يُعد الفنان "حسام زكريا" مثالاً على رحلة الشغف والإصرار في عالم الموسيقا والغناء منذ بداياته المتواضعة في حارات مدينة حمص، مروراً باكتشافه العميق للفن والطرب في نواديها ومهرجاناتها، وصولاً إلى مشاركاته المتميزة في المهرجانات والحفلات الموسيقية، حاملاً على أوتار العود أغانيه وألحانه الخاص، ومؤسساً لمسيرة غنية بالتجارب التي صقلت موهبته وجعلت منه فناناً استثنائياً يتقن المقامات الشرقية واللحن العربي الأصيل.
الأرض العطشى
"حسام زكريا" من مواليد حمص القديمة "1964"، يتحدث لـ "مدونة الموسيقا" عن بداية مشواره الفني واكتشاف موهبته في الغناء، قائلاً: «نشأتُ في بيئةٍ صباحُها "فيروز" ومساؤها "أمّ كلثوم"، وما بين الصباح والمساء يأتينا بقية المطربين، من كلّ نافذة بيتٍ في شارع الحيّ، كان يصل إلى المسامع ما ينعش الروح ويمسّ شغاف القلب. كنت أذهب أحياناً مع أبي إلى حارة "الزاوية"، حيث الحلقات "الصوفيّة"، فأستمع إلى موشّحاتهم وقدودهم التي لا تزال حاضرة في ذاكرتي إلى اليوم، ومن ذلك الوقت بدأ الفنّ والغناء يتسلّلان إلى أعماق نفسي، ولا يزالان يرافقاني حتّى الآن».
وروى قصته مع العود وبداية تعلمه العزف عليه، قال: «بدأتُ التعلم في مرحلة متأخرة جداً، ومن دون أستاذ، وكنتُ أتدرّب يومياً لساعات طويلة تصل إلى عشر ساعات، وأحياناً خمس عشرة ساعة، فتعلّمت بسرعة قياسية، وكنتُ كالأرض العطشى لسنوات طويلة فجاءها الغيث دفعة واحدة، وعزفت على العود سماعياً دون معرفة موسيقية مسبقة، فقط لمرافقة الغناء».
دار الفنون والنقابة
انتسب "زكريا" إلى نادي دار الفنون عام 1993، وكان يرأسه آنذاك الفنان الراحل "زيد حسن آغا"، وعن أجواء النادي وأثرها في مشواره الفني يقول: «بدأت فيه رحلتي الحقيقية مع الموسيقا، إذ تعرّفت على المقامات الشرقية والإيقاعات العربية، وكنت أجلس لساعات مع أستاذي "زيد" وهو يدون ألحانه، أراقب خطواته، أتعلم وأسأل، وكان كريماً في عطائه، لا يبخل عليّ بعلمه وخبرته. وبعد أيام قليلة من انتسابي إلى النادي، وجدت نفسي معهم على خشبة المسرح في مهرجان حمص الفني، حيث أديت أول أغنية لي أمام الجمهور بعنوان "أمي الوفاء"، من كلمات الشاعر "عبد الحميد النيفاوي" وألحان الفنان "زيد حسن آغا».
وفي معرض حديثه عن تاريخ انتسابه لـ "نقابة الفنانين" والأعمال التي قدمها ضمن فرقتها الفنية أشار إلى أنه انتسب إليها عام 1998 بصفة متمرّن، ثمّ نال العضوية عام 2003، وخلال مسيرته مع الفرقة قدّم بعضاً من ألحانه الخاصة على المسرح.
وعن الدور الأساسي لـ "نقابة الفنانين"، وما الذي يميّز فرع "حمص" عن بقية الفروع أجاب: «تقدّم "النقابة" للفنانين نافذة تتيح لهم الظهور أمام الجمهور من خلال مهرجاناتها الدورية، رغم أن مهمتها الأساسية تتركز في خدمة الزملاء الأعضاء، وليس في الإنتاج الفني، ولكن فرع "حمص" هو الوحيد في سوريا الذي ينظم مهرجانين، أحدهما للموسيقى والآخر للمسرح، مما يمنحه طابعاً مميزاً ويجعله بارزاً في المشهد الفني السوري».
ومن الفنانين الذين تركوا أثراً كبيراً في تجربته، قال: «تربطني بالأستاذ "أمين رومية" صداقة عميقة، وما زلت أعتبره مرجعي الأول، أعود إليه مع كل كلمة أو لحن جديد، لأستفيد من رأيه وخبرته الموسيقية، إضافة إلى وجود الفنان القدير "مروان غريبة" على رأس فرقة نقابة الفنانين مما شكّل قيمة مضافة لأي عمل فني يُقدَّم، ويمنحه أبعاداً جديدة ورونقاً خاصاً يميّزه».
