يُعد "الراب السوري" حالياً من أبرز مشاهد "الراب العربي"، نشأ بداية القرن 21، متأثراً بـ "الراب العالمي"، وتعدا كونه "تريند" لأنه الأكثر واقعية عبر خصوصية ملامسته لواقع الشباب، فالكثير من مغنيي "الراب" السوريين برزوا في الخارج نظراً لوجودهم في دول متعددة عربياً وأوروبياً، ووصل البعض منهم إلى منصات عالمية وأسسوا فرقاً أو استوديوهات خاصة بهم للإنتاج، وقنوات على اليوتيوب حصدت ملايين المشاهدات.

كلمات تلامس الواقع

جُلّ كلمات أغاني "الراب السوري" من نتاج صانعيها ومغنيها، حتى أن بعضهم تولى مهمة الإخراج والإنتاج لنفسه، مما جعلها تلامس جيل الشباب كونها تحاكي مشكلاتهم وتفاصيل حياتهم اليومية.

فكلمات الأغاني تحدثت عن "الفقر، البطالة، اللجوء، الحرب، الثورة، العزلة، الحب، الظلم" إضافة إلى تمكين المرأة بعيداً عن القمع الأـسري والمجتمعي، وحكايات الحارات الشعبية، والهوية والانتماء والتغيير وعكس نبض الشارع السوري. وقد اعتمد مغنو "الراب" على "السوشيال ميديا" فأسسوا قنواتهم على منصات "الانستغرام واليوتبوب" وتمكّنوا من الوصول إلى شريحة كبيرة من المستمعين.

اسماعيل تمر

وتبقى الموسيقا ذائقة فنية ولكل فن مريدوه، وتختلف المعايير من زمن لآخر ومن جيل إلى جيل، ويتسارع الرتم كما تتسارع الحياة، لكن يبقى الإحساس هو المؤثر في الاستماع. وقد برزت في "الراب السوري" أسماء عديدة منها "إسماعيل تمر، مودي راب، أونيل يوسف، بو كلثوم، مودي العربي، أمير المعري" وآخرون.

ترجمة المشاعر بالموسيقا

يعد "إسماعيل تمر" من أهم الأصوات السورية في مشهد "الراب" إضافة إلى كونه ممثلاً ومؤلفاً، وتميّز بطريقته المبتكرة في التعبير عن أفكاره وتعرّضه لقضايا إشكالية في أغانيه، وحظي بمتابعة جماهيرية من حيث عدد المشاهدات الإجمالية على أعماله والذي وصل إلى "50 مليون".

مودي راب

أول ألبوم له عام 2012 جاء بعنوان "تحت التراب"، من كلماته وألحانه، ومن أشهر أغانيه "مليكتي" التي أخرجها عام 2013. وأبرز أعماله: "ملهمة، أول لقاء، مهرة، ضياع، فتنة، أطفال بلادي، ضياع، تكات الساعة"، ومن أغانيه المؤثرة "سوري قديم" التي شاركه فيها الفنان "قصي الخولي"، وفيها حوار بين أخين أحدهما في سورية والثاني مغترب، ويناقشان فكرة السفر والانتماء بطريقة شفافة وواقعية.

يتحدث "اسماعيل تمر" عن تجربته لـ "مدونة الموسيقا" قائلاً: «إن أردت اختصار تجربتي في مجال موسيقا "الراب" أقول أنها عبارة عن مشاعر أردت ترجمتها إلى موسيقا تجعلني أعبّر دون حدود، لأنها تحكي بلسان الشباب والقضايا الاجتماعية».

