نادراً ما نجد آلة موسيقية شرقية ضمن أوركسترا تعزف الأعمال الموسيقية الغربية، وإن وجدت فهي تُقدم دوراً كُتب لها، مما يطرح تساؤلات حول ما تمتلكه الآلات الشرقية "العود، القانون، الناي، البزق،.." من امكانيات لعزف اللحن الغربي، وهل يمكنها عزف أية مقطوعة؟ وأين تكمن خصوصية عزف اللحن الغربي على آلة شرقية؟ وكيف تتم آلية تنويطه؟ وهل هناك ارتجالات وزخارف موسيقية في اللحن الغربي كحال الموسيقا الشرقي؟.

خبرة ومهارة

حول إن كانت هناك صعوبات في تنويط اللحن الغربي ليتم عزفه على الآلة الشرقية، يقول عازف آلة "الكلارينيت" الموسيقي "باسم صالحة": «بإمكان الآلة الشرقية عزف اللحن الغربي، ويُنوّط كما هو ولكن حسب الآلة الشرقية التي يتم العزف عليها وإن كانت تقرأ مفتاحاً خاصاً، ولكن وأغلبها تكون على مفتاح "صول"، كما ينبغي أن يمتلك عازف الآلة الشرقية خبرة ومهارة ليستطيع عزف اللحن الغربي الذي يمكن أن يكون سوناتا أو كونشرتو بمرافقة الأوركسترا أو يكون قالب روندو أو لحن مع تنويعات».

أما الموسيقي "ماهر عامر" عازف "الناي والكولة والمزود" فيميّز بين الأوركسترا الغربية والأخرى الشرقية، مشيراً إلى أن لكل منهما آلات موسيقية متناسبة مع طبيعتهما، ولكن في حال عزف الآلة الشرقية ضمن أوركسترا غربية فيمكن أن يقوم الملحن أو الموزع الموسيقي بإعداد فقرة "صولو" خاصة بها بحيث يغير الجملة اللحنية للشرقي.

الموسيقي وعازف الناي ماهر عامر

وحول إن كانت الآلات الموسيقية الشرقية كلها تستطيع عزف أية مقطوعة غربية، يقول "عامر": «يعود الأمر في ذلك لمن يكتب القطعة، وإن كان قادراً على الكتابة بما يتناسب مع هذه الآلة بشكل صحيح، كما أن لكل آلة مساحتها». مؤكداً أنه كما في الموسيقا الشرقية هناك ارتجالات كذلك الأمر في الموسيقا الغربية، ومثال ذلك ما يُقدمه "ياني".

محاولات خجولة

يتحدث الموسيقي وعازف العود "حسين علان" عن إمكانية الآلة الشرقية في عزف اللحن الغربي ضمن كونشرتو أو بشكل منفرد، كأن تعزف مقطوعة غربية كاملة، يقول في حديثه لـ "مدونة الموسيقا":

الموسيقي باسم صالحة

«تختلف خصوصية اللحن الغربي عن خصوصية اللحن الشرقي، لكن الآلة الشرقية تعزف الشرقي والغربي، في حين أن الغرب لا يعزف الشرقي بسبب صعوبة توزيعه. وفي حال تم توزيع أغنية غربية لآلة شرقية ووظِّفت بشكل صحيح تستطيع عزفها». وعن آلية التنويط، يقول: «النوطة واحدة عالمياً، ولكن تختلف فيها "الارتجالات" الموجودة في الموسيقا الشرقية، فعازف الغربي يأخذ مساحته كاملة دون ارتجال كبير كما يحدث عندنا في الشرق، إلا أن موسيقا الجاز قد تجد فيها ارتجالات، وكذلك الأمر في الموسيقا الاسبانية على الغيتار، وفي الأغاني الشعبية الأمريكية وموسيقا الريف الأمريكي والجنوب الفرنسي».

