من منا إلا ويردّد شارات "الرسوم المتحركة" التي تربّينا عليها ونعاود مشاهدتها حتى الآن كلّما عُرضت من جديد. ومن منا لم يحاول تقليد "غريندايزر" يوماً ويردد الشارة الشهيرة "علًي علًي بطل فليد" التي غناها الفنان "سامي كلارك". وتتوالى الذكريات والأعمال عربياً بما فيها شارات مسلسلات "سندباد، ساندي بل، فلونة، سنان، بسيط، السنافر، عدنان ولينا، مغامرات توم سوير، أبو الحروف في برنامج المناهل، برنامج افتح يا سمسم".

التجربة في سورية

كان لشارات أفلام "الرسوم المتحركة" في سوريا حديثٌ آخر ليس من ناحية الصوت والغناء والألحان فقط، بل من حيث التأثير الذي تركته والقيم التي تربّت عليها أجيالٌ. حيث بدأت هذه الأغاني نهاية سبعينيات القرن الماضي، وكان العصر الذهبي لها في نهاية الثمانينيات والتسعينيات، حيث شهدت التسعينيات إنشاء قنوات تلفزيونية متخصصة ببرامج الأطفال وإنتاج الرسوم المتحركة.

ومن الشارات الراسخة في الذاكرة أغنية "في قصص الشعوب" للفنانة "أصالة نصري"، وتتر مسلسل "حكايات عالمية"، ضمن هذا الإطار نذكر المسلسل السوري الشهير "كان يا ما كان" ولم يكن "كرتونياً"، وجمع نخبة من أهم ممثلي سوريا.

عاصم سكر

اعتمدت شارات "الرسوم المتحركة" في سوريا على مسلسلات "الإينمي اليابانية"، حيث تمت دبلجة هذه المسلسلات للغة العربية، أمّا الشارات فكانت إما تترجم بما يتناسب مع قيم المجتمع العربي والمفاهيم التربوية للأطفال، أو تؤلف بكلمات جديدة تتناسب مع المحتوى المقدم في المسلسل. ومن أشهر المغنين الذين برزت أسماؤهم في غناء شارات "الرسوم المتحركة": طارق العربي طرقان، رشا رزق، سونيا بيطار، عنان الخياط، هالة الصباغ، عاصم سكر.

أغنيات في الوجدان

قدّم الفنان "طارق العربي طرقان" الكثير من الأعمال في هذا المجال كمؤلف ومغن وملحن سوري من أصول جزائرية ومن أعماله: "صقور الأرض، فرسان الفضاء، الماسة الزرقاء، موكا موكا، سونك، يا طيبة، سلاحف النينجا، أمي تلون عمري، ساندوكان، وديلي سلامي، ماشي بنور الله، في جعبتي حكاية، الله يا مولانا، أغاني فلة، الآن سنبدأ، لا تبالي، كونان، سنوبي، المحترفون، هزيم الرعد".

الفنان عاصم سكر

ومن أعماله التي كتبها أيضاً شارة مسلسل "هزيم الرعد" وغناها الفنان "عاصم سكر"، وما أعطى هذه الأغنية أهميتها واستمراريتها أن المؤلف كتبها للانتفاضة الفلسطينية الثانية، وكان يعني فيها "فلسطين" حين قال: "أبرِقي، أرعِدي أبطَالاً وعَدُوُّكِ أنْبَلَ وَعد، جَاؤوكِ بِصَوتِ الحَقِّ الهادِرِ كهَزيمِ الرَعْدْ، بسيوف أقوى من نار، عرفت كيف الرد،.."

أما شارة مسلسل "ماوكلي" التي تقول: "في الغابة قانون يسري في كل مكان، قانون أهمله البشر ونسوه الآن، إخلاص حب دافئ عيش فطري هانئ، لا ظلم ولا خوف ولا غدر ولا أحزان". فلم تكن مجرد تتر لمسلسل "كرتوني"، بل كانت من الأغاني التي شكلت وجدان الطفل العربي في تلك الفترة، ولا تزال تردد إلى هذه اللحظة.