أونيل حنا يوسف

ويتابع: «بدأت في هذه المجال منذ خمسة عشر عاماً، وحصلت في السنوات الخمس الأخيرة على انتشار أوسع، ولا أزال مستمراً وأقوم بنفسي بكتابة الكلمات والتلحين والإخراج والمونتاج لأغانيي، إضافة إلى الإنتاج. ومجمل ما أقدمه من فن يعتبر تفريغاً لمشاعري الداخلية، فأنا أتكلم عن الشباب بما في ذلك الألم والقوة واشتياقي لوالدتي المتوفاة، وعما استفدت منه بتجاربي في الحياة، وقد حققت أغانيي انتشاراً واسعاً، والناس تقدّر أنني أقدّم فناً هادفاً ومحترماً وأعتبر قدّوة، كما أنني ألّفت كتاباً أيضاً».

فن الجيل الجديد

عن خصوصية الموضوعات التي يطرحها ضمن الأغنيات، يقول "تمر": «موضوعات أغنياتي تتمحور كلها حول العاطفة، لكن العاطفة تكون أحياناً للوطن فأتكلم عن أهل المخيمات، وعن عاطفة الأبوة حين رزقت طفلاً "على سبيل المثال"، كما أحب الحديث دائماً عن حقوق المرأة فمن المهم أن تدرك دورها في بناء المجتمع والجيل».

الملحن والموزع الموسيقي دياب ميقري

وحول ما يتعلق بتطور موسيقا "الراب"، يقول: «عايشت تطورها منذ عام 2009، وكانت الأمور فيما سبق صعبة، أما اليوم فقد تغيرت لأنه عندما تنتشر عبر "السوشيال ميديا" و"الذكاء الاصطناعي" و"الاتصالات" في كل مكان فمن المؤكد أنها ستصبح الفن الرائج، علماً أن "الراب" مدرسة كبيرة فهنالك "الراب، التراب، الهيب هاب"، كما حاز هذا الفن على اهتمام جيل المراهقين، وأصبح معترفاً به وله مشاهير من مختلف البلدان، ونجوم "الراب والهيب هاب والتراب والموسيقا البديلة" يحققون اليوم نجاحات كبيرة، وباختصار هو فن الجيل الجديد».

جهود فردية

الفنان "محمد الأحمد" المُلقب بـ "مودي راب" الذي اشتهر عبر عدد من أغانيه التي طرحت موضوعات وطنية واجتماعية مثل: "نفس الروتين، كرهتك بقناعة، أنا السوري، أرض الأحرار، فجر الحرية، لا ترجعي، وينك أنت، حبيني"، يتحدث عن تجربته لـ "مدونة الموسيقا"، ويقول:

«اسم "مودي راب" لقب قديم أطلقه علي أصدقائي، وجميع أغنياتي من إنتاجي إضافة للحن والكلمات. وعلى الرغم من إقامتي خارج سوريا إلا أني واجهت صعوبات وتحديات في هذا العمل بسبب ضيق دائرة الوعي فيه، وتوجب علي أن أقوم بكل شيء بنفسي، فاضطررت تعلّم الكثير من التقنيات لأتمكن من الاستمرار، كالتسجيل وهندسة الصوت والمونتاج وأمور أخرى كثيرة تتعلق بوسائل التواصل الاجتماعي وتأسيس قاعدة تواصل، وقد تمكنت من ذلك».

ويشير إلى أنه خلال فترة النظام البائد لم يكن لديه قيود على التعبير، خاصة فيما يتعلق بالموضوع الوطني لأنه مقيم خارج سوريا، لكن كانت هناك ضغوطات من الداخل السوري وتهديدات مباشرة لأهله بسبب دعمه للثورة بكلماته أيام النظام السابق. وينهي كلامه بالتأكيد على أن لـ "الراب" مستقبلاً له أفق واسع لكن إلى الآن لا تزال هذه الموسيقا تنتج وفق جهود فردية.

