"للشهداء ولمجد سوريا" عنوانٌ اختزل ملحمةً بصريةً وموسيقيةً حقيقيّة جُسّدتْ على مسرح "دار الأوبرا" بدمشق بحفل موسيقيّ أُقيم يوم الخميس الأخير من شهر كانون الأول "2025"، وجاء الحفل بمبادرة وتطوّع من عازفي الفرقة "السمفونية الوطنية السوريّة"، وقُدّمت فيه أربع مقطوعات موسيقيّة بمدة لم تتجاوز الساعة الزمنية، لكنّها اختصرت تاريخاً من الثورة السوريّة وصولاً للنصر والحلم والبدء ببناء سوريا الحرة.

مبادرة تطوّعية

اختيارُ المقطوعات وتتالي الإيقاع كان مدروساً، في حفل هو الأوّل للفرقة "السمفونية الوطنية السورية" بعد التحرير، واللافت الحضور الذي لم يكن مستمعاً فقط، وإنما متفاعلٌ منذ بدء الوقوف دقيقة الصمت إلى النهاية. ومع انطلاق عزف مقطوعة القدر ارتفعتْ أجهزة "الموبايل" في المسرح مضاءةً وكأنّها شموعٌ في مشهد بصري تناغم مع اللوحات البصرية التي كانت تُعرض على شاشة المسرح.

وحول انطلاق فكرة إقامة الحفل بمبادرة تطوعية تحدّثتْ العازفة الأولى في الفرقة "رزان قصار" لـ "مدونة الموسيقا" قائلة: «بعد سقوط النظام بأيامٍ بدأتِ المؤسسات والوزارات بالعمل تباعاً ما عدا وزارةُ الثقافة والمؤسسات التابعة لها، مثل "دار الأوبرا" التي تقوم بإنتاج وتمويل الحفلات الموسيقية على مسارحها، فأجمعْنا نحن الموسيقيين على ضرورة إقامة حفل موسيقيّ "وبالمجان" للفرقة "السمفونية الوطنية السورية"، وكان الهاجس واحداً عند جميع أعضاء الفرقة والضيوف العازفين والطلاب المشاركين بضرورة عودة الحركة الفنية لحضن "دار الأوبرا" سعياً في استمرار نشر الفن الراقي لمجتمعنا الواعي والمحبّ للثقافة والفنون».

الفرقة السمفونية الوطنية السورية، حفل للشهداء ولمجد سوريا

وتتابع: «بدأنا تدريباتنا مع المايسترو "ميساك باغبودريان"، وكان لرغبة وزيرة الثقافة الدكتورة "ديالا بركات" في إقامة حفل موسيقي بموعد قريب دورٌ كبيرٌ في اختيار التاريخ، فنظمنا جدول تدريبات مكثفاً لنصل إلى يوم الحفل مستعدّين لتقديم أمسية موسيقية تليق بالجمهور».

اختيار مدروس

وعن آلية اختيار المقطوعات الموسيقية للحفل، تقول: «تم طرح عدد من المقطوعات الموسيقيّة ومناقشتها مع بعض أعضاء الأوركسترا والمايسترو "ميساك باغبودريان"، وتدرّبنا على عدد منها للوصول إلى الخيارات النهائية، حيث ارتأينا أنْ نبدأَ حفلنا بدقيقة صمت لأرواح الشهداء تليها مقطوعةٌ للمؤلّف "غريك" بعنوان "موت أوسيه" "la mort d Ase"، وهي مقطوعة بطيئة للوتريات تعبر عن الحزن الشديد، لنقدّم بعدها مقطوعةً للمؤلف السوري "عاصم مكارم" بعنوان "الدوامة"، وربطناها مع حالة الاعتقال والتغييب القسري ومعاناة الإنسان خلف القضبان، فيأتي القدر بالقطعة الثالثة ليغير مصيرنا ونعزف "السمفونية الخامسة" لـ "بيتهوفن" بحركاتها الأربع التي تُختتم بألحان الفخر والنصر، وننهي حفلنا بمقطوعة لـ "تشايكوفسكي" بعنوان "خطوات" "pas bde deux" فنخطو فيها معاً لبناء سوريا، لأننا كلنا أمل بالمستقبل الجميل لبلدنا».

