أحد أبرز الموسيقيين السوريين، عازف قانون وقائد فرقة موسيقية نشأ في بيت يعشق الموسيقا، اجتهد في تعلمها بشكل أكاديمي، ترك بصمته الخاصة في عالم الفن، بذل جهده مع عمالقة الفن السوري لتأسيس الأغنية السورية الأصيلة، أعطى الموسيقا من روحه ولوّنَ مسارح دمشق والوطن العربي بأجمل الألحان.

مَحَطَّاتٌ مُوسِيقِيَّةٌ

"مدونة الموسيقا" تواصلت مع الشاعر الغنائي "عبد الرحمن الحلبي" الذي يحدثنا عن مسيرة الموسيقار الراحل بقوله: «ولد الموسيقار "أمين الخياط " في "دمشق" ٢١/٨/١٩٣٦ كان يصحبه والده معه منذ طفولته إلى الإذاعة في شارع النصر الذي كان موظفاً فيها وهاوي موسيقا، وحينها كان المايسترو "الخياط" يشاهد في استديو الموسيقا في الإذاعة كيف تنفذ الأغاني وكيف يتم تسجيلها، ومنذ ذلك الوقت بدأت موهبته الموسيقية تتشكّل، إلى أن بدأ يختص بها في عام ١٩٥٠ عندما دخل معهد الموسيقي الشرقي في "دمشق" وتتلمذ على يد أساتذة كبار أمثال: عمر البطش- سعيد فرحات- يحيى السعودي- وحسن دركزلي- يوسف بتروني وسواهم، واختص في ذلك الوقت على آلة القانون على يد العازف الموسيقي "محمد العقاد" وبعد أن تخرج من المعهد عام 1954 بتفوق انتقل إلى إذاعة "حلب" وعين عازفاً فيها إلى أن أصبح رئيساً لفرقتها الموسيقية بعد أن خضع لفحص من الموسيقي الراحل "عزيز غنام" الذي شهد له بكفاءته».

«وبعد مسيرة طويلة -يكملُ الحلبي الحكاية- أسّس "الخياط" فرقة الفجر الموسيقية في الإذاعة والتلفزيون التي عزفت مع كبار المطربين العرب والسوريين مثل "صباح فخري"، "وديع الصافي"، "صباح"، كما قدم أجمل المعزوفات مع كبار الموسيقيين مثل "عمر النقشبندي"، "ياسين العاشق" و"بدر الدين حلبية" وغيرهم، ولن ننسى أنه عزف على آلة القانون أمام كوكب الشرق السيدة "أم كلثوم" في منزل الرجل الوطني المرحوم "فخري البارودي" عندما استضافها يومها، وفي فترة زمنية تجاوزت الأربعة عشر عاماً كان رئيساً لفرقة مطربة الجيل "ميادة حناوي" رافقها في جميع حفلاتها، كما استلم منصب نقيب الفنانين لثلاث دورات بين أعوام 1971 و1977 وترك أثراً طيباً عند الجميع لم يزل يردد إلى يومنا هذا».

1-الموسيقار الراحل أمين الخياط

أَغَانٍ مُتَنَوِّعَةٌ

2- صورة أرشيفية للراحل في شبابه

وبحسب الشاعر الغنائي "الحلبي" فإن المايسترو "الخياط" قدم أجمل الألحان منها أغنية "تعيشي يا بلدي" للمطرب الراحل "فهد بلان" ولحن المونولوج يذكر منه "إشارة المرور" للفنان الراحل "سليم حانا".