أصوات تصل إلى العالم

الفنان "أونيل حنا يوسف" مغني "راب" مقيم في أوربا، من أغانيه "متأخرة كتير، عبالي" وهما من كلماته والحان "جورج كابرييل كوريه"، يقول لـ "مدونة الموسيقا": «بدأت غناء موسيقا "الراب" بدافع شخصي، فقد شعرت أنها المساحة التي أستطيع فيها التعبير عما يجول في داخلي، ولم يكن هنالك الكثير من الناس الذين يعرفون هذه الموسيقا بداية، لا بل كان هنالك استغراب واستهزاء من البعض، وكنت أردُّ بالقول "سيأتي يوم تسمعون فيه أغانيي في بيوتكم"، وهذا ما حدث اليوم».

ويشير إلى أنه لم يكن هناك إمكانيات تساعدهم على التطور ولا حتى استوديوهات للتسجيل، ويتابع: «تعاونت فيما بعد مع المنتج الموسيقي "جورج كابرييل كوريه" وطورنا العمل مع الوقت، هو في مجال الموسيقا وأنا في الكتابة والغناء. وقد مررت بفترات فكرت فيها بالتوقف لكنني استمريت، واليوم عندما أرى أن مقاطع أغانٍ أقدمها قد حققت ملايين المشاهدات أشعر بالفخر أنني لم أستسلم وبأن الناس باتت تعرف من هو "أونيل حنا يوسف"».

وفيما يتعلق بحرية تعبيره عما يريد ضمن أغانيه خلال فترة النظام السابق، يقول: «لم تكن لدي حرية تعبير كاملة عندما كنت أقيم في سوريا، لكن بعد انتقالي للعيش في "السويد" بت أتمكن من التعبير بالطريقة التي أريد، وهذا الأمر جعلني أقرب إلى الناس، لأن كلامي يلامس مشاعرهم».

ويرى أن هناك مستقبلاً كبيراً لموسيقا "الراب" في سوريا، لأن الكثير من الشباب يستمعون إليها، ويتقبلونها ويدعمونها أكثر مما كان عليه الحال في فترة سابقة. ويتابع حديثه قائلاً: «كما أن وجود الانترنت فتح مجالاً واسعاً مكّن الفنان السوري من الوصول إلى الخارج، ولم يعد محصوراً في المكان، وإذا استمر هذا الشغف والإصرار مع وجود دعم ولو كان بسيطاً، فأنا متأكد أنه ستنطلق من "سوريا" أصوات قوية تصل للعالم لأن هنالك مواهب تستحق تسليط الضوء عليها».

فن مستقل

العازف والملحن والموزع الموسيقي "دياب ميقري" يقول لـ "مدونة الموسيقا": «أرى أن تجارب مغنيي "الراب" السوريين كانت مميزة، لأن معظمهم بدأ مشواره من "الصفر" دون أدوات احترافية أو حتى دعم خارجي، ورغم ذلك استطاعوا ترك بصمة من خلال كلماتهم وأفكارهم. ولاحظت من خلال عملي معهم أن غالبيتهم مثقفون، ولديهم نضج بالتفكير ورسالة يودون إيصالها».

وعن صعوبات وواقع مغنيي "الراب" يقول: «المشكلة أنهم يعملون بإمكانيات بسيطة، بسبب ظروفهم وواقعهم، سواء من الناحية المادية أم من ناحية غياب شركات إنتاج تهتم بـ "الراب" كفن مستقل، لكن ذلك منحهم في الوقت نفسه حرية التعبير وبصدق دون أية قيود تجارية، وهذه نقطة قوة جعلت موسيقاهم أقرب وأصدق للناس، لكنها وللأسف نقطة ضعف أيضاً جعلت الكثير منهم يعتزل العمل».

وفيما يتعلق بتجربته الشخصية في هذا المجال، يقول: «بدأت في سوريا سنة 2012 عندما كان عمري عشرين عاماً، مع الصديق الموهوب "روكو"، الذي يُعد من أوائل الذين كتبوا عن "الثورة السورية" عبر موسيقا "الراب"، وكانت له شعبية كبيرة نظراً لجرأته. بعد ذلك انتشر هذا النوع من الموسيقا وتتالت الأعمال، ولغاية اليوم أقوم بإنجاز أعمال "راب" موسيقية مع فنانين موهوبين».

