تُعتبر "أوركسترا كلية التربيّة الموسيقيّة" في مدينة "حمص" واحدةً من أهم الفرق على مستوى "سورية"، والتي قدَّمت منذ أكثر من عشرينَ عاماً "ولا تزال" فن "الموسيقا الأوركسترالية" بحرفيةٍ عاليةٍ، محققةً النجاحَ في مشاركاتِها الداخلية والخارجية ضِمن أكثر من مهرجان.
الحفل الأخير
بعد الحفل الأخير الذي أحيتْهُ الفرقةُ على مسرح "قصر الثقافة" في مدينة "حمص" بتاريخ 15 أيار الماضي، وما حقَّقته من نجاح، قامت "مدونة الموسيقا" بزيارة الكلية والتقتْ قائدَ الفرقة المايسترو "نسيم رمضان" الذي تحدَّث عنها قائلاً: «كان عديدُ أفراد الفرقة "84" فرداً من طلاب الكلية، ما بين مغنِّي الكورال والعازفين، وتمَّ اختيارُهم من بين "200" من طلَّاب الكلية. وشمل برنامج الحفل مزيجاً من المقطوعات السيمفونيّة العالميّة، مثل "بحيرة البجع" لمؤلفها "تشايكوفيسكي" و"موسيقا الماء" التي وضعها "هاندل"، إضافةً إلى مقطوعة من سيمفونية "لاكريموزا" للموسيقي العالمي "موزارت"، و"المارش العسكري الإيطالي" وهي إحدى مؤلّفات النمساوي "جوهان شتراوس". كذلك اشتمل البرنامج على مقطوعاتٍ موسيقيةٍ شرقيةٍ تنوَّعتْ بين موشَّحي "اِسق العطاش" و"فيك كلُّ ما أرى حُسنٌ" وبعض الأغاني الوطنية، ومقطوعة موسيقية عنوانها "الرقصة الغجرية"».
التميز والاختيار
عن التنوُّع في الأعمال المقدَّمة ذكر المايسترو "نسيم رمضان" أنَّ «الموسيقا الغربية الكلاسيكية تقدِّمها باحترافية عالية الفرق الأوركسترالية الكبيرة، ومنها فرقتُنا، وهذا الأمر يعود للدراسة الأكاديمية التي يتلقَّاها طلابُ الكلية، ويتمُّ اختيار الأفضل منهم لِينضمُّوا إلى عداد أفراد "الأوركسترا" من خلال تفاعلهم ونتائجهم في مقرر مادة "الأداء الجماعي" التي تُعدُّ الأساس في تشكيل الفرقة. ذلك المقرر يتضمَّن مجموعاتِ عمل منفصلةً كالنفخيات والوتريات وآلات الإيقاع يحدِّدها الأستاذُ المشرفُ عليها».
البدايات..
لدى سؤال المايسترو "نسيم رمضان" عن المراحل التي مرَّتْ بها فرقةُ "الأوركسترا" منذ التأسيس حتَّى يوم الحفل، قال: «من المفارقةِ أنَّني كنتُ من الدفعة الأولى البالغ عددُها خمسينَ طالباً، والذين تمَّ قبولهم عند افتتاح الكلية عام "2003"، وقدْ أسَّسها الدكتور "غانم السمان" وكان عميدها الأول. تخصّصتُ على آلة "العود"، وشاركتُ مع فرقتي الكورال الشرقيّ والغربيّ حينها. وتوالى على قيادة "الأوركسترا" أكثر من مدرِّس، والفضل في نشْأَتها يعود للأستاذ "رامي درويش" الذي قادها لمدة أربعةِ أعوامٍ لاحقة، من ثمَّ تتالى العديدُ من المدرِّسين على تولِّي قيادتها، بعدما كانوا طلاباً في الكلية، مثل "داني قهوجي" و"جورج غرير"، وآخرهم كان "عمر زنكوان" الذي شاركتُ معه في حفلٍ أُقيمَ حينها على مسرح سينما "الكندي" سنة "2008"، وتراوحَ عددُ أعضاء الأوركسترا حينها بين ستين وسبعين فرداً، وضمَّت مزيجاً من الآلات الموسيقيّة الشرقيّة المعروفة، وبعض الآلات الغربية، مثل "الترومبون والباصون والترومبيت"، إضافةً إلى آلة "الهورن"، إلاَّ أنَّها لم تعدْ موجودة في الوقت الحالي لعدم وجود مدرِّسين مختصين بها ضمن الكلية».