التواصل مع الجمهور
ويشير إلى أنه شارك في عدة حفلات ضمن مهرجان "الثقافة الموسيقية" الذي تقيمه النقابة، إضافةً إلى احتفاليات "اليوم العالمي للموسيقا"، مؤكداً أن هذه المناسبات طوّرت من خبرته ووسّعت تواصله مع الجمهور، لافتاً إلى أنه عمل أيضاً مع فرقة "أورنينا" في حفل مميزة عام 2022 حيث كان المعد والمشرف على تدريبات وبروفات الحفل، ما منحنه تجربة مميزة وإطلالة خاصة على جمهور دار الثقافة.
أما خارج المدينة فيوضح أنه شارك في الدورة السادسة من مهرجانات الأغنية السورية بأغنية "إلا أنت" من كلماته وألحانه، وفي الدورة العاشرة بأغنية "لحظات" من كلمات الشاعر "سمير حمدان" وألحانه، إضافة إلى تقديمه عدداً من الحفلات خلال انتسابه إلى نادي دار الفنون، منها مهرجان "تدمر" ومهرجان "معرض الزهور" بدمشق.
وأكد "زكريا" أنّ الحفاظ على الطرب الأصيل، ليبقى عنواناً للجمال الفني والعمق الروحي، مسؤولية المؤسسات أكثر من الأفراد، لأن المطرب يحتاج إلى دعم ورعاية لتطوير موهبته، مشيراً إلى غياب هذه المؤسسات في البلد، مما دفع بعض المطربين السوريين إلى تحقيق شهرتهم في دول أخرى مثل لبنان ومصر حيث وجدوا الدعم اللازم.
وفيما يتعلق بالتشابه بينه وبين الفنان الراحل "عبد الحليم حافظ" إن على صعيد الشكل أو الصوت، وأثر ذلك على مسيرته الفنية، وإن بقياً أسير ذلك أم طور أسلوبه في الغناء، يقول: «التشابه أمر ربّاني، وخلقني الله على هذا الشكل، وربما الشّبه بالصوت أيضاً، ويقولون عنّي "عندليب حمص"، وأنا أعتز بذلك ويفرحني كثيراً، لكنّي لم أشعر يوماً أنّي تقمّصت شخصيته في الغناء رغم محبتي له، فأنا أيضاً أحبّ "محمد عبد الوهاب، أم كلثوم، فايزة أحمد"، ولم أكن أسيراً لأي مطرب في حياتي، وأغنّي الموشحات والألوان كلها، كما أن لدي أغنياتي الخاصة التي تعبّر عن هوية فنية مستقلة تجمع بين الأصالة والتجديد».
أعمال غير مُسجلة
وتحدّث عن أهم أعماله الموسيقية قائلاً: «سجلت ثماني أغنيات على "كاسيت" عام 2000، لكن القسم الأكبر من أعمالي لم يُسجَّل بعد، كما تعاونت مع عدد من الشعراء المميزين، منهم : "نور الدين الهاشمي، الدكتور حسن شدود، سمير حمدان، غروب عبدالرحمن، أيهم منصور، محمد يحيى، فارس الشامي، نزيه هاجر، والشاعر المصري عبد الناصر حسين". ولدي عمل جديد خاص لم يُقدَّم بعد، وهو عبارة عن قصيدة للشاعر "طريف الشيخ عثمان"، وأتمنى أن يرى النور في أول مهرجان موسيقي قادم».
وعن الأساتذة والفنانين الذين تركوا بصمتهم في مسيرته الفنية، يقول: «كل عمل فني جميل أو أغنية مميزة بمثابة أستاذ يضيف لمسيرتي الفنية فائدة كبيرة، لقد كنت قريباً من الفنان الراحل "صباح فخري"، وتعلّمت من أسلوبه كفنان وإنسان، كما أضاف لي الفنان الكبير "عدنان أبو الشامات" الكثير في تعاملي مع الكلمة واللحن، ولا أنسى أستاذ بدايتي الراحل "زيد حسن آغا"، الذي وضع أساس مسيرتي الفنية».
وحول تجربته مع التلحين، قال: "معظم أعمالي الخاصة من ألحاني، وكانت أول تجربة لي على مسرح دار الثقافة عام 1997، حيث قدمت أغنية بعنوان "مر السنين" من كلماتي أيضاً. وفي العام التالي، وخلال يوم الألحان الجديدة، قدمت قصيدة "طفولة متأخرة" للشاعر المصري عبد الناصر حسين، كما أن لدي عدد لا بأس به من الألحان، والكثير منها لم يُعرض بعد على المسرح، مما يفتح أمامي آفاقاً واسعة لمستقبل فني واعد».
ويتوجه "حسام زكريا" للشباب الراغبين في تعلم الغناء والطرب والمقامات بالنصح مشيراً إلى أن العلم يأتي بعد الموهبة، مؤكداً أهمية الاطلاع وقراءة تاريخ الآخرين، وأن يتعلموا من تجاربهم، فالموهبة وحدها لا تكفي لصنع فنان حقيقي
صوت يفيض بالعاطفة
رئيس فرع حمص لنقابة الفنانين، الأستاذ "أمين رومية"، وصف الفنان "حسام زكريا" بأنه أحد أبرز الأصوات الغنائية في مدينة "حمص"، لما يمتