بكثيرٍ من الحماس والدفء، وتفاعل عالٍ من الجمهور، أقامتْ مؤسسة "مبدعون من أجل وطن" في دار الأوبرا بدمشق حفل "انتصار وطن"، ضمَّ لوحاتٍ بصريّةً وعرض فيلم وثائقيّ قصيرٍ، كما ضمّ أمسيةً موسيقيةً أحيتها فرقة كورال "مبدعون" وكورال "سيدات جوى"، وأوركسترا "قصيد" بقيادة المايسترو "كمال سكيكر"، كتبت سيناريو الحفل بتول ورد، وأخرجه الدكتور عجاج سليم.
برنامج الحفل
حول الحفل الفنيّ الذي ضمّته الفعالية كان لـ "مدونة الموسيقا" هذه الوقفة مع المايسترو "كمال سكيكر" الذي تحدّث عن برنامج الحفل والأغنيات التي تمّ انتقاؤها بعناية لتجسّد معنى عنوانه "انتصار وطن"، عن ذلك يقول:
«اخترنا ما يمجّد سوريا وثقافتها وتراثها وطبيعتها الساحرة، وضمن هذا الإطار تحضرنا دائماً أغاني السيدة فيروز والقصائد الخالدة التي قدّمتها، ومنها "شام يا ذا السيف، سائليني يا شآم، قرأت مجدك"، إضافة إلى الأغاني الجميلة الخاصة بالثورة السورية المباركة، والتي تمجّد أيضاً الإنسان السوري العزيز الذي لا يرضى لكرامته أن تُهان، فشدونا أغنية "ارفع راسك فوق أنت سوريّ حرّ" وأغنية "بالحب بدنا نعمرها" و"جنة جنة"، وجميعنا حفظنا هذه الأغاني وردّدناها سابقاً لكن بقلوبنا فقط، خوفاً من بطش النظام المخلوع، لكننا اليوم نصدح بها بالفم الملآن وعلى رؤوس الأشهاد، فحمى الله سوريتنا المقدسة وحريتنا المباركة».
ويتابع: «تغنينا بوصف سوريتنا الحبيبة عبر أغنية "خضرة يا بلادي خضرة ورزقك فوار"، وكان لنا وقفة أيضاً مع موال "يا بني بلادك قلبك عطيها"، كما قدّمنا وصلةً من الأغاني التراثيّة السورية، فلكل محافظة في سورية تراثها الغني والمتنوع بحد ذاته من حيث المواضيع، وكانت هذه الوصلة بمنزلة باقة ملونة مؤلفة من أزهار بألوان مختلفة، وهنا يكمن جمال تراث سورية الغني والضارب في القدم».
استنهاض الهمم
يؤكد المايسترو "سكيكر" أن جميع من شاركوا كانت غايتهم نجاح الحفل وإيصال رسالة مفادها أن الثقافة الفنية ركنٌ مهم في أي مجتمع، وهي مرآته بين المجتمعات الأخرى، مؤكداً أنّهم شاركوا بشكل تطوعي ومجاني، يقول: «أتوجّه بالشكر لجميع من شارك بإنجاز هذا العمل الفنيّ الرائع والمتكامل وبشكل تطوعيّ وبدون مقابل مادي، من موسيقيين ومغنيّ كورال ومخرجين وكتاب سيناريو، إضافة إلى كوادر مؤسسة "مبدعون من أجل وطن"».
وحول التأثير الذي تمتلكه الموسيقا في استنهاض الهمم يقول: «دائماً كانت الكلمة هي صاحبة التأثير القوي على البشر ككل، فما بالك إذا كانت الكلمة مُلحّنة؟ فبتلحين الكلمة يتعمّق المعنى ويوضّح حسياً، وبالأداء الموسيقي يتمّ إيصال المعنى إلى المتلقي. وتاريخياً كانت الكلمة المغناة تستنهض الهمم وتقويها، وتتغنى بكرامة الإنسان وتُفاخر بها، والموسيقا رديفة الكلمة وصديقتها فلها ما للكلمة من تأثير».
وفيما يتعلق بدفء تفاعل الحضور مع ما قُدّم في الحفل، يؤكّد أنّ قرب الأعمال الغنائيّة التي تم تقديمها من روح الجمهور ومزاجه أوجد تفاعلاً كبيراً مع الموسيقا، مشيراً إلى أنه «عندما يكون هذا التفاعل إيجابياً بين الفنان والمتلقي نكون قد وصلنا إلى الغاية التي نرجوها من العرض، وهي التعبير عن مزاج وثقافة الجمهور المستمع».
أجواء التدريب
كيف كانت أجواء التدريب مع كورالي "مبدعون" و"سيدات جوى" خاصة أنّ كلاً منهما من شريحة عمرية مختلفة عن الآخر؟.. يجيب: «بسبب العدد الكبير للمشاركين من كورالي "مبدعون" و"سيدات جوى"، والذي يتجاوز ستين مغنياً ومغنية، كان من الصعب أنْ تتمَّ التدريبات في وقت واحد، فاعتمدنا تدريب كل مجموعة على حدة، وعندما تم الحفظ بشكل جيد انتقلنا للتدريب في دار الأوبرا السورية، والتي تضمّ قاعاتٍ تتسع لهذا العدد الضخم من المغنين، واللافت أن كورال "سيدات جوى" يضمّ شريحة عمرية متقدمة، فالأعمار تتراوح بين الستين والثمانين سنة. بينما كورال "مبدعون" من فئة الشباب، وهنا كان المزيج المميز، حيث أعطت السيدات الوقار والجدية للعمل، بينما شباب "مبدعون" أعطوه القوة والرشاقة والاندفاع، وفي النهاية حصلنا على مزيج من القوة المتزنة الأنيقة في الأداء العام للغناء».
