أحبَّ عالم الفن والعزف والغناء في فترة مبكرة من عمره، وما تأثر بفقد البصر، بل زاد إصراره ليكون اسماً مهماً في منطقته في العزف والغناء، وكان له ما يريد، حتّى أنه من الأسماء الفنية التي تحافظ على التراث والفلكلوري الكردي.
الفنان الشاب "بريندار ابراهيم" ابن ريف بلدة "الجواديّة" في محافظة "الحسكة"، تصدّى للانضمام حباً وقناعة إلى ميدان الفن والفنانين، غير متأثر بفقدان لبصره، مؤكداً بأن البصيرة وحاسمة السمع أساس النجاح في عالمه الفني.
"بريندار" يقدّم رسالة فنيّة اجتماعية مميزة في مجتمعه، يقول عنها: «وُلدت في هذه الحياة، فاقداً لنور عيني، هي مشيئة الله وقدره، تأقلمت مع هدية القدر، وبات اعتمادي بنسبة كبيرة في هذا العالم على حاسة السمع، تلك الحاسة منحتني شغفاً كبيراً لأن فناناً، فقد كنتُ صغيراً عندما استمعت لأصوات فنيّة كردية لها وزنها وتاريخها أمثال: "سعيد يوسف، محمد شيخو، سعيد كاباري"، في ذلك الوقت، تحديداً عمري 10 سنوات، بالتزامن مع السمع والاستماع لتلك الأصوات، صنعتُ بيدي طمنبوراً من التنك والحديد، حاولتُ عبرها العزف والغناء ضمن إمكاناتي الأوليّة، لا يمكنني الذهاب لمدرسي الموسيقا، كوني ابناً للريف، وأعاني من فقدان نور البصر، بعد فترة انطلقتُ للخطوة الأخرى، استعين بطمنبور الفنانين أو الأصدقاء، أذهب إليهم، أحضر حفلاتهم، أقطع المسافات في سبيل ذلك، لم يكن يمر يوم إلا ويدي تعانق الطمنبور عزفاً وغناء، وأنا يافع، مع ذلك وجدتُ التشجيع والتحفيز، بالمضي قدماً في طريق الفن"».
وبعد خمس سنوات من المشقة والتعب، والعزف على التنك وآلات الفنانين والأصدقاء، قرر شراء آلة موسيقيّة خاصة به، يضيف على كلامه: «وصل عمري لـ15 سنة، واشتريتُ طمنبوراً، يمكنني القول بأنني أصغر فنان حينها في منطقتي، حتّى أنني توجهتُ مباشرة لإحياء الحفلات والمناسبات الفنية، في مخلف القرى والبلدات والمناطق التي تجاورنا، بالإضافة لإحيائها في مناطق عامودا والقامشلي، جلّ اهتمامي وتركيزي في الحفلات التراث والفلكلور الكردي، وهو ما يشجع لنسبة كبيرة من أهالي المنطقة، دعوتي لإحياء حفلات خاصة للهدف ذاته، غناء التراث، ووصل الأمر بأن أحيي جلسات فنية صغيرة للمغتربين القادمون لمنطقتنا، هذا ما يشجعني للاستمرار والبقاء مع آلتي متحدياً الظروف والصعوبات الجمّة، ولم أسمح للحالة المادية الصعبة أن تكون عائقاً أمام تمسكي بنقل التراث للأجيال، ولم تكن قادرة تلك الظروف الصعبة لتهجر آلتي من يديّ، فهي تلازمني وترافقني على مدار اللحظة».
لم يكتف بالتعلم على آلة الطمنبور بشكل ذاتي، بل تجاوز ذلك، وكان محط احترام وتقدير الكثيرين نتيجة إصراره لتعلم العزف على آلات موسيقيّة أخرى.
لَا لِلغُربَةِ!
الأربعيني "بريندار ابراهيم" يتشبث في منزله الطيني وقريته الجميلة، رافضاً التغرب والاغتراب، فهو يؤدي رسالة عظيمة حسب قوله، ويضيف: «لا يمكنني ترك ما تعبت لأجله، وفناء السنوات الماضية في سبيل رسالة الفن، الكثير والكثير يحتاجني هنا، ليسمع تراثه وفلكلوره، علماً أنني أعزف على آلتي البغلمة والبزق أيضاً، ولديّ كاسيت عدد 2 من أغاني فناني الماضي والتراث، ومن الأسباب التي لم تساعدني على تسجيل أغاني خاصة بيّ هي الحالة المادية».
رَأيٌ
«أجده شاباً رائعاً، متفانياً ونموذجاً للعطاء، يؤدي واجباً فنياً قل نظيره، بالإضافة إلى صوته العذب وعزفه الراقي، فلم يتأثر بإعاقته، وكان شخصاً نافعاً في المجتمع، هذا ما قاله الفنان "جمعة باجو" عن الفنان "بريندار"».. وأضاف: «يملك قدرة فنية كبيرة، من خلال تقليد بعض الأصوات الفنية الكبيرة، هذه ميزة طيّبة وتستحق لفت النظر، وتمكن من فرض نفسه واسمه بين فناني المنطقة، حرص على أن يختص لحفظ أغاني الماضي، كان جديراً بهذه الأمانة، تجده في الساحات العامة والملاعب عازفاً ومغنياً إذا طُلب منه».