لأنَّ الفنَّ عموماً، والموسيقا والغناء خصوصاً، مثل الصلاة تسمو بروح الإنسان عالياً إلى السماء، وتبث فيها الأمل بحياة أجمل، كان شعار "نغني لنحيا" المنطلق لعمل كورال "نهاوند"، الذي أسسته المغنية "حلا سري نقرور".
الحَفلُ الأَوَّلُ
الكورال الذي دخل عامه الثالث، أبصر النور في شهر آذار من عام 2022، وأقيم حفله الأول تكريماً لذكرى رحيل المطرب الكبير "صباح فخري"، بدعوة قدَّمها حينها فرع "جمعية العاديات" في مدينة "صافيتا"، بتاريخ "2 تموز" من العام نفسه، كما ذكرت "حلا نقرور" لمدونة الموسيقا، وتابعت بالقول: «نظراً لنجاح العرض تمَّ إحياؤه لمرتين على مسرح "المركز الثقافي" في "طرطوس" في السابع من الشهر التالي، وفي مدينة "حمص" بتاريخ "3 تشرين الأول 2022". وكبُرَت فكرة تأسيس الكورال بدعم الأصدقاء والمحبِّين، وتمَّ عبر وسائل التواصل الاجتماعي الإعلان عن فتح باب الانتساب إليه، الأمر الذي لاقى صدى واسعاً، وتمَّ اختيار مجموعة من السيدات والشابات والشبَّان الذين يملكون خامات صوتية نخبوية، بعد إجراء الاختبارات لهم».
أَهدَافُ الكُورَالِ
"حلا نقرور" التي تمتلك خبرة طويلة في مجال العمل الموسيقي "والكورالي تحديداً"، إضافة إلى دراستها الموسيقا وأصول الغناء و"الصولفيج" في جامعة "الروح القدس"، تحدثت عن هدف الكورال، تقول: «عدا عن الهدف الأساسي الذي أُسس من أجله، وهو تقديم الفن الراقي وإعادة إحياء التراث الموسيقي الشرقي بتوزيع جديد وخاص. وضعنا شعار عمل عنوانه "نغني لنحيا" إيماناً منا أنَّ الفنَّ السليم والراقي ينبغي أن يسود في نهاية المطاف، رغم استسهال الكثيرين في تقديم محتواهم من الأداء الغنائي والموسيقي، فلا بد أن يتضمَّن الفن في مفرداته كلمةً ولحناً سليمين، ليصل إلى متلقيه ويرفعه مثل الصلاة نحو عوالم أخرى فيها من الجمال والارتياح والسلام الشيء الكثير».
وتتابع: «وضعنا في صلب عملنا الجانب الإنساني أيضاً، إيماناً منا أنَّ الموسيقا والغناء ينبغي أن يساهما في نشر الفرح وثقافة السلام بين أبناء المجتمع على اختلاف مشاربهم، لذلك جاء إطلاق كورال "الأطفال واليافعين" في وقت لاحق، وتعتبر الحفلات والأنشطة التي شارك فيها إلى جانب ما يؤديه كورال "الكبار" تجسيداً لهذا الشعار».
الأَطفَالُ وَاليَافِعُونَ
حول تأسيس كورال "الأطفال واليافعين" والأنشطة التي أحياها، قالت: «تم إطلاق كورال "نهاوند" للأطفال مع نهاية عام 2022، وكانت إطلالته الأولى في حفل ميلادي حمل عنوان "ميلادك بقلبي" بتاريخ "22/12/2022"، وسبقه حفل لكورال الكبار بعنوان "ميلاد ودفا"، وأقيما حينها في "القرية الميلادية". وتأكيداً لشعارنا قام أطفال كورال "نهاوند" بزيارة لمشفى الأطفال، وتقديم الهدايا للأطفال المرضى، بغية إدخال البهجة والسرور إلى قلوبهم، وبثِّ الأمل في نفوسهم. ويعكس هذا الفعل شعار عمل الكورال بشكلٍ عملي، الأمر الذي نكرره بعد كل حفلٍ يحييه الكورالان، بما في ذلك الريسيتال الميلادي الذي أقيم بتاريخ "10/12/2022"، حيث قاموا بزيارة "جمعية المحبة لرعاية ذوي الإعاقة" وغنُّوا هناك مقدمين الهدايا للأطفال».
