وُلد عازف العود "ميلاد فرح" في مدينة حمص عام "1999"، الذي لم يقتصر شغفه على العزف فحسب، بل امتد إلى صناعة الآلة بيديه، محققاً تلاحماً فريداً بين الفن والحرفة، واستطاع بموهبته المتميزة أن يفرض حضوره في المشهد الفني الحمصي، ليصبح عازفاً بارعاً، ومدرساً ملهماً لطلابه في العزف وصناعة "العود"، حاملاً رسالة موسيقية تعكس أصالة التراث وروح الابتكار المعاصر.

بداية رحلته الموسيقية

يحكي الفنان "ميلاد فرح" لـ "مدونة الموسيقا" عن بداية رحلته في عالم الموسيقا وعزفه على "العود"، يقول: «منذ طفولتي وأنا شغوف بالموسيقا الشرقية، وبدأت تعلّم العزف على "العود" من الصف السادس تحت إشراف أستاذ متخصص، ولقيت دعماً وتشجيعاً كبيراً من عائلتي التي وفّرت لي الآلة وسجلتني في دورة تعليمية، ومع مرور الوقت دفعني شغفي وحبي للموسيقا إلى متابعة دراستي في "كلية التربية الموسيقية" بجامعة "حمص"، بهدف صقل موهبتي أكاديمياً واكتساب المزيد من الخبرة الموسيقية».

وعن الصعوبات التي واجهته بداية تعلمه العزف، يؤكد أن البداية دائماً صعبة، وما زاد من صعوبتها سفر أستاذه بعد فترة قصيرة من الدروس، لكنه قرر الاستمرار بمفرده اعتماداً على السمع، واستطاع التغلّب على العقبات بفضل حبه للآلة وكثرة التدريب.

ميلاد فرح.. عازف وصانع لآلة العود

الموسيقا الشرقية

ميلاد فرح.. عازف وصانع لآلة العود

وفيما يتعلق بعشقه للموسيقا الشرقية واختياره آلة "العود" يقول: «تربّينا على الموسيقا الشرقية، فهي موجودة في كل بيت، واعتادت آذاننا على ألوانها، كما أنها الأوسع مجالاً من حيث المقامات والجماليات الموسيقية، حتى أنني كنت في البداية أقلّد العازفين الذين أحبّهم، وتأثرت بالعازف العالمي "منير بشير"، وأعتبره قدوتي الأولى في العزف على العود، لكن بعد فترة بدأت بصناعة أسلوبي الخاص من خلال تجميع الجمل الموسيقية التي تروق لي وعزفها بطريقتي التي أحب».

يرى "ميلاد" أن الموسيقا الشرقية قادرة على الوصول إلى جميع الناس والتأثير فيهم بما تحمله من جمال وشمولية، موضحاً أن ذلك يتطلب تفكيراً موسيقياً دقيقاً وألحاناً سهلة الاستماع وقريبة من أذن المستمع. وبالنسبة للمقامات التي يفضلها أكثر من غيرها، يقول: «أكثر المقامات التي أحبّها وأعزفها "النهوند والكرد"، لأنني أشعر أنهما هادئان ويعكسان شيئاً عميقاً في داخلي، كما أن الانتقال منهما إلى باقي المقامات يكون سلساً وجميلاً».

عازف العود وسيم الساروت

صناعة العود

عازف العود فيليب خزام

وحول صناعته لآلة "العود"، يقول: «بدأ اهتمامي بصناعته منذ الصف الحادي عشر، وكانت محاولاتي الأولى بأبسط الأدوات المتاحة في أي منزل، وبالطبع فشلت في البداية، لكن بعد عدة تجارب نجحت أخيراً، ليصبح شغفي بالحرفة أكثر قوة، وساعدني العزف كثيراً على فهم صناعته، لأني أدرك أن الصانع ينبغي أن يكون عازفاً، أو على الأقل يعرف العزف، لأنه بذلك يستطيع اكتشاف الأخطاء وتطوير خامات صوتية جديدة للآلة"».

ويشير إلى أنواع الخشب المستخدمة في ذلك، مثل "الزان والميغانو والجوز"، موضحاً أنّ كل نوع يمنح "العود" خصائص صوتية فريدة، أما وجه "العود" فهو الأهم، إذ يحدد نحو 90% من جودة الصوت، ويُصنّع عادة من خشب "الشوح" أو "الأرز - السيدَر" أو "السابروس"، مما يمنحه رونقاً صوتياً مميزاً.

