تعيد "مدونة الموسيقا"، وفي إطار محاولتها لحفظ الذاكرة الموسيقيّة السوريّة، ولملمة المبعثر والمتناثر منها، إحياءَ ونشر العديد من المواد المنشورة منذ أعوام على مدونة وطن eSyria مدعّمة بفيديوهات صوّرها فريقُ عمل المدونة آنذاك، ولم تنشر لأسباب فنيّة.
صوت طروب شجيّ من الأصوات الشابة التي أنجبتها مدينة القدود والموشحات، بيئة ثقافية تقدر معنى الفن الراقي، ووئام يجمع أفراد هذه الأسرة التي تفخر بأبنائها وبما وصلوا إليه من درجات العلم. هو صوت الشابّة "تسنيم سواس" التي التقاها موقع eSyria لتتحدّث عن تجربتها وتطلعنا على أبرز الخطوات التي قادتها للفن ووضعتها على طريقه. تقول "تسنيم":
«نشأتُ في جو أسري هادئ وثقافي بالدرجة الأولى، يحترم الفن ويقدّر كل التجارب المحترمة التي تظهر، فوالدي مدرسٌ للغة العربية ووالدتي مدرسة للغة الإنكليزية، اكتشفا موهبتي منذ سن الخامسة. وهنا بدأ والدي بتحفيظي بعض الأغاني للسيدة "فيروز" وأولها أغنية "طريق النحل"».
في عمر التاسعة انتسبت "تسنيم" لمعهد "صباح فخري" وكما هو معروف لا يوجد قسم لتعليم الغناء الشرقي فتعلمت حسب نصيحة والدها على آلة "العود"؛ لأنها أنسب الآلات لمرافقة الغناء، وفعلاً كان ذلك: «بدأت التعلم على يدي الأستاذ "عبد الباسط بكار" الذي استفدت منه أيما استفادة، وكان لنا بمنزلة الأب العطوف وأكثر من مدرس للمادة، ثمّ تابعت تعلمي لكني توقفت في سنتي الشهادات الإعدادية والثانوية ما جعلني أتأخر سنتين في التخرج».
خلال هذه الدراسة شكل الأستاذ "عبد الباسط" الكورال الشرقي وكانت "زين ألتنجي" هي من أول الأفراد المؤسسين لها، فانضمت "تسنيم" لهم مع نخبة كبيرة من الشباب: «عملنا فترة من الزمن قبل أن يتم تقليص الكورال عام /2009/ لأنه كان يحوي عدداً كبيراً من الأطفال واليافعين من مختلف الأعمار، فاقتصر الناتج على فرقة "رباعي معهد صباح فخري" ومؤلفة من رفاقي "زين ألتنجي"، "محمد طيفور"، "حازم شريف" وأنا، وكانت تلك الفرقة أولى التزاماتنا الفعلية ببرامج غناء منظمة وجماعية، كنا نتدرب عليها معاً بإشراف شخصي وحصري من الأستاذ "عبد الباسط"».
وبالتزامن مع ذلك اقترح والد "تسنيم" على الفنان "عبد الباسط بكار" أن يلحّنَ لها قصيدة من نظم صديقه الشاعر الذي لقب نفسه (شاعر البراري) بعنوان "كيف أنسى؟": «وتكرّرت التجربة مع قصيدة أخرى بعنوان "عهدنا" فلحنهما الأستاذ "عبد الباسط" وكانت أولى أغانيّ الخاصة التي أفتخر بها؛ لأنها تحاكي بمفرداتها وجميل لحنها زمن الفن الملتزم والجميل».
وعن مشاركاتها والحفلات التي غنّت فيها تضيف "تسنيم": «كانت مشاركاتي - وحسب رغبتي وطبيعة نهجي- مقتصرة على الحفلات الثقافية التي ترعاها جهات حكومية أو ربما خاصة، فالمهم فيها نوعية الحضور ومستوى الغناء الذي أقدّمه، فشاركتُ بناءً على ذلك في الحفلات التي تقيمها مديريات الثقافة في مختلف المحافظات السورية سواء ضمن الكورال الكبير أو ضمن فرقة المعهد، أما بالنسبة للمشاركات الفردية فقد كانت أولها في حفل تكريم للملحن الراحل "شاكر بريخان" عام /2009/؛ إذ غنيت أغنيتين من ألحانه للفنانة "فاتن حناوي". كما مثّلتُ سورية في مهرجان "المالوف" في الجزائر في العام /2010/ مع فرقة "أورنينا" بقيادة الأستاذ "محمد قدري دلال". وفي دمشق أيضاً وعلى مسرح الحمراء غنيت بقيادة الفنان "عبد الحليم حريري" في فرفته "نغم" في حفل أقيم بمناسبة عيد الأم عام /2010/. والحفلات الثقافية محدودة نسبياً، وقد تكون موجودة فعلاً، إنما كثرة الهواة الذين يحترمون الفن لأجل الفن تحول دون كثرة الفرص المقدّمة لكلٍّ منهم، وهذا هو السبب الذي يحد بشكل أو بآخر من مشاركات كل واحد منهم».
وعن نيتها في الاحتراف مستقبلاً أجابت: «أنا أخاف جداً من هذه الكلمة؛ لأني لا أتصور نفسي وأنا أغني لقاء أجر مادي لأني بذلك أضع نفسي بين مطرقة الذوق الشعبي وسندان التنازلات، ولذلك لا أفكر أبداً بالاحتراف في هذه الظروف. هذا بما يخصّ الاحتراف بمفهومه المتداول اليوم، إلا أنني أفكر به بصيغة أخرى وهي أن أستمرّ في نهج الغناء الثقافي والتراثي القديم بالرغم من عقبات كثيرة أيقنت بأنها تنتظرني، وأبرزها غياب شركات الإنتاج الداعمة للهواة الذين يغنون بأصواتهم فقط، إضافة إلى ارتفاع تكلفة الإنتاج الخاص وغياب المردود في حال تم هذا الإنتاج، فالدعم الإعلامي هو ركيزة الفن الأولى اليوم وما زال الإعلام، وخاصة المحلي منه مقصراً بشكل كبير، نرى الآن قنوات سورية فضائية لكنها لم تلعب الدور المنوط بها في دعم الأغنية السورية وبثها أو تقديم تسهيلات مادية لذلك، فهي إن قامت بذلك تخدم الوطن كله ولا يقتصر النفع على الفنان وحده أبداً، ولا بدّ من الإشارة إلى أنّ الحفلات الثقافية المتزايدة تلعب اليوم دوراً محورياً ومهمّاً على الأقل محلياً لدعم الحركة الفنية، لكنّ هذا الدعم لا يكفي في ظل القنوات الفضائية والأساليب الإعلامية المتطورة».
ولا بدّ من الإشارة إلى أن "تسنيم" من مواليد "حلب" عام /1991/. طالبة في كلية التربية قسم "الإرشاد النفسي" سنة ثانية. ولديها أربع أخوات. الكبيرة "واحة" وهي تدرس دكتوراه في اللغة الإنكليزية في بريطانيا. والأصغر منها "ماسة" وهي تدرس الصحافة في جامعة "دمشق". ومن ثم "أصالة" وهي خريجة "أدب إنكليزي" ومن بعدهم تأتي "تسنيم"، ثم الصغيرة "أسوة" في الصف التاسع.