تَوزِيعٌ جَدِيدٌ وَمُعَاصِرٌ
ما يميِّز كورال "نهاوند" عدا حرصه على تقديم الموروث الموسيقي والغنائي الشرقي وتعريف الأجيال الجديدة به، هو التوزيع الجديد والمعاصر له من دون تغيير فيه، حسب ما جاء على لسان "حلا نقرور" التي تابعت قائلة: «تجلَّى ذلك في الحفل الذي قدمناه في افتتاحية مهرجان "أيام الثقافة الموسيقية- تراث وإبداع" بتاريخ "22/11/2022" تحت عنوان "أسمهان وفريد الأطرش" في "المركز الثقافي العربي" في "طرطوس". كذلك الأمر في حفلنا الأخير "من الثمانينيات" الذي أقيم يوم "9/5/2024"، وتضمَّن مجموعة من أعمال المغنين العرب الذين اشتهروا في تلك الفترة ومنهم "عازار حبيب، غسان صليبا، عمرو دياب.. وآخرون".
ورغم سيطرة آلة "الأورغ في تلك الحقبة "ولم تزل ليومنا هذا" إلاَّ أننا أردنا إظهار الأثر الجميل لها في الجمل الموسيقية للأغنية، بخلاف ما هو سائدٌ حالياً فيما نسمعه من استخدام عبثي لها. من هنا، يأتي اختيار برنامج عمل الكورال والذي اختاره بنفسي، تبعاً للمناسبة التي سيشارك فيه».
آَلِيَّةُ التَّدرِيبِ
تتراوح أعمار كورال الكبار بين "25-60" عاماً، ويجتمعون للتمرين مرتين أو ثلاث مرات أسبوعياً. هذا ما أشارت إليه "نقرور"، التي قالت: «معظم التدريبات سماعية، كونهم لم يدرسوا الموسيقا بشكلٍ أكاديمي من قبل، إلاَّ أنني أقوم بشرح مفصَّلٍ وموجز عن أنواع المقامات الموسيقية وإعطاء أمثلة عنها، وقد أصبحوا متمكنين من تمييزها، وتأديتها بجدارة أثناء حفلات وأمسيات الكورال».
وفيما يتعلق بطبيعة الأصوات الموجودة، وكيفية توظيفها في عملية الأداء الجماعي، تقول: «إمكانيات كلِّ صوتٍ على حدة تفرض المهمة التي يؤديها ضمن الكورال، فهناك "الآلتو" وتختص به السيدات ذوات الطبقات الصوتية المنخفضة، على عكس "السوبرانو" الذي يناسب صاحبات الطبقة الصوتية العالية، أمَّا شباب الكورال فطبقاتهم الصوتية عموماً مناسبة لنوعي "التينور" و"البيس".
وبما أنَّ الكورال ينتهج في عمله تقديم الموسيقا الشرقية عموماً، فإنَّ مسألة التنوع الصوتي "الهارموني" لا تحتاج إلى تقسيم الأصوات فيها، بعكس الأعمال الغنائية الكلاسيكية الغربية خصوصاً».
يُذكر أن كورال الكبار يضُّم "50" مغنِّياً، في حين يتألف كورال الأطفال واليافعين من "75" طفلاً و"40" يافعاً، أحيوا خمس حفلات على مدار عامٍ تقريباً، قدَّموا فيها فقرات غنائية لعمالقة الطرب، من بينهم الراحلان "وديع الصافي، نصري شمس الدين" وآخرون، إلى جانب حفلات الريسيتالات الميلادية.