الفرقة السمفونية الوطنية السورية، حفل للشهداء ولمجد سوريا

فيما يتعلق بتفاعل الحضور، قالت: «بصراحة لم نتفاجأ بإقبال الجمهور على الحفلة، لأن جمهور "دار الأوبرا" دائماً حاضرٌ ومتعطّش لما نقدّمه من أمسيات موسيقيّة للفرقة "السمفونية الوطنية السورية"، فمسارح "دار الأوبرا" المكتملة بالحضور تشهد على ذلك، ولم يسبق لنا أن توقفنا عن تقديم الحفلات لفترة طويلة، فكان شوق اللقاء كبيراً بيننا. ولكنْ استقبال الجمهور وتصفيقه الحار والطويل لنا عند دخولنا إلى المسرح كان مفاجئاً بزخمه وحيويته ومحبته، ما دفع أعضاء الفرقة للعزف بأقصى طاقة وتركيز».

الرؤية البصرية

ترافق الحفل بعرض بصري تميّز بدقة اختيار الصور التي كانت حقيقيّة لمراحل الثورة السوريّة من كتابات الحائط "سورية بدا حرية" إلى صور التهجير فرفع علم الثورة والنصر. عن ذلك تقول "رزان قصار": «كنا سعداء بتطوّع العديد من الأصدقاء معنا من مختلف الاختصاصات غير الموسيقيّة، فقد أسهموا في نجاح الحفل، ومنهم المبدعة "نادين الهبل" التي وضعتْ خبرتها وعملها الاحترافي في خدمة مبادرتنا وأسهمتْ معنا في إنجاح الحفل، حيث عملنا معاً على تحديد رؤية معينة لكل مقطوعة حسب ما تعبر عنه، وعملت جاهدة بوقت قياسي لتجهيز الصور وفق هذه الرؤية وضبط عرضها بوقت متزامن مع العزف أثناء الحفل، أي أنّ تغيير الصور كان مدروساً حسب كل جزء من المقطوعة الموسيقية».

الفرقة السمفونية الوطنية السورية، حفل للشهداء ولمجد سوريا

دور ريادي

عازف "آلة الهورن" الموسيقي "فؤاد شلغين" تحدث لـ "مدونة الموسيقا" عن مشاركته في الحفل، قائلاً: «جاءتْ فكرة المبادرة لحفل الفرقة السمفونية من بعض الخريجين وبمتابعة حثيثة من عازفة الكمان الأولى في الفرقة السيدة "رزان قصار"، بغية التعريف بالأوركسترا، واستمرار عملها بعد أسابيع من التوقف عن النشاطات الفنيّة، والتأكيد على الدور الريادي لها كأحد أهم الروافد الفنية في المشهد الثقافي السوري. وكان تفاعل الجمهور مفاجئاً بزخمه وحيويته ومحبته بشكل فاجأ أعضاء الفرقة».

وعن اختيار المقطوعات الموسيقيّة أكّد أنّه تم اختيارها بالتنسيق والمشاورة بين المايسترو والمبادرين للحفل الذي كان تطوعياً من الجميع. وفيما يتعلق بعرض الصور ضمن إطار بصري على الشاشة أشار إلى أن تنسيقها ترافق بعدد من العبارات التي تمت المشاورة حولها مع بعض العازفين أصحاب المبادرة، وحرص الجميع من عازفين ومايسترو وإخراج وكوادر فنية أن تكون جميع عناصر الحفل منسجمةً ومتآلفةً للوصول إلى نتيجة مرضية ومشرفة.