عازفةٌ مُتمكنة، انطباعٌ تتركه ماريا شاهين "مواليد 2001" لدى مستمعيها سريعاً، ليس بسبب تعاملها باحترافية مع آلة "التشيللو" فحسب، بل لأنها تفهم موسيقاها وتشتغل عليها بجديّة والتزام، يُمكن اكتشافهما بمجرّد الاستماع، ومن ثم في التفوق الذي أظهرته مع بدء تعلّمها العزف بعمر السابعة، في معهد صلحي الوادي للموسيقا، حيث تخرّجت منه عام 2019 بدرجة امتياز، وشاركت عام 2018 مع الوفد السوري عن فئة المبدعين في الدورة البيلاروسية السورية للأطفال الموهوبين، وحازت المركز الثاني في مسابقة العزف، لتلتحق فيما بعد بالمعهد العالي للموسيقا، وهي اليوم طالبة في السنة الخامسة.

اختيار الآلة

لم يكن التشيللو خياراً مطروحاً للدراسة بدايةً، لكن شاهين استجابت لنصيحة قدّمها أستاذ في معهد صلحي الوادي، تقول في حديثٍ إلى "مدوّنة الموسيقا": "كنت على وشك الالتحاق بصف تعليم البيانو، إلّا أن أستاذاً أشار علي باختيار آلةٍ يُمكن لها المشاركة في الأوركسترا، فالبيانو غالباً آلة صولو أو موسيقا حجرة، بمعنى أنها نادراً ما تُشارك مع المجموعات الكبيرة، إضافةً إلى ما يُمكن أن يُتيحه لي ذلك من أداء أنواعٍ مختلفة من الموسيقا، فاخترت التشيللو، لأنني كنت أرغب بتعلّم العزف على آلة وترية، ولم أرغب في الوقت ذاته بالعزف على الكمان، بسبب كثرة حضور هذه الآلة مع الفيولا في حفلات الأوركسترا، ولم أرد العزف على آلة اختارها أغلب العازفين".

مصادر مُتعددة

تتلمذت شاهين على يد عددٍ من الأساتذة والخبراء منهم "أولغا يعقوب، أثيل حمدان، محمد نامق"، وفي وقت لاحق عزفت تحت إشراف موسيقيين من دولٍ مختلفة، كونها عازفة في الفرقة السيمفونية الوطنية السورية منذ عام 2020، منهم "غارو أفيسيان" من لبنان، "ريكاردو بيرنارديز" من البرازيل، "دانييل أونر" من النمسا، كما شاركت كعازفة تشيللو أساسية في فرقة "Viola Damour" لموسيقا الباروك بقيادة المايسترو الإيطالي "كوزيمو برونتيرا".

ماريا شاهين

ويبدو أن هذا التنوع ساهم في غنى تجربتها مع الآلة، تقول: "أن يعتمد الموسيقي مصدراً واحداً لمعلوماته، أمرٌ غير صحيح، فعليه التعرّف إلى تجارب الآخرين، والسعي لمزيدٍ من الاطلاع واكتساب الخبرة، بمعنى امتلاك أرضيةٍ فنيةٍ وثقافيةٍ تُضاف إلى ما اكتسبه في نشأته وتربى عليه، وفي المحصلة هذا كله يُضيف إلى لمسته في حال سعى نحو الاحتراف".

تبادل ومُشاركة

في رصيد شاهين مشاركات عديدة، فهي عازفة في الفرقة "الوطنية السورية للموسيقا العربية" بقيادة المايسترو عدنان فتح الله، وعازفة في أوركسترا "ماري" النسائية بقيادة المايسترو رعد خلف، كما مثّلت سورية في مؤتمر حوار الثقافات في روسيا عام 2022، وهي عازفة كذلك في أوركسترا "متيزو للشباب" بقيادة المايسترو جورج موسى.

ماريا شاهين تعزف على التشيللو

ووفق ما تقوله "لمدوّنة الموسيقا"، يُفترض ألا يحدّ العازف نفسه بنوعٍ موسيقيٍ واحد أو ثقافةٍ معينة، وإن كانت دار الأوبرا في دمشق مكاناً مُفضلاً ومريحاً لها، فمن الضروري أن تسافر الى أماكن أخرى لتتعلّم، فالموسيقا لا تعترف بالحدود إنما بالتبادل والمشاركة، وهي اللغة الوحيدة التي يفهمها العالم أجمع. تقول: "الموسيقا لا تُعنى بالأمكنة، يمكنك أن تقدّم موسيقاك في أي مكان وستجد من يُحبها ويسمعها".

ما يحتاجه الموسيقي

تطمح شاهين لمتابعة العمل في سورية، وفي السياق ذاته تتمنى أن تسافر لتعرّف العالم بما عندنا من مؤلفات وقدرات وعازفين، ولتستفيد أيضاً من خبراتهم وموسيقاهم، مع إيمانها أن ما يحتاجه الموسيقي ليصل إلى الناس، يأتي أولاً من تقديره لأهمية ما يقوم به، وعلى حد تعبيرها "ينبغي أن يعي بأن الموسيقا ليست مجرد أداةٍ للتسلية أو الترفيه، إنما كما يقول التاريخ لها حضورها ومكانتها وأثرها في مختلف الميادين، عدا عن أهمية استمتاع الموسيقي بما يقوم به".

ماريا شاهين

وتُضيف: "الموسيقا تحتاج تعباً وجهداً، وساعات طويلة من التدريب والاهتمام بالتفاصيل، لذلك يجب أن يُحبها العازف بالقدر الكافي ليتحمل المصاعب والضغوط النفسية المرافقة لها، كالخوف من الظهور على المسرح ومواجهة الجمهور، وعلى المُحترف فهم ما سيواجهه، وأن يكون قادراً على إظهار وإيصال متعته وأفكاره للجمهور".

آراء في العازفة

عام 2023 شاركت شاهين مع كورال "غاردينيا" بقيادة المايسترو غادة حرب في مهرجان "جرش للموسيقا" في الأردن، تتحدث حرب عن هذا التعاون "لمدوّنة الموسيقا"، واصفةً شاهين بالعازفة البارعة، المجتهدة والملتزمة جداً، تقول: "لفتت انتباهي بقدرتها على إعطاء أجمل ما عندها رغم التعب، وهي تتعاطى مع الموسيقا بطريقةٍ فيها الكثير من الإتقان".

ماريا شاهين

بدورها أستاذة الفيولا في المعهد العالي للموسيقا "راما البرشة"، والتي قدمت مؤخراً مع شاهين وعدد من العازفات، أمسية لموسيقا الحجرة لأعمال مؤلِّفات من القرن التاسع عشر، قالت: "في الأمسية التي قدمناها كانت الموسيقا تصاعدية، نتيجة الحرب الداخلية التي عاشتها المؤلِّفات في ذلك الزمن، فحملت موسيقاهن الكثير من الشغف والعواطف، ما تطلّب من العازفات جهداً مضاعفاً لإيصال الزخم للجمهور، حتى إننا تدربنا يومياً لمدة ثلاثة أشهر متواصلة، وكانت شاهين كما البقية مُتمكنةً ومُحترفةً وقادرةً على تنسيق جهودها ورؤيتها معنا جميعاً".

وأضافت: "شاهين طالبة موهوبة جداً، ينتظرها مستقبل باهر، أظهرت كفاءة ومهارة رغم أن الموسيقا التي قدمناها معاً، كانت تُعزَف لأول مرة في سورية".

المايسترو غادة حرب
عازفة الفيولا راما البرشة