تَطَوُّرٌ مَلحُوظٌ
كورال "نهاوند" تطوَّر بشكل ملحوظ خلال فترة وجيزة وأخذ نموذج العمل المؤسساتي، هذا ما أوضحه "عبد الله سعد" مدير أعمال الكورال وأحد المغنين في فرقة الكبار منذ بدايات التأسيس، يقول: «نحو 25 شاباً وشابة من مختلف فئات المجتمع والطوائف، جمعنا الشغف بالموسيقا والغناء مع انطلاقة الكورال تحت قيادة المغنية "حلا نقرور"، التي ساهمت في تعزيز قدراتنا من خلال دروس الصولفيج والغناء، الأمر الذي كان له دور في تطور الذائقة الموسيقية والغنائية لنا كأفراد، إلى جانب التدريبات الدورية، وكانت حريصة على إعطاء كلِّ فردٍ ما يناسب مقدراته الذاتية، ما كان له دورٌ في تميُّز الكورال جماعةً وأفراداً».
ويشير إلى أن عمل الكورال أصبح لاحقاً أكثر احترافية من خلال وضع شعار خاص له، إضافة لإنشاء حسابات خاصَّة به على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، يقول: «تسلَّمت مهمة إدارة أعمال الكورال كاملة مستفيداً من خبرتي الشخصية، وتضمنت هذه المسؤولية التنسيق مع المؤسسات الحكومية والأهلية وتأمين العازفين إلى جانب توجيه الدعوات للضيوف، وكافة الأمور اللوجستية الفنية، ما ساهم في تنظيم العمل».
بَصمَةٌ مُوسِيقِيَّةٌ
المهندس والباحث الموسيقي "بشر عيسى" قائد كورالي "أورجوان" و"سيدات النغم"، قدَّم شهادته بكورال "نهاوند"، وفيها قال: «استطاعت الفنانة المغنية والمرنمة "حلا نقرور" أن تضع بصمتها الموسيقية الجميلة على المشهد الموسيقي عموماً في مدينة "طرطوس" من خلال الكورال الذي أسسته قبل سنوات قليلة، والذي أثبت وجوده على ساحتها الفنِّية، من خلال تصدِّيه لمهمة تقديم الأعمال الموسيقية التراثية، إلى جانب الأغاني المعاصرة نوعاً ما، والتي اشتهرت في ربع القرن الماضي الأخير منه ولاتزال حاضرة في وجدان وذاكرة الأجيال الحاضرة».
ويشير إلى أنها نقلت وبكرمٍ واسعٍ، خبرتها الفنِّية الواسعة إلى الكورال، لتصيغ أعماله بأسلوب جذاب، ويضيف: «ناهيك عن التقنيات الصوتية التي تميَّز بها غناء مجموع أفراده، هناك الروح اللطيفة التي يشيعها الكورال بحضوره الأنيق على خشبة المسرح، إضافة للبرامج الغنائية المنتقاة من قبلها بحرص وذكاء شديدين».
مُلَامَسَةُ القُلُوبِ
«يعتبر مقام "نهاوند" من أبرز مقامات الموسيقا الشرقية الجميلة الذي يتميز بطابع شجيٍّ، ويصلح استخدامه لمختلف صنوف المقطوعات الحزينة والمفرحة»، هذا ما أوضحه الأب "طوني يعقوب" المؤسس والمشرف الفنِّي لكورال "أم الزنار" في مدينة "حمص".
مشيراً إلى اسم الكورال، يقول: «لم يكن استخدام مسماه عبثياً حسب رأيي من قِبل المغنية والمرنمة الصديقة "حلا نقرور"، حيث كان اِنعكاساً تاماً للرسالة التي قدَّمها الكورال بشقيه كباراً وصغاراً في الحفلات كلها، وقدَّم فيها مجموعة من الأغاني التراثية، عبر مجموعة من الشباب الذين نقلوا جمهور حفلاتهم إلى الزمن الجميل الذي ولدت فيه، من خلال أدائهم الجماعي والمنضبط، تاركين بصمتهم الخاصة على المسارح التي وقفوا عليها، ملامسين أرواح وقلوب الحضور».
ويؤكد أن الميزة الأخرى للكورال النهج الذي اتخذه في تنشئة جيل الأطفال على حبِّ الموسيقا والغناء، ليكونوا رديفاً مستقبلياً لكورال الكبار، وهذا ما نجحت فيه مؤسِّسةُ الكورال التي استطاعت وضع بصمتها برفقة كوراليها على الساحة الفنِّية السورية».