تعيد مدونة الموسيقا، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقية السورية، ولملمة المبعثر والمتناثر منها، إحياء ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعمة بفيديوهات صورها فريق عمل المدونة آنذاك، ولم تنشر لأسباب فنية.
حاول تركها فلم يستطع، لأنها عشقه منذ الطفولة، هي الموسيقا التي يحيا بها "برهان الصباغ" أحد أبرز مدرسي أصول العزف والغناء "بحمص".
يشدو "برهان الصباغ" بصوته "شبه السوبرانو" المضمخ بالرهافة والطلاوة والنداوة، وهو يجول بين مختلف الطبقات والنغمات أستاذاً، دون أن يشعرنا بإجهاد أو نزق أو ملل.
** ولدت عام 1941 لأسرة محافظة في مدينة "حمص"، وفي الستينيات من القرن الماضي كنت أمارس رياضة الملاكمة في نادي الإعداد الرياضي في مدينة "حمص" وكان نادي "الخيام الفني الموسيقي" مجاوراً للنادي الرياضي وكنت دائماً أستمع إلى المعزوفات الموسيقية والأغنيات التي تؤدى في هذا النادي، وأردد بعضها أمام أصدقائي الذين لم يتوانوا عن تشجيعي على الغناء، وفي آخر مباراة لي في لعبة الملاكمة على بطولة الجمهورية في مدينة "اللاذقية" كنت بعمر ثلاث وعشرين سنة وخسرت في اللقاء، فقررت ترك الرياضة وانتسبت مباشرة إلى نادي "الخيام" للموسيقا وبدأت في طريق الموسيقا من خلال وقوفي "كورساً" في فرقة النادي منذ العام 1964. والتزمت بالتدريبات على الغناء في الفرقة مع الأستاذ "حسني الرفاعي"- رحمه الله- رغم معاناتي في البداية من رفض والدي لفكرة الدخول بالمجال الفني، لكن تدخل والدتي وبعض المقربين مكنني من المتابعة.
خلال وجودك في الفرقة توجهت وبجهد فردي لتعلم العزف على بعض الآلات الموسيقية إلى جانب الغناء، حدثنا عن تلك التجربة.
** عندما وجدت أن فرقة "الخيام" بحاجة إلى عازف كمان، عزمت على التعلم على هذه الآلة، وخلال ستة أشهر كنت أعزف مع الفرقة في حفلاتها، من خلال تدريبات ذاتية يومية مكثفة لفترة ست ساعات يومياً، حيث علمني الأستاذ "مروان الدروبي" سلم "دو ماجور" الموسيقي، وبعدها تمكنت من المتابعة بجهد فردي، ومن ثم تعلمت العزف على العود وكنت أسأل الزملاء والأساتذة وأستفيد من خبرتهم الموسيقية، ويمكنني القول إن نادي الخيام أنشأني وأسسني على قواعد موسيقية سليمة.
هجرت الموسيقا بعد سنة من دخولك في عالمها، ثم عدت إليها بعد تسع سنوات، حدثنا عن تلك المرحلة في حياتك؟
** هجرت الموسيقا بسبب بعض الظروف الاجتماعية الخاصة، لكنني من شدة حبي وتعلقي بهذا الفن عدت إليها بانتسابي إلى نادي "دوحة الميماس" سنة 1973، عبر تشجيع مجموعة أصدقاء أذكر منهم الأستاذ "محمد بري العواني" وصرت أغني مع المجموعة وأقدم مقاطع "صولو" منفردة وخاصة الأدوار والموشحات، فإذا كان هناك "دور" مميز أو "موشح" يقول زملائي إن هذا مناسب "لبرهان" لأن يغنيه لإمكانياته الصوتية في الطبقات العالية، وكان الجمهور يتفاعل معي بشكل جميل ورائع في مختلف الحفلات التي يحييها النادي.