مراحل انجاز العود

وعن تفضيله العزف على "أعواد" صنعها بنفسه، يقول: «أفضل العزف على "عود" من صناعتي الخاصة، ومنذ البداية كان أول "عود" أعزف عليه من عملي، وعلى الرغم من وجود صنّاع أدقّ وأفضل مني، فإنني أشعر بارتباط خاص بالعود الذي أنجزه بيدي، لأنه يحمل جزءاً من مشاعري أثناء صناعته»، ويتابع: «أحلم بامتلاك مشغلاً ضخماً أضمّ فيه عدداً من الشباب لنصنع "الأعواد" معاً، ونتمكن من نشره في كل أنحاء العالم بأجود الأنواع وأجمل الأصوات».

تجارب تعليمية

يتحدث "ميلاد فرح" لـ "مدونة الموسيقا" عن مشاركاته الفنية وتجاربه التعليمية، يقول: «شاركت مع فرقة "الأعواد" في "كلية التربية الموسيقية" بحمص بقيادة الآنسة "رهف سليمان"، ومع أوركسترا "مديرية ثقافة حمص" بقيادة الأستاذ "حسان اللباد"، إضافةً إلى مشاركتين مع أصدقائي في الكنائس، ولدي طلاب أدرّسهم العزف على العود، كما أعلّم حالياً صناعة الآلة لـ "فيليب خزام"، الذي يرافقني أيضاً العزف في حفلاتي الموسيقية».

مراحل انجاز العود

ويرى ميلاد أن "العود" يعاني حالياً من التراجع بعض الشيء لظروف وعوامل متعددة، لكنه واثق أنه سيعود إلى مكانته الأساسية، فهو عصب الموسيقا الشرقية ولا يمكن الاستغناء عنه، ويوجّه نصيحة للشباب الراغبين في تعلم العزف عليه بأن يمنحوه حقه من التدريب، وعندها سيمنحهم مشاعر عظيمة، كما ينصح الموهوبين في مجال صناعة الخشب أن يتعلموا صناعة العود، لأننا بحاجة إلى المزيد من الصنّاع للحفاظ على هذه المهنة ونشر العود السوري إلى أبعد مكان.

ورسالته إلى المهتمين بالفن مفادها أن الموسيقا أمر جميل وهام في الحياة، وهي قادرة على تغيير طريقة تفكير الناس، أما صناعة "العود" فمهنة لن تزول، ومن الضروري الحفاظ عليها لأنها جزء من تراثنا.

آلة العود من صنع ميلاد فرح

حضور متميز

عازف العود "وسيم الساروت" تحدث عن "ميلاد فرح" قائلاً: «شاركت معه في حفلات الأداء الجماعي التي أُقيمت على مسرح "كلية الموسيقا بجامعة حمص"، وكان حضوره دائماً مميزاً وقوياً على المسرح، ويتّسم بالهدوء والاتزان في العزف، ويثني المشرفون في أدائه على روحه الموسيقية ولمساته المبدعة على آلة "العود"».

ويضيف: «منذ معرفتي به قبل ثماني سنوات، وهو لا يزال يعمل على تطوير نفسه بشكل مستمر، حتى أصبح أستاذاً في العزف يتقن جميع المقامات وفنون العزف الشرقية، وكلما اجتمعنا سواء في الحفلات أم في مشغل "الأعواد"، نعزف معاً أنغاماً ومقطوعات موسيقية ونخلق حالة جميلة في كل مرة».

روح وهوية

تحدث عازف العود "فيليب خزام" عن رحلته الموسيقية مع "ميلاد" ومشاركته العمل في صناعة "العود" حيث يقول: «تعرفت إليه منذ سبع سنوات وأعطاني دروساً على آلة العود لمدة خمسة أشهر تقريباً، هو عازف رائع بإحساسه، ويحرك مشاعر كل شخص يسمعه إما فرحاً أو حزناً».

ويتابع خزام: «بدأ ميلاد بصناعة "العود" في منزله أولاً وصنع "عودين" بمجهوده الخاص، وبعد انتقاله للعمل في مشغله كان لي الشغف أن أتابع عمله، وذهبت معه إلى ورشة العمل لأتعلم منه المهنة، فهو صانع مبدع لآلة "العود"، ووصل إلى مرحلة ممتازة من خلال جودة الصناعة وأسعاره المناسبة التي تراعي الوضع المادي للناس، بهدف تشجيعهم على شراء الآلة وتعلم العزف والموسيقا».

ويشير إلى أنهما شاركا معاً في العديد من الحفلات، التي لقي فيها العزف استحسان الجمهور، حتى أن بعض الحاضرين اهتمّوا بتعلّم العزف على "العود" بعد الاستماع إلى صوته العذب، وينهي كلامه بالقول: «أنصح "ميلاد" وكل من يعزف على آلة موسيقية بالاستمرار في تطوير مهاراته والإيمان بالنجاح، فالموسيقا الأصيلة ليست مجرد تقنية أو لحن، بل روح وهوية تحفظ ذاكرة الشعوب، فعزفنا الصادق هو الجسر الذي يربط التراث بالمستقبل».