وعن التوزيع الموسيقي للأغنيات، يقول: «يعتمد التوزيع الموسيقي على الفكرة المراد إيصالها من خلال العمل المُقدّم. وتقصّدت إبقاء اللحن الغنائي الكورالي كما هو "صوت واحد" للحفاظ على نكهته ولونه، باستثناء بعض الأماكن التي أدخلتُ فيها صوتاً غنائياً آخر لتدعيم اللحن وإظهاره بأبهى حلة. وفيما يتعلق بالتوزيع الموسيقيّ بين الآلات فتمّ بناء أرضية هارمونية مدروسة مصاحبة للحن الرئيس بغية تعميق اللحن والمساهمة بتصويره صوتياً».
كورالان مُبدعان
وعن الأنشطة الموسيقية لمؤسسة "مبدعون من أجل وطن"، والتي يشغل فيها المايسترو "كمال سكيكر" منصب رئيس اللجنة الموسيقية، يؤكد أن المؤسسة ترعى المبدعين وتسهم في صناعة المبدع وتحفيزه ودعمه بشتى الوسائل المُمكنة. وحول كورال "مبدعون" يقول: «هو إحدى ثمارها، وتم تشكيله منذ عام تقريباً والإشراف على تدريبه والوقوف على احتياجاته الفنية واللوجستية، الأمر الذي جعله قادراً على إحياء حفل ضخم كحفل "انتصار وطن"».
أما كورال "سيدات جوى" الذي يتولى تدريبه حالياً فيشير إلى أنه يتألف من سيدات وقورات ينتمين إلى فئة عمرية متقدمة، هن سيدات يعشقن الفن والموسيقا والغناء ويواظبن على التمرين، ويمولّن مشروع كورال "جوى" على نفقتهن الخاصة، مؤكداً أنه خلال مسيرته معهن -والتي لم تتجاوز ستة أشهر- أنجزن أعمالاً غنائية كثيرة، وهذه الأعمال ستُقدم في حفل قادم وخاص بكورال "سيدات جوى".
تدريبات مكثفة
الموسيقي "فراس حوشان" الذي يشغل منصب رئيس فرع دمشق لنقابة الفنانين، عزف مع الأوركسترا في الحفل وأكد خلال حديثه لـ "مدونة الموسيقا" خصوصية وأهمية العمل الذي تم تقديمه، يقول: «هو العمل الأول لنا بعد التحرير، ويُعد باكورة الأعمال الشرقية، وقدمنا خلاله أغاني سورية تفاعل معها الجمهور بشكل رائع، وأرى أن إقامة الحفل تدعم إحياء الثقافة واستمرارها».
أما "فاتن منصور" من كورال "مبدعون" فأكدت أنّ التدريبات كانت طويلة ومكثّفة ولكنها مُمتعة ولم يشعروا فيها بالتعب أو الإجهاد، فالحدث كان فيه فرح، هو فرح البلد كلها، وظهرت النتيجة بشكل مرضٍ، وجاء الجهد المبذول على قدر النتائج، مشيرةً إلى أن الأغاني التي قُدّمت في الحفل نبعت خصوصيتها من خصوصية الحالة التي يعيشها البلد بشكل عام، من حالة الانفراج والحرية والقدرة على التعبير.
حلم تحقق
"هدى خرسا" من كورال "سيدات جوى" قالت: «أعضاء الكورال سيدات تتراوح أعمارهن بين 60 و80 سنة، بدأنا في الكورال عام 2010 وكان يدرّبنا المايسترو حسام بريمو، وبعد وفاته دربت الكورال المايسترو غادة حرب، ثمّ هبه فاهمة وقد سافرتا. واليوم نتدرب مع المايسترو "كمال سكيكر" وهو يعمل بشغف وحب وكان رائعاً معنا، وأخرج أجمل ما لدينا في الحفل. وهي المرّة الأولى التي نصعد فيها على خشبة مسرح دار الأوبرا، والتي كانت بالنسبة إلينا بمنزلة حلم قد تحقق؛ لأننا كنا نقيم حفلاتنا في المراكز الثقافية».
وفيما يتعلق بحالة الانسجام في الأداء بين الكورالين توضح "خرسا" أن المايسترو "سكيكر" كان ينظم الأمر بشكل جميل بين أصوات السيدات والشباب والصبايا في كلا الكورالين، أما الأغنيات التي قدّموها فتجدها مناسبةً لحفل انتصار وطن. وتنهي كلامها بالقول: «كنا في كورال "سيدات جوى" نغني من التراث فقط، لـ "أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب.." وغيرهما، وكان الهدف تقديم الفن الملتزم الرصين؛ لأنه يرفع من مستوى المجتمع، فعندما كبر أولادنا وجدنا فسحة لنفرح ونوزع فرحاً».