الشاعر قحطان بيرقدار

ومن الأغاني التي حفرتْ في الذاكرة أيضاً شارة مسلسل "صقور الأرض" أو ما يسمى "صراع الجبابرة" والتي غناها الفنان "عاصم سكر" فأضاف إليها بصوته قيمة فنية فكأنّها أشبه بأغنية ملحمية، تقول كلماتها: "شرف الوطن أغلى منا ومن ما قد يجول بفكرنا في أي زمن، شرف الوطن هو أرضي.. شرف الوطن قبلي وبعدي، شرف الوطن مرآة مجدي سيفي ورمحي في وجه المحن".

الصوت المؤثر

شهدت شارات "الرسوم المتحركة" تراجعاً مع حضور "اليوتيوب والسوشيال ميديا والمنصات الرقمية"، خاصة أن البث عبر "المنصات الرقمية" لا يحتاج إلى تكاليف إنتاج، عن ذلك يقول الفنان "عاصم سكر" في حديثه لـ "مدونة الموسيقا":

«لن تتكرر فترة التسعينيات الذهبية لأسباب عدّة، من أهمها وجود "السوشيال ميديا" حالياً والتي سرقت الأطفال من عالمهم البريء إلى عوالم خطيرة ومؤذية، أما في السابق فكان التلفزيون هو المُشاهَد الوحيد، ومن هنا كانت الرسائل الاجتماعيّة والأخلاقيّة والتربويّة تبث عبر أفلام "الرسوم المتحركة" ليتلقفها الطفل بكل حواسه أما اليوم فللأسف التلفزيون لم يعد مُشاهداً».

ويتابع: «حرصت قناة "سبيس تون" عبر تاريخها أن تعزز اللغة العربية والأخلاق والقيم من خلال "مسلسلات الكرتون"، وقامت بتعديل الكثير من المشاهد التي لا تلائم مجتمعاتنا، ونحن من خلال الموسيقا والغناء أيضاً تابعنا النهج نفسه من خلال بث رسائل حب الوطن والصدق والوفاء وكل القيم الإنسانية».

وإن كان الفنان يحتاج لأن يغيّر صوته خلال غنائه شارة مسلسل للأطفال، يقول: «بالنسبة لغنائي شارات مثل "صقور الأرض، دراغون بول، هزيم الرعد.." لم يكن هناك أي تغييرات صوتية أبداً، بل هو أداء وإحساس عالٍ لكل شارة بما يتناسب مع موضوعها». وفيما يتعلق بالإمكانيات التي ينبغي أن يتحلى بها من يقدّم شارة مسلسل "رسوم متحركة"، يقول: «ينبغي على المغني أن يمتلك صوتاً مناسباً لموضوع الشارة، فهناك أصواتٌ قويّة وحماسية وهناك أصوات رومانسية وهادئة ولكل شارة نصيب من هذه الأصوات، ومما لا شك فيه أنه ينبغي على المغني امتلاك الصوت الجميل والمؤثر ليصل إلى قلوب الأطفال».

العصر الذهبي

شاعر الأطفال ومؤلف العديد من شارات أفلام "الرسوم المتحركة" فضلاً عن إدارته مجلة "أسامة" المتخصصة بالأطفال الشاعر "قحطان بيرقدار" تحدث لـ "مدونة الموسيقا" عن الشارات وتاريخها وتطورها ومستقبلها، قائلاً:

«يعتبر العصر الذهبي لشارات "الرسوم المتحركة" نهاية التسعينيات وبداية الألفينيات، ولكن إن أردنا أن نكون أكثر دقة فهذه الشارات أقدم من ذلك، وهنالك عصر ذهبي هو أكثر أحقية يعود لفترة نهاية السبعينيات والثمانينات أيضاً، حيث كانت تتم دبلجة أفلام "الرسوم المتحركة" اليابانية والروسية والأمريكية وفق معايير المجتمع العربي، وتُبث على القنوات العربية بشكل عام قبل انتشار الفضائيات كمسلسلات "عدنان ولينا، فلونة، هايدي، توم سوير"، وحتى "افتح يا سمسم"، وبالنسبة إليّ فإن هذا العصر هو الذهبي، ومن هنا بدأ، فكان لدينا شعراء تكتب بشكل جميل مع مراعاة الوزن الشعري واللغة السليمة والقيم الموجودة في الفيلم، وكذلك كان هنالك ملحنون كبار من كلّ أنحاء الوطن العربي مثل "حسين نازك" وآخرين».

