تعيد مدونة الموسيقا، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقية السورية، ولملمة المبعثر والمتناثر منها، إحياء ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعمة بفيديوهات صورها فريق عمل المدونة آنذاك، ولم تنشر لأسباب فنية.

فتح عينيه على الدنيا ليجد أمامه وكإحدى مسلمات البيئة التي يعيش فيها آلة تسمى البزق، عشق هذه الآلة وتعلق بها قبل أن يدرك وجود آلات أخرى في عالم الموسيقا، أدمن تقاسيم تلك الآلة محاولاً تعلم العزف عليها مدفوعاً بشغف كبير لكشف أسرارها.

ولد "آري سرحان" في "الحسكة" 27/4/1986، في أسرة تهوى الموسيقا وتعشقها كجزء من تفاصيل حياتها اليومية، وله حكايته مع آلة البزق يقول: «بذلت جهداً شخصياً في تعلم العزف على الآلة مستفيداً من مراقبة ضيوف والدي ممن يعزفون عليها، ولكن المشكلة الحقيقية التي واجهتني هي أن كل من حولي كانوا يعزفون سماعياً، فلم أتعلم العزف بطريقة صحيحة أو شبه أكاديمية مضبوطة بقواعد وأسس، واستمرت محاولاتي الإفرادية في التعلم حتى وصولي للصف التاسع».

في ملتقى البزق بدار الأوبرا

بذلنا الجهد في هذا المجال من خلال الحفلات والأعمال التي شاركنا بها حتى أصبحت الآلة معروفة وقريبة من الناس، ودخلت إلى التخت الشرقي وهذا إنجاز يصب في مصلحتها، كما أن وجود عازفي بزق خريجين من المعهد شجع المؤلفين والموسيقيين على الاستعانة بهم في حفلاتهم وأعمالهم

كان قرار والده بانضمامه إلى دورة موسيقية لتعلم العزف مفرحاً للوهلة الأولى، ولكن الشرط الذي يسمح له بالانتساب إلى الدورة هو اختيار آلة غير البزق، فدافع عن آلته هذه وقاطع الدورة مراقباً إخوته يتعلمون العزف على آلاتهم لمدة شهرين وهو يرفض التنازل عن بزقه ويضيف: «بعد شهرين رضخ أبي لرغبتي في تعلم العزف على آلة البزق حصراً، وانتسبت إلى الدورة التي تركتها بعد شهر واحد فقط، وكنت يومياً أكتشف معرفتي وعشقي لهذه الآلة، لم أستطع التعلم من أستاذي بشكل يرضيني، بل كنت أكمل سماعياً نصف الأغنية التي يطلب مني التدرب عليها بشكل أكاديمي».

مع الإيقاع

وهنا بدأت رحلة التحدي حيث تابع التعلم الذاتي وبشكل وحشي على حد تعبيره، فكان يعزف يومياً لمدة 7 إلى 8 ساعات.

وأخيراً وجد ضالته عندما أطلعه أستاذ أخته على وجود المعهد العالي للموسيقا الذي لم يسمع عنه سابقاً: «أعجبني الموضوع ودهشت بوجود دراسة خاصة للبزق في هذا المكان، ولاسيما أني كنت أعزف تقاسيم وأغني بطريقة نظرية في فترة ما قبل المعهد، لذلك دخولي إلى العالم الأكاديمي ساعدني في فهم الموسيقا وتاريخها، كما أني عشت فيه مراحل قفز في آلية التفكير نتيجة الأجواء الصحية للتعلم، وتأمين فرص لقاء أشخاص ذوي خبرة في هذا المجال».

أوضح لنا "آري" الذي يدرس البزق تحت إشراف الخبير الأذربيجاني "عسكر علي أكبر" الصعوبات والمشاكل التي تتطلب حلولاً ذاتية لمعالجتها حيث قال: «في كثير من الأحيان نعتمد على البحث الشخصي فلا نجد دائماً الإجابة عن كل أسئلتنا في المعهد، وهذا يحملنا مسؤولية كبيرة، أعي تماماً أن الإبداع مسألة شخصية وتحتاج إلى جهد شخصي ولكن لابد من توافر شروط وقواعد أساسية ليبنى عليها الإبداع، ولا ننكر أن المعهد هو من أفضل أكاديميات تدريس الموسيقا على مستوى الوطن العربي ولكن هناك تجارب في اليونان وتركيا لابد من الاستفادة منها».

يطمح "آري" إلى نشر آلة البزق وخاصة أنها برأيه لم تأخذ حقها الطبيعي بعد، وجعلها أقرب للناس، كما يرى في دخولها إلى التخت الشرقي خطوة مهمة، وإقامة ملتقى خاص بها يؤكد الاهتمام بها: يتابع حديثه «بذلنا الجهد في هذا المجال من خلال الحفلات والأعمال التي شاركنا بها حتى أصبحت الآلة معروفة وقريبة من الناس، ودخلت إلى التخت الشرقي وهذا إنجاز يصب في مصلحتها، كما أن وجود عازفي بزق خريجين من المعهد شجع المؤلفين والموسيقيين على الاستعانة بهم في حفلاتهم وأعمالهم».

شارك "آري" في عدد كبير من ورشات العمل مع عازفين أمثال التركي "عدنان كوتش" والسوري "أيمن الجسري" وكان له حضور في كثير من الحفلات أهمها افتتاح الهيئة العامة لـدار الأسد للثقافة والفنون، وافتتاح المنتدى الدولي لسيدات الأعمال 2005 والعديد من الحفلات ضمن فعاليات احتفالية "دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008" و"مهرجان الجاز 2010".

كما كان له حضوره المميز في ملتقى البزق الأول الذي أقامته الهيئة العامة لدار الأسد للثقافة والفنون 2010، حيث قدم أربع مقطوعات حدثنا عنها: «المقطوعة الأولى تركية ومدتها 4 دقائق عزفت خلالها على الباغلما رقصة من مقام بيات الحسيني، أما المقطوعة الثانية فهي أذربيجانية ومدتها أيضاً 4 دقائق كانت باسم ليالي موزعة بين البزق والبيانو، والثالثة عبارة عن تقاسيم على البزق لمدة 4 دقائق، في حيت استمرت الرابعة لمدة 3 دقائق وكان اسمها "رقصة الشيطان" موزعة على آلتي البزق والعود وقد استغرقت هذه المقطوعة جهداً كبيراً لإيجاد التوليفة الصحيحة بين العود والبزق».

"آري سرحان" مؤسس وعازف في "فرقة حلم" للموسيقا الشرقية كما أنه عضو في أكثر من فرقة سورية شابة منها "فرقة نهوند"، "فرقة ألوان"، و"فرقة قوس قزح".