يقولونَ إن زامر الحيّ لا يُطرب، لكنَّ الفنان الشّاب "نعيم حمدي" الملحِّن والموزِّع فاز على مجموعة من الملحّنين في تلحين نشيد الدّورة العربيّة الرياضيّة الخامسة.
لم أجدْ أبلغَ من كلمات الراحل "عدنان بوظو" مقدمةً لمادتي عن الملحِّن والمُطرب نعيم حمدي "مواليد 1949"، وخاصَّة بعد أنْ شاهدتُ الفرحةَ بعينيه وهو يروي لي لحظةَ إذاعة الخبر في النّشرة الرياضيّة.
البداية والطفولة
دفعه فضولُه الطّفوليّ لاكتشاف آلة "العود" المخبّأة على سطح الخزانة إلى محاولة تعلّم الألحان، إلى أن اكتشف ابن عمه عبثَهُ بآلته ومعرفتِه ببعضِ المعلومات الأساسيّة، عندها قام بتعليمه "الدوزان" لتبدأ رحلته مع الموسيقا.
يروي "نعيم حمدي" المطرب الدمشقيّ المنحدر من "باب سريجة" قصَّته الأولى مع الألحان، ويتابع قائلاً: «بعمر الثانية عشرة بدأتُ الغناءَ في المناسبات التي كانتْ تُقام في المدارس، كمدرستي التجهيز الأولى والبحتري، وفي إحدى المناسبات سمع "نجاة قصاب حسن" المديرُ المسؤولُ عن المسارح في ذلك الوقت غنائي لمطربينَ كبار، بمن فيهم "عبد الحليم حافظ ووديع الصافي" بصوتي الخاص دونَ محاولةِ تقليد طبقة أصواتهم، كان ذلك في مدرسة "التجهيز الأولى"، وقد سمعني وأنا أغنِّي "وحدة ما يغلبها غلاب" وأغنية "يا حلوة صبحي"، ليتعرَّف على اسمي ويذهب لمقابلة أهلي، ويطلب منهم دخولي إلى وزارة الثقافة، ولكنَّهم رفضوا الفكرة لأن الأهالي في ذلك الوقت لم يكونوا متقبِّلين فكرة أن يعمل ابنهم أو ابنتهم في الفن، إلا أنَّ جدتي التي كانت تحب صوتي كثيراً استدلّتْ على عنوان وزارة الثقافة وأخذتني للانضمام إليها دون أنْ تكترثَ لأحد، وبعد انضمامي للوزارة تم منحي راتباً شهرياً نحوَ ١٥٠ ليرة سورية، والتي كانت راتب موظف في تلك الفترة».
مرحلة مصر
بعدَ أنْ أصبحَ "نعيم" جزءاً من وزارة الثقافة توسَّعت مجالات مشاركاته الفنيّة، يتحدَّث عنها قائلاً: «أصبحت ضمن كورال وزارة الثقافة، وشاركتُ معه في تسجيلات المطربين المعروفين، مثل "وديع الصافي وسميرة توفيق وصباح فخري"، والتي كانت تسجّل في الإذاعة والتلفزيون، وأثناء وجودي ضمن الوزارة درستُ الموشَّحات على يد "عدنان أبو الشامات"، وتشبّعتُ بالنغمات والإيقاعات من خلال مشاركاتي مع فرقة "صلحي الوادي"».
ويضيف: «نصحني في تلك الفترة الأستاذ "عبد الرحمن الخطيب" الذي كان يدرِّس في الوزارة بالسفر إلى مصر لأتابعَ دراستي، وفي الخامسةَ عشرةَ من عمري سافرتُ إلى عمتي في مصر وانتسبتُ إلى معهد إيطالي يُدعى "غلودي مودفيتري" لدراسة البيانو، وسجَّلتُ في معهدٍ شرقيٍّ لدراسة آلة العود من أجل الشهادة، وفي ذلك الوقت قمت بالغناء ككورس وراءَ العديد من المطربين الذين كان لهم اسمهم، ومن بينهم "محمد فوزي وكارم محمود ومحمد قنديل"، وتعرَّفت على ملحنين كبار، أمثال "بليغ حمدي وكمال الطويل ورياض السنباطي" وجميعهم أثنوا على موهبتي».
ويتابعُ الحديث عن حياته في مصر: «بقيتُ في مصر نحوَ ثماني سنوات تعرَّفت خلالها على النجوم هناك، ولحَّنت اللون المصري، إلى جانب تلحيني اللهجة الشاميّة السوريّة، وغنيَّت الألوان كلَّها، كما أعطيتُ ألحاني للعديد من المطربين المصريين، وتعاونت مع العديد من الشّعراء، بينهم "عبد الوهاب محمد وفاروق سلامة وجمال سلامة"». ولا بد من الإشارة إلى أن الموسيقار الراحل "بليغ حمدي" هو من أطلق عليه اسم "نعيم حمدي" في حين كان اسمُه الحقيقيّ "نعيم قويدر".
المهرجانات والتكريمات
شارك "نعيم حمدي" في العديد من المهرجانات، وكانتْ أولى مشاركاته في مهرجان دوليّ باليونان، وعنها يقول: «تعرّفت خلال فترة وجودي بمصر على "أندري رايدر" الذي كانتْ له معرفة بالمهرجانات الدوليّة العالميّة، وعندما سمع لحن أغنية "مفيش داعي نجرح بعض، خلاص كل اللي بينا انفض" طلب مني تسجيل الأغنية، وقام بتقديمها إلى مهرجان اليونان، فكانتْ أول تجربة غنائيّة عام ١٩٧١، لأشارك بها في مهرجان اليونان مع كبار نجوم العالم ومن ٦٤ دولةً، وكان لي شرفُ رفع اسم بلادي وأنا في عمر "٢٣" سنةً، وشاركتُ فيما بعد في مهرجانات ضمن إيطاليا ومصر والإسكندرية».
