أبدع المطرب "فؤاد غازي" في مجال الغناء الجبلي الشعبي، حتى اعتُبِر ظاهرة فريدة، شهد له بها كبار نجوم الغناء السوريين والعرب. وأطلق عليه أكثر من لقب مثل "ملك العتابا" و"كروان الجبل" و"رائد الأغنية الشعبية السورية"، تميز بصوت جبلي قوي، وله العديد من الأغاني العاطفية والشعبية والوطنية التي تركت بصمة في تاريخ الأغنية السورية فترة الثمانينيات من القرن المنصرم. ويصنفنه النقاد أحد أبرز نجوم الأغنية السورية عبر تاريخها الطويل.

التفرد في "العتابا"

دغدغ عواطف السوريين ومشاعرهم لسنوات طويلة، وعرفه الناس في بداياته باسم "فؤاد فقرو"، بعد ذلك شاع اسمه الحقيقي "فؤاد غازي" في لون "العتابا" الذي انفرد به، وذلك بشهادة كبار من تمرسّوا به وعلّموه, وفي مقدمتهم العملاق "وديع الصافي" الذي لقب "فؤاد غازي" بـ "ملك العتابا"، ووصف امكاناته الصوتية بقوله:

«للفظة "الأوف" عند غازي مدى واتساعاً، لكنه حين يهم بإلقاء أبيات الموال تباعاً، يزوّق وقفاته عند المختارات من الحروف بزخارف صوتية، أو ما يُعرف لدى الموسيقيين العرب بـ"التحليات"، عندها يحلو صوت غازي بقدر ما يعلو، ويُحسن الأداء بدقة وانسيابية تفوق سقف القوة والشدة الذي يقف عنده عادة المغنّون الشعبيون».

فؤاد غازي

الصوت الحاضر دائماً

فؤاد غازي ووديع الصافي

بدوره يصف الملحن الراحل "سهيل عرفة" صوته بالمميز، والذي لم يستطع أحد تقليده، واعتبره أهل الموسيقا محسوباً على مدرسة العملاق "وديع الصافي"، إلا إن له صوته الخاص والمميز.

ويضيف "عرفة": «قدّمت أكثر من عشرين لحناً لفؤاد غازي، أوّلها لحن أغنية "لا لا على فراقك لا لا"، ثم "لو بعرف أعزف على العود، يا أم النظرات الحلوين، صبر أيوب"، إضافة إلى ألحان أخرى تعود في معظمها إلى سبعينيات القرن الماضي».

فؤاد غازي وفهد بلان

ما يميّز فؤاد غازي وفق "عرفة"، أنه كان يؤدي أغانيه بفطرة وإحساس عاليين ورائعين، والدليل على ذلك أنه على الرغْم من رحيله، لايزال حاضراً بما قدّمه، لأنه غنى بصدق.

مطرب في سن مبكرة

أصبح فؤاد غازي مطرباً في سن مبكرة، وغنى في المناسبات الوطنية والقومية في مسارح الجيش، ثم التقى عبد الفتاح سكّر الذي أتى به بشكل رسمي إلى العمل الاحترافي في الإذاعة السورية فكان على فؤاد الغناء، وعلى سكر التلحين .

فؤاد غازي

لم يمض من الوقت إلا القليل حتى تذوق من ثمرة هذا اللقاء السوريين كلهم عبر أغنية "لزرعلك بستان ورود" التي تم إطلاقها عام 1980، الأغنية التي قضت مضاجع السوريين وسكونهم وسكناهم وحلهم وترحالهم، والتي اعتبرت خالدة بحساب كبار المطربين السوريين.

بساطة ريفية أصيلة

الحلاوة التي تميّز بها صوت غازي ليست صنيعة الدراسة والمعرفة، وإنما وليدة الفطرة والموهبة، فالنقاء في الأداء عنده يترقرق بصورة طبيعية، من دون تحسّب أو تكلّف. هو يُطلق لصوته العنان ليتمكّن مرّات، أو يتعثّر مرّات، مُفارقاً المقام، خصوصاً عند النزول نحو القرار، ثم لا يلبث أن يعود إليه عند الجواب صعوداً، ليستوي به، غضاضةٌ تناسب من جهة اللون الشعبي، لما فيه من بساطة ريفية أصيلة وارتجال حرّ مُرسل، إلا أنها من جهة أخرى تتميّز برقيّ خاص، وحس جمالي عفوي وصادق، من دون اللجوء إلى الافتعال أو التصنّع. وذلك على حد وصف المايسترو نزبه أسعد.

فؤاد غازي

مسيرة حافلة

فؤاد غازي

سنوات قليلة مرت ليقدم بعدها أغنية "تعب المشوار"، تلك التي اعترف "فؤاد" مراراً وتكراراً بأن الدموع التي يذرفها من عينيه أثناء غنائها هي دموع صميميه، ويضيف: «كلما غنيتها مرة، ولو في المنزل، اغرورقت عيناي بالدموع».

بعد هاتين الأغنيتين ذاع صيته في مختلف البلاد العربية، وتعددت أغاني غازي لملحنين عدة، منهم عبد الفتاح سكر وسعيد قطب وسهيل عرفةـ ومن أشهر أغانيه: "لا بالله يا هل الدار، صف الفشك، ما ودعوني، تعب المشوار، خطي يا اهل الله، يا زمان، حلمك علينا يا بحر، بعد زمان، جدولاتك مجنونة".

فؤاد غازي

تلك الأغاني التي توزعت بين الشعبية والخفيفة والطربية، كانت في الغالب أغان جيدة بكلماتها وألحانها وأداها "فؤاد غازي" بصوته المفعم بالإحساس بمساحته الجيدة وقدرته على التلوين في الصوت.

وكانت مفكرة مواعيده حُبلى بالأسفار، وكان لبيروت وشقيقاتها الحظ الأوفر في رحلاته، فكان يلبي على الدوام، لكنه كان يحرص في ذات الوقت على ألا ينام إلا في سورية التي شغف في حبها إلى درجة التصوف.

فؤاد غازي

كان لـ "فؤاد" شخصية مميزة، معتزاً بنفسه وبما أنجزه من لا شيء إلا حنجرته، كما يقول.

بورتريه

"فؤاد غازي" من مواليد عام 1955، في قرية "فقرو" في محافظة "حماة" في سورية، بدأ الغناء بعمر الخمس سنوات عام 1960، وأصبح مطرباً في إذاعة دمشق مطلع الثمانينيات.

ابتعد عن الأضواء في منتصف تسعينيات القرن الماضي، وأصيب بسرطان في الحنجرة ما منعه عن الغناء حتى وفاته، وتوفي "فؤاد فقرو" ملك العتابا، في مشفى الكندي بدمشق في الثاني من آب عام 2011.

رحل لكنه سيبقى سفير فوق العادة للغناء الجبلي السوري عبر به المسافات من خلال اداء عالي المستوى كان من المطربين الاستثنائيين الذين قل نظيرهم.