كيف اتجه "برهان الصباغ" بعد ذلك لنقل خبرته في الغناء والعزف إلى الأجيال الجديدة؟
** في العام 1974 أصبحت مدرباً للموشحات في "دوحة الميماس"، إضافة إلى تدريب الراغبين على تعلم عزف الكمان والعود والإيقاع، وانصب تركيزي على التدريب أكثر من العزف والغناء، والحمد لله تخرج على يدي عدد من الفنانين الذين تميزوا على الساحة الفنية السورية والعربية، أذكر منهم الفنانة "رويدا عطية"، وعازف الكمان المتميز "مازن الدروبي"، كما ساهمت بتدريب المطرب "جورج وسوف" حين كنت مدرباً مفرغاً في نادي الشبيبة لفترة من الزمن.
ما أبرز المهرجانات الموسيقية التي شاركت فيها؟
** شاركت مع فرقة "دوحة الميماس" بالعديد من المهرجانات الثقافية الفنية في "حمص" كمهرجان "حمص" الثقافي، ومهرجان الثقافة الموسيقية، ومهرجان "القلعة والوادي"، وفي مهرجانات أخرى ثقافية في محافظات "الرقة" و"حلب" و"إدلب". وقد حصلت على تكريم من نقابة الفنانين "بحمص" في أحد مهرجاناتها الموسيقية السنوية، كما تسلمت العديد من شهادات التقدير.
تخللت مسيرة الأستاذ "برهان" الموسيقية تجربة هامة في عالم المسرح والدراما التلفزيونية، ماذا تحدثنا عن هذه التجربة؟
** برأيي الذي يجمع بين الموسيقا والمسرح هي رسالة الفن فبينهما علاقة وثيقة، ومنذ بدايات دخولي نادي "دوحة الميماس" كان للمخرج المسرحي الأستاذ "محمد بري العواني" بصمته الجميلة في المسرح "بحمص" فدعاني للعمل معه في المسرح إضافة للموسيقا حين التمس أن لدي موهبة في التمثيل، فشاركت بحوالي ثلاث عشرة مسرحية، وفي كثير منها كنت آخذ دور البطولة. وفي إحدى السنوات حصلت على جائزة أفضل ممثل في مهرجان "حمص" المسرحي، وقد أعلن الأستاذ "وليد فاضل" بعد مشاركتي بمسرحية "مامورة" ولادة ممثل من الدرجة الأولى في مدينة "حمص".
ولم يقتصر العمل على المسرح بل شاركت في أكثر من خمسة مسلسلات تلفزيونية سورية، أذكر منها مسلسل "الدغري" مع الأستاذ "دريد لحام"، ومسلسل "بسمة الحزن" الذي غنيت فيه، وكذلك مسلسل "الجدران الباردة"، ومسلسل "الخيزران" ومسلسل "الرياح الأبدية" للمخرج "محمد بدرخان"، وآخر مشاركة تلفزيونية شاركت في مسلسل "وادي السايح" الذي سيعرض قريباً على الشاشة.
هل تحب إضافة شيء تود قوله؟
** أوجه كلمة لكل مبتدئ في تعلم الفن بأن يكون ملتزماً لأعلى درجة حتى يصل إلى تحقيق هدفه المنشود، وأن يصبح فناناً ناجحاً، لأن الإبداع في الموسيقا بحاجة لالتزام وصبر، وأعتبر هذا الفن أصعب من دراسة الطب.
المخرج المسرحي والفنان "محمد بري العواني" رئيس نادي "دوحة الميماس" قال: «يشدو "برهان الصباغ" بصوته "شبه السوبرانو" المضمخ بالرهافة والطلاوة والنداوة، وهو يجول بين مختلف الطبقات والنغمات أستاذاً، دون أن يشعرنا بإجهاد أو نزق أو ملل».
وأضاف: «يعرفه الأكثرون مطرباً مقتدراً، وعالماً بالأنغام والإيقاعات يعرفه قلة أنه ممثل مسرحي ممتاز، دون أن يغض ذلك من قيمته الحقة. غير أن من شاهده على خشبة المسرح مغنياً، أو ممثلاً، يحس مباشرة بطغيان حضوره الراقي على المسرح بتواضع، ويستشعر أن فيه كنوزاً مخبوءة لابد من تثميرها إبداعياً هو إنسان معطاء بأناقة وفرادة، سلاسته تكمن في طاعته الطيبة لمخرجه وللفرقة، ولهذا فإنه نموذج فريد للانتماء والالتزام، يعطيك أكثر مما تعطيه».