ويتابع "الحلبي" عن علاقته به قائلاً: «عرفت المايسترو "الخياط" منذ زمن طويل ولحن من كلماتي عشرات الأغاني منها الأغنية الوطنية والابتهال والأهزوجة لكبار المطربين السوريين، كنا نجتمع في دائرة الموسيقا في إذاعة دمشق من خلال لجنة الاستماع فكان -رحمه الله- حريصاً أشد الحرص على هيكلية الأغنية لحناً وغناءً، وفي زيارتي الأخيرة له أثناء مرضه في المشفى ورغم المرض والوجع الذي ألم به كان حديثه عن الأغنية الملتزمة شكلاً ومضموناً ويومها قال لي: "كم أتمنى أن تتطور أغنيتنا السورية ضمن أصالتها بتوزيعها الموسيقي المتطور"، وعاصر المايسترو "الخياط" الزمن الجميل لكنه واكب هذا الزمن المعاصر بكل مفرداته المهنية سواءً على صعيد الفن أو الحياة بشكل عام».

3- الشاعر الغنائي عبد الرحمن الحلبي مع الراحل أمين الخياط
4- المايسترو الراحل أمين الخياط مع العظيمة ميادة الحناوي

فِي الوِجدَانِ

5- الراحل الخياط في مهرجان أهل البحر

الباحث والكاتب د."غسان الكلاس" يقول في تصريح خاص لـ"مدونة الموسيقا": «نحن مواليد الخمسينيات تعرفنا إلى المايسترو "أمين الخياط" عبر شاشة الأسود والأبيض في ستينيات القرن الماضي عندما كان التلفزيون العربي السوري فترة الوحدة المصرية- السورية يبث برامجه بإدارة الدكتور "صلاح قباني" وكان "أمين خياط" من الأوائل الذين ظهروا على الشاشة يتقدم الفرقة الموسيقية التي برع في قيادتها على آلة القانون ويقودها ببراعة وتميز إلى جانب تأليف الألحان وقبل أن أتعرف إليه شخصياً وجدت فيه إنساناً طموحاً ويغترف من مناهل العلم والثقافة والموسيقا ويجوب الأقطار كمصر ولبنان للقاء كبار الفنانين هو تعلم وتدرب على تلك الآلة أكاديمياً وطور نفسه مع الأيام حتى آخر لحظة بحياته كان دوماً يطور ذاته ويضيف إليها دوماً ويطلع على جديد عالم الموسيقا والألحان وهذا أمر مهم لكل حرفة إبداعية، كنا ننظر إلى الشاشة في أيام الشتاء ونستمع إلى أغاني نجاة الصغيرة ووردة وكان أمين الخياط يقود الفرقة الموسيقية ورسخ في ذاكرة الجيل».

ويتابع د. "الكلاس" بقوله: «تشرفت في ثمانينيات القرن الماضي بالتعرف إلى المايسترو "الخياط" شخصياً من خلال صديق مشترك رحمهما الله الفنان عازف الكمان "رياض جارور" الذي عرفني إليه وحضرنا الكثير من إبداعاته ونشاطاته ولقاءات خاصة في بيوت بعض الأصدقاء ولكن المرحلة الأهم بالنسبة لي مع الراحل تلك التي كنت خلالها رئيس تحرير مجلة "فنون" وهي مجلة الإذاعة والتلفزيون التي كانت تسمى "هنا دمشق" والتي أعيد تسميتها "هنا دمشق" وبينهما سميت مجلة "فنون" وكانت المجلة الفنية الوحيدة التي كانت تصدر عن وزارة الإعلام الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون وعندما كنت رئيس تحريرها تعاونت مع المايسترو الراحل "أمين الخياط" في كثير من الجوانب والموضوعات التي كانت تطرح في المجلة تمهيداً لرفع الذائقة والإشارة إلى مواطن الإبداع والجمال في الموسيقا العربية وترأس "أمين خياط" في مرحلة من المراحل مهرجان الأغنية السورية الذي كان ينطلق في "حلب" وتشرفت بحضوره وكانت لقاءات حافلة مع فنانين سوريين كبار رسخت مفهوم الأغنية السورية بطبيعتها وجماليتها ولهجتها وانتشرت عبر جهود الموسيقيين الرواد أمثال "أمين الخياط" واستمرت اللقاءات في مبنى الإذاعة والتلفزيون خلال إعدادي لبعض البرامج ووجوده لبعض التسجيلات».