وحول تقييمه لهذا الفن ومستقبله، يقول: «أرى أن "الراب" ليس مجرد موسيقا فقط، وإنما هو وسيلة للتعبير عن الواقع الصعب ومشكلات الجيل، ولذلك من الطبيعي أن تكون الشريحة المستمعة إليه "جيل الألفينات" لأنه يعكس همومهم، فالإنسان عموماً عندما يجد من يفهمه ويشعر به سيستمع إليه ويدعمه، فكيف إذا كان ذلك عن طريق موسيقا مُغناة تصل إلى القلوب بسرعة؟. فالموسيقا بكل أشكالها مهرب للأحاسيس، و"الراب" بشكل خاص أصبح أداة للتفريغ والوعي بالوقت نفسه، ومن هذا المنطلق أعتقد أن هذه الموسيقا ستتطور وتنتشر، لأن لها جمهوراً واسعاً، وأثبتت وجودها كونها باتت صوت جيل كامل أكثر من مجرد نوع موسيقي».

دعوة إلى الأكاديمية

الموسيقي علي أحمد تحدث لـ "مودنة الموسيقا" قائلاً: «قبل الحديث عن رأيي الشخصي بموسيقا "الراب" لا بد من الحديث عن أصول هذا الفن، فـ "الراب" أصله أفريقي، أمريكي، واليوم بات عالمياً وله مدارس مختلفة سواء شرقي أو لاتيني أو حتى عربي، وهو أصلاً له أسس موسيقية وأدائية واضحة يُبنى عليها، سواء من حيث الإيقاع، أو التدفق والرسالة. ولم يتعامل العرب مع هذا النوع من الموسيقا بشكلها الأكاديمي إنما بطريقة الاستلهام بشكل كيفي وفردي».

وعن أسباب انتشاره يقول: «انتشرت هذه الموسيقا بين المراهقين والشباب بشكل كبير، لأنها عبّرت بشكل أساسي عن الهموم والواقع الذي نعيشه، فهي تعتمد على الكلمة أكثر من اللحن، وتمكنوا من التعبير عبرها عن القضايا الاجتماعية السياسية والشخصية، من خلال كلمات دون قيود، وهي كموسيقا استقطبت فئة الشباب كونها تعطي المجال لجرأة أكير في الكلام والتعبير عن الأحاسيس، عدا عن كونها وسيلة تعبير، فهي ليس لها تكاليف مادية كالموسيقا الأكاديمية، بما في ذلك حجز استوديو وما يتبعه من أمور، فبالإمكان استخدام وسائط "السوشيال ميديا"، للنشر سواء عن طريق "التيك توك" أو "الانستغرام" أو "اليوتيوب"».

ويشير إلى أنها تُعد وسيلة نقل لمشاعر الشباب، وشكلت مساحة للتعبير عن التمرد وانتقاد المحيط، من خلال كتابة الكلمات وتنفيذها عن طريق "ستايل الراب"، ومن أسباب انتشارها أيضاً أنها باتت موضة، فهي تقليد انتشر بين الشباب واتباع "التريندات".

ويضيف: «"الراب" في سوريا ليس مدرسة أكاديمية ولم ينفذ بطريقة أكاديمية، فهو كموسيقا لا يعكس عمق احترافي من ناحية الكلمات والإنتاج ولا يحوي بعد اجتماعي وثقافي حقيقي. فموسيقا "الراب" لدينا غير ناضجة، لأنها في طور التجريب والتأليف، ولكنها نواة ولديها فرصة للتطور في حال نفذت بشكل أكاديمي من حيث الكلمات والإنتاج، وبالبناء الصحيح واختيار البنية اللحنية، ويمكن اعتماد ألحان شرقية تراثية، وكلمات ذات عمق لكن هذا الأمر يحتاج للوقت، في حال تمت الاستفادة من التراث السوري وإدخاله لموسيقا الراب بشكله الصحيح».