من طالب إلى قائد أوركسترا
يتابع المايسترو "رمضان" حديثه لـ "مدونة الموسيقا" مستذكراً الفترة التي تسلَّم بها قيادة الفرقة، ويقول: «بعد عودتي من "فرنسا" عام 2015حيث تخصَّصت بالغناء الكورالي الغربي وحصلتُ على شهادة "الماجستير" فيه، التحقتُ بالعمل مجدَّداً في الكلية، وعملت على تأسيس فرقة الأوركسترا من الطلبة حصراً، فكلُّ الفرق السابقة تشكّلت من بعض المدرِّسين والطلاب. وأبصر المشروع النور سنة "2017"، وكان عدد أفرادها نحو "40" طالباً من العازفين ومغنِّي الكورال، قسَّمتُهم إلى فرقَتينِ منفصلتينِ لأكون قادراً على معرفة قدراتهم، واختيار المقطوعات الموسيقية لاحقاً بما يناسب تلك المقدرات، وأوليتُ مسؤولية تدريبهم إلى مدرِّسين متخصصينَ للإشراف عليهم، كلٌّ حسب اختصاصه. وبحكم تخصُّصي الدراسي وميولي نحو الموسيقا الغربية فقدْ حرصتُ على إدخالها ضمن برنامج كلِّ الحفلات الموسيقية التي أحييتُها الفرقة لاحقاً».
مسؤولية الفشل والنجاح
مسؤولية قائد الأوركسترا كبيرةٌ جداً، ومن مهامي وضعُ التدوين الكامل للنوتة الموسيقية والتوزيع الهارموني لها، إضافةً إلى توزيع أدوار العمل بين أفرادها آخذاً بالاعتبار المقدرات الفردية، والسعي لإضفاء روح جديدة على المقطوعة الموسيقيّة الأصلية، من خلال إشراكِ آلاتٍ موسيقيةٍ جديدةٍ لم تكن موجودة في زمن تأليفها، وبعض الاجتهادات الشخصية تتمّ من خلال تنظيم أعداد الآلات الموسيقية المشاركة ضمن المقطوعة وتقسيم المهام على العازفين. ما نقدِّمه لطلبتنا من تعليمٍ أكاديميٍّ وممارسةٍ مهنيةٍ يجعلهم مُهيّئين ليكونوا عازفينَ محترفين، يؤدونَ المقطوعة الموسيقية كما تُعزَف في كلِّ دول العالم حسب النوتة المكتوبة بها».