ويشير إلى أنه كان يتمّ العمل على هذه الأعمال في دول "مجلس التعاون الخليجي" وفي "الأردن" بمشاركة عربية من مختلف أنحاء الوطن العربي. مؤكداً أن برنامج "افتح يا سمسم" قدّم أغانٍ رائعة، واستمرّ العطاء فترة التسعينيات وأصبح هناك تطور أكبر خاصة بداية الألفينيات بعد انتشار الفضائيات، حيث ظهرت الكثير من قنوات الأطفال التلفزيونية. ويتابع: «فترة السبعينيات والألفينات ازدهرت أغاني الأطفال، وكان العمل منهجياً ومدروساً وفيه أمانة في مخاطبة الطفل من جميع النواحي الفنية والتربوية والجمالية، ونتمنى أن تتكرر هذه الفترة الذهبية رغم قلة إنتاج أفلام "الرسوم المتحركة" في الوطن العربي».

يتمنى "بيرقدار" عودة الاهتمام بشارات أغاني "الرسوم المتحركة" وأغاني الأطفال عموماً، منبهاً من انحسارها في الفترة الأخيرة على صعيد الفضائيات، في حين تقدم قنوات على "اليوتيوب" أغاني متنوعة، يرى أن القليل منها يعمل بحرفية ودقة والكثير منها يعمل بأسلوب تجاري غير مدروس.

كتابة فنية عالية

يتحدث الشاعر "قحطان بيرقدار" عن تجربته في مجال كتابة شارات أغاني الأطفال وأغاني الأطفال عموماً، يقول:

«كانت هذه التجربة بمنزلة امتداد كوني أكتب الشعر ولدي مجموعات شعرية، وتوجهت من عام 2000 تقريباً نحو الكتابة للأطفال عن طرق دار نشر ثم عبر إحدى القنوات التلفزيونية المختصة بالأطفال، وتولّدت لدي الخبرة الكتابية سواء عن طريق احتكاكي بالملحنين أو مخرجي أفلام "الرسوم المتحركة" ومخرجي الفيديو كليبات للأطفال، فأغنية الطفل ليست قيماً وإرشادات ووعظاً فقط، وإنما ينبغي أن نأتي بحكاية لطيفة للطفل ومن خلالها نقدّم القيمة التربوية، وركّزتُ على موضوع "الحكاية" أو "الموقف الدرامي البسيط" أو "المشاهد البصرية المتحركة"، وأنا أشعر بالرضا عن ذاتي كوني تمكنت من أن أقدم للطفل نصاً متكاملاً، سليم الوزن العروضي وسليماً من ناحية القوافي، وسليم لغوياً ويمتاز بلغة سهلة».

حول كيف تُكتب الشارة، يقول: «عندما يكون لدينا مسلسل متعدد الحلقات ونريد وضع شارة غنائية فهذا المسلسل بالتأكيد يحتوي على فكرة عامة ونحن نركز بالشارة على هذه الفكرة وعلى أبطال العمل وأبرز الأحداث، وهو ليس بالأمر السهل ويتطلب كتابة فنية عالية من كل النواحي "كلمات ولحن وأداء". أما فيما يتعلق بالترجمة فكنا نترجم الشارة أحياناً بلغتها الأصلية ونحاول إبقاء اللحن الأصلي ونكتب عليه كلاماً يناسب اللحن وبما يتماشى مع قيم وأعراف المجتمع العربي كما كنا في بعض الأحيان لا نستخدم الشارة الأصلية ونؤلف شارة وأغاني تبث داخل الحلقات»

ويتابع: «هذه الأغاني حفظها الجيل وبقيت في ذاكرتهم لسنوات طويلة من فترة الثمانينيات والتسعينيات وحتى الآن ومن هنا تكون مسؤوليتنا كبيرة ومضاعفة، حيث إننا مسؤولون عن الكلمة واللحن والأداء الجيد، ونضع في الاعتبار أننا نقوم بدور تربوي توجيهي إرشادي إضافة للدور الجمالي حيث ننمي الذائقة الجمالية لدى الطفل، إضافة إلى الدور الترفيهي وكلّ هذه الأمور تؤخذ بعين الاعتبار لدى الكتابة للطفل»