعت به ويعمل مع ابنته "ليلاس" الجوهرة الموسيقية على إنجاح هذا المشروع».