يشير "علان" إلى أن الملحنين الغربيين يؤلفون لآلاتهم "كونشرتو كمان أو غيتار أو بيانو.." مع الأوركسترا، في حين أن لدينا محاولات خجولة وتكاد تكون شبه معدومة بالتأليف لآلات "العود أو الناي أو القانون" كونشرتو مع الأروكسترا الشرقية. يقول: «في الكونشرتو الغربي التوزيع الهارموني هو أساس، ما يجعلك تسمع الهالة العظيمة، فهناك عشرات الأصوات التي تعمل معاً، مع صولو الآلة الخاصة. أما في الشرقي فلم نصل لمرحة تأليف كونشرتو خاص للعود أو القانون أو الناي مع الأوركسترا وإنجاز توزيع كبير لها، وهذا لا يعني أن الآلة الشرقية لا تستطيع لأنها في الحقيقة تستطيع ذلك، ولكن تحتاج إلى عازف ماهر».

الموسيقي وعازف العود حسين علان

ويتابع: «من خصوصية الآلة الشرقية حضور "الربع تون" في الاكونشرتو الذي تنجزه لها، وأذكر هنا أن الملحن المصري "عمر خيرت" قام بتوزيع الكثير من الأغاني الشرقية وصدّر الآلة الشرقية بتوزيع غربي وتعامل مع موضوع "الربع تون"، وكان الملحن المصري "أبو بكر خيرت" يقوم بذلك أيضاً، وهناك عازفي عود ماهرين بمن فيهم "نزيه أبو الريش" و"نصير شمة" الذي أنجز مقطوعة "إشراق" للعود، وفيها تكنيك عالي وكأنها كونشرتو صغير، ولديه مقطوعات أخرى للعود قام بتوزيعها مع الأوركسترا».

ويؤكد "حسين علان" أنه ضمن هذا الإطار هناك محاولات خاصة من الموسيقيين الشباب الموجودين في الخارج، حيث وضعوا آلات شرقية مع آلات غربية، إلا أن توظيفها جاء وفق أدوار، أي أنه دور للغربي ودور للشرقي، ولم يقدموا العمل كجسم واحد.

الموسيقي وعازف القانون عماد حريره

وإن كان هناك اختلاف فيما بين الآلات الشرقية نفسها، وإن كان ما يقدمه العود يمكن أن يقدمه الناي أو "القانون".. يجيب: «هناك اختلافات لأن لكل آلة خصوصيتها، وعلمياً يمكن أن تكتب لـ "العود" مفتاح "فا" ومفتاح "صول"، أما "الناي" فمفتاح "صول"، و"القانون" مفتاح "صول"، وبالتالي الأمر مرتبط بطبيعة الآلة، فعندما تعزف "صولو" معين، قد يكون مناسب لـ "العود" وغير مناسب لـ "الناي"، وهذا يُسمى التوظيف والتوزيع الآلي، لذلك تجد في المقدمات الموسيقية العربية أن لـ "العود" دور ولـ "الكمان" دور..، كما هو الحال عند بليغ حمدي ومحمد عبد الوهاب».

خصوصية العزف

الموسيقي وعازف القانون "عماد الحريره" تحدث عن خصوصية عزف اللحن الغربي على آلة "القانون"، يقول لـ "مدونة الموسيقا":

«تكمن خصوصية عزف اللحن الغربي على آلة القانون عندما تكون القطعه الموسيقية الغربية من مقام "المينور" أو "الماجورة"، وهنا توظف آلة "القانون" إما في "صولو" أو عبر ارتجال العازف بما يستوحيه من القطعة الغربية. وبشكل عام الآلة الشرقية يمكنها عزف القطعة الموسيقية الغربية كاملة، ولكن هناك قطع معقدة تمتاز بالسرعة والتكنيك، لا تستطيع بعض الآلات الموسيقية تنفيذها، كحال آلتي "القانون والناي"، في حين أن هناك قطعاً غربية ممكن السيطرة عليها من خلال آلة "القانون" لأنها أقل تعقيداً من غيرها». ويوضح أن الآلات الشرقية تختلف عن بعضها البعض في قدرات العازف، فهناك آلات النقر والسحب التي لها القدرة الأكبر على تنفيذ العمل الغربي لأن دراستها وتأسيسها غربي.

ويشير في نهاية كلامه إلى التجارب التي قدمها ضمن إطار عزف اللحن الغربي، من خلال عزف أغنيات وقطعاً موسيقية، يقول: «من أعمالي ألبوم بعنوان "القانون والأوسكار"، يضم تسع مقطوعات، منها أغانٍ ومنها قطعاً موسيقية، إضافة لقصة حب، وجوني غيتار».