ويذكر د. "الكلاس" أن الراحل وضع بصمته على الموسيقا العلمية التي تتكأ عن أسس وجذور عربية أصيلة كالمقامات وحول ذلك يقول "الكلاس": «تجسد ذلك من خلال برنامج يبث على قناة "نور الشام" ويديره الراحل "علاء الدين الأيوبي" وكان يستضيف "أمين الخياط" بشكل دائم ويرافقه كثير من المبدعين الذين نفخر بهم، الراحل قامة موسيقية إبداعية سورية نعتز ونفاخر بها وهو شخصية عصامية استطاع أن يبني ذاته ويبني ببناء الفن والإبداع الحقيقي الذي يترفع عن الأمور السطحية كان عميقاً في نقاشاته ومواقفه وعلاقاته وفي الوقت نفسه لين العريكة له أخلاق حميدة وعشرة لا تنسى».

عَلَمٌ مُوسِيقِيٌّ

الموسيقي وعازف الإيقاع "محمد شحادة" الذي التقاه في حفل تكريم يقول: «التقيته في حفل أقيم لتكريمه هو والموسيقار الراحل "عدنان أبو الشامات" في المركز الثقافي بمصياف أحيته "فرقة مصياف لإحياء التراث" بقيادة الدكتور الراحل "أحمد شحادة" حيث عزفت الفرقة قوالب الموسيقا العربية التي ألفها الراحلون "أبو الشامات"، و"خياط" و"محمد محسن" وتم تكريم الراحل ذلك اليوم وأثنى على عزف الفرقة وأدائها، الراحل "أمين الخياط" هو علم من أعلام الموسيقا السورية تتلمذ على يد والده الموسيقي والعازف "عبد العزيز الخياط" وتأسس في بيت فيه موسيقا فأصدقاء والده "نجيب سراج"، و"رفيق شكري"، و"ماري جبران" وهو من مؤسسي الموسيقا في "سورية" وبوفاته انتهت مرحلة الزمن الجميل أي مع غياب هؤلاء الكبار مثل "عدنان أبو الشامات" و"أمين خياط"، "سهيل عرفة" وغيرهم من الموسيقيين الكبار توقف العصر الذهبي للموسيقا العربية السورية وبدأت مرحلة أخرى مع موسيقيين آخرين يتابعون المسيرة».

الكابتن "مازن كوسا" منظم مهرجان "أهل البحر" وهو صديق مقرب من المايسترو الراحل يحدثنا عن الجانب الإنساني في شخصية الراحل بقوله: «الموسيقار أمين الخياط كان بمثابة أخ وأب وصديق أيام طويلة وعشرة عمر تصل لمدة 25 عاماً الراحل إنساناً كريماً طيباً يمد يد العون لكل من طلب منه، كان الرئيس الفخري لمهرجان "أهل البحر" لمدة عشرين عاماً لم يغب عنه سوى مرة واحدة سافر بها إلى مصر فقمنا بتأجيل الاحتفالية كان رحمه الله متعاون جداً نحن فخورين به جداً وتم تكريمه عدة مرات».

نشير إلى أن الراحل ألف الكثير من الألحان والمقطوعات الموسيقية والأغاني الوطنية غنتها أبرز الأصوات العربية مثل "وردة الجزائرية" "صباح فخري"، سميرة توفيق"، "شادي جميل"، "فهد بلان" شارك في عدة مهرجانات مثل مهرجان عمان للأغنية ومهرجان الأغنية العربية في أبو ظبي، وتولى رئاسة دائرة الموسيقا في إذاعة "دمشق" ثم مستشاراً لشؤون الموسيقا في الهيئة، كما وضع موسيقا مجموعة من المسرحيات للمسرح القومي في منتصف الستينيات، توفي بتاريخ 3 أيلول 2023 ودفن في "دمشق".