المؤسس الأول
التقتْ "مدونة الموسيقا" في الكلية الباحث الموسيقي والمايسترو "رامي درويش" مؤسّس أوّل فرقة أوركسترالية، الذي تحدَّث عن ذكريات التأسيس وآلية عمل "الأوركسترا"، قائلاً:
«بدايةً، يجب أنْ نشيرَ إلى أنَّ فرقة "الأوركسترا" بحدِّ ذاتها هي تشكيلٌ غربيٌّ خالص وضعَ أساسه الأوّل المؤلِّف الموسيقي العالمي "بيتهوفن"، وتتألف من أربعة أجزاء أو عائلات وفق مسمَّاها الأكاديمي، وهي: "عائلة الوتريات" وتتضمَّن آلات "الكمان والفيولا والكونترباص والتشيللو"، ونجدها تتصدر الواجهة في ترتيب الجلوس على المسرح، إضافةً إلى عائلة "النفخ الخشبي"، والمقصودُ بها الآلات المصنوعة بجوهرها من مادة الخشب وتتألَّف من "الفلوت والأوبوا والكلارينت والباصون"، وتلك العائلة مهمّتُها إضفاء الطابع الرومانسي على المقطوعة الموسيقيّة. العائلة الثالثة هي "النحاسيات" وتشمل آلات "الترومبيت والترومبون والتوبان"، أمَّا رابعها فهي عائلة "الإيقاع" وفيها نجد آلات "السنير والتيمبني والأكسيفون" وهذه الآلات بمجملها غربيةُ الطابع، ولهذه التشكيلات مهمةٌ أساسيّةٌ تتمثَّلُ بتنفيذ "الهارموني" مع "الميلودي" ضمن التوزيع الأوركسترالي. وأوَّل ما عملتُ عليه وقت مرحلة التأسيس إضافةُ عائلةٍ خامسةٍ لتشكيل الأوركسترا الأساسي تمثِّل ما نسميه آلات "التخت الشرقي" وتضم "العود والقانون والناي والرق"، ومن هنا جاءت تسمية الفرقة بمسمى "الأوركسترا الشرقية"، فأصبحتْ بذلكَ قادرةً على تنفيذ أيِّ عمل ذي توزيع أوركسترالي، إضافةً إلى الأعمال الموسيقيّة الشرقيّة ذات التوزيع الغربي، كأعمال "الرحابنة" ومنها أغنية "زهرة المدائن" مثالاً».
حضور داخلي وخارجي
يضيف "المايسترو درويش" قائلاً: «قدَّمنا في برامجنا الفنيّة أيضاً مجموعةً من الموشحات والأدوار بتوزيع أوركسترالي جديد، دون التأثير في هويتها التراثيّة الشرقيّة، وهذا جوهرُ عمل "الأوركسترا الشرقية" الذي يتجلَّى بدمج العلم الموسيقيّ مع الهوية التراثيّة. وذلك كلُّه عكسناه في جميع مشاركات الفرقة داخل "سورية" وخارجها، ومن أهمِّها "المهرجان الدولي للموسيقا الجامعية" الذي أُقيم في مدينة "مراكش" المغربية، والمنظَّم من قبل جامعة "القاضي عياض"، وشاركنا في دورتينِ منه عامي 2005 و2009، كما سجَّلتْ فرقة الأوركسترا الشرقية حضوراً في "مؤتمر ومهرجان الفن العربي المعاصر السابع" والذي أقامته "كلية الفنون الجميلة" التابعة لجامعة "اليرموك الخاصة" في "المملكة الأردنية عام "2010"».
ويتابع حول المشاركات الداخلية لـ "الأوركسترا الشرقيّة": «من جهة المشاركات الداخلية فقد شاركتِ الفرقةُ في مهرجانات وفعاليات محلِّية عدَّة، كمهرجان "حمص السنوي" سنة "2010"، و"مهرجان الثقافة الموسيقية السابع عشر" في العام ذاته، وقبله الدورتان الخامسة عشرة والسادسة عشرة للمهرجان. وهناك "فعاليات الموسم الثقافي" السابع والثامن توالياً الذي نظمته حينها "مطرانية الروم الكاثوليك" في مدينة "حمص". ومن المشاركات المحلية أيضاً أذكر "أسبوع القديس إيليان الحمصي الطبيب الشافي" في عامي "2009-2010" بدعوة موجَّهة من "مطرانية الروم الأرثوذكس"، وشاركْنَا في فعاليات "يوم المعاق العربي" التي نظَّمتها "جمعية الرجاء لرعاية المعوقين" سنة "2009"، وكان لفرقة الأوركسترا الشرقيّة حضورٌ في مدينة "دمشق" ضمن "المركز الثقافي الروسي" عام 2006».