عاد "نعيم" إلى سورية فترة حرب تشرين "1973"، فقدَّمَ نشيداً عن الحرب للجيش، وفي عام "١٩٧٦" شارك في مسابقةٍ لأغنيةِ الدّورة العربيّة الرّياضيّة الخامسة وفاز بها، كما فاز ثلاثَ مرّاتٍ بتلحينِ نشيد الدّورة العسكريّة، وفاز بمسابقة تلحين نشيد المرأة العربيّة مع الشاعر سليمان العيسى.
الغناء بلغات أجنبية
أحبَّ "نعيم حمدي" الأفلام الهنديّة منذ طفولته، وخلال إقامته في مصر تعرّف على شابٍّ باكستانيٍّ يُدعى "محمد خالد الصديقي" علّمه اللغة الهندية وبدأ الغناء بها.
واستطاع تمثيلَ سورية في "كوريا الشمالية" كونه تعلّم اللغة الكورية، عن هذه المرحلة يقول: «قامت وزارة الثقافة بترشيحي لتمثيل سورية في "كوريا" كوني أغنّي بلغات أجنبية، وفي المرة الأولى التي سافرتُ فيها استعنتُ بالسفارة وأخذتُ أغنيةً كوريةً شعبيةً، وقمتُ بترجمتها وحفظتها وقدّمتها هناك، لأضعَ فيما بعد فكرةَ أغنية تمّتْ ترجمتها للكورية، فقمت بتلحينها وغنائها أمام السفير والملحق الثقافي الكوري عند زيارتهم لسورية، لأشارك بعدها في ثمانية مهرجانات متتالية هناك، وكنتُ الفنانَ العربيَّ الوحيدَ الذي يغنِّي باللغة الكوريّة، وفي عام ١٩٩٥ بعد وفاة "كيم إل سونغ" قدمتُ أغنيةَ وداعٍ باللغة الكورية، وقدمتُ العديد من الأغاني التي تدعو إلى توحيد الكوريتين، كما أرسلتُ أغنيةً كوريةً هديةً للرئيس الكوري "كيم جون أون"، وأغنيةَ محبةٍ مهداةً من أطفال سورية إلى أطفال كوريا، وبالمقابل تم تصوير فيلمٍ يتحدّثُ عني وعُرِض في كوريا».
وكان للّغات الإنكليزية والفرنسية والروسية نصيبٌ من أعمال "حمدي" فقدَّم العديد من الأغاني الداعمة لسورية والداعية إلى تمتين الصّداقة مع الدّول الأخرى، كما قدّم أغانيَ تعبّرُ عن التآلف والمحبة وتُرجِمت للغات عدّة.
الأعمال الأخرى
قدَّم "حمدي" العديد من الأعمال الفنيّة، حيثُ شارك مع الفنان "دريد لحام" في مسرحية "كاسك يا وطن"، وقام بتأليف الموسيقا التّصويريّة لنحو ستةَ عشرَ مسلسلاً، ووضع ألحانه لثلاثٍ وثلاثينَ أغنيةَ أطفالٍ لشركة سعودية، كما شاركَ في التمثيل ووضع ألحاناً لأربعٍ وعشرينَ حلقةً من مسلسل "مرايا" إخراج هيثم حقي وفيصل الياسري، وإنتاج مؤسسة الإنتاج البرامجي المشترك لدول الخليج العربي عام 1984، كما وضع ألحانَه في مسلسل "أعلام العرب"، حيثُ ألَّف لكلِّ شخصيةٍ لحناً خاصّاً بها.
أمّا عن أغنية "دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط العاشرة" التي أقيمت في "سورية" بمدينة "اللاذقية" عام 1987، فيقول "حمدي": «طلبُوا من الفنانين تقديمَ أغنيةٍ لحدثٍ مهمّ "دورة ألعاب البحر المتوسط" التي تشارك فيها فرقٌ رياضيّةٌ من الدول العربية والأجنبيّة المطلّة على البحر المتوسط، وفكرّتُ بأغنية متعدِّدة اللغات لأن المشاركين ليسوا عرباً فقط، فكتب حسن أصفهاني المقطع باللغتين الإنكليزية والفرنسية، بينما الجزء العربي فكان من كلمات عبد المسيح نعمة، وحقَّقت الأغنية ضجةً كبيرةً لكونها احتوتْ على اللغات الأكثر استخداماً في العالم، واستغرق تصويرها أكثرَ من شهر، حيثُ تمَّ التصوير أثناء البروفات وحتّى يوم الافتتاح».
الفيديو كليب
كان "نعيم حمدي" صاحب فكرة الفيديو كليب للأغاني وأوّل من طرح أغنيةً مصوَّرة خارج إطار الأفلام، حيثُ يقول: «فكرت في تصوير فيديو للأغاني بعد مشاهدتي للأغاني المصورة ضمن الأفلام، وبعد طرح أغنية "ياما رحنا ومشينا" والتي لاقت نجاحاً كبيراً، بدأت في تنفيذ الفكرة على بقية الأغاني، وقام باقي المطربين بتنفيذ فكرة الفيديو كليب».
ويرى "حمدي" أنَّه ينبغي على الفنان حملُ رسالة سامية يخدمُ بها بلدَه، فقد واظب على تلحين اللهجة الشاميّة السوريّة إلى جانب تلحين العديد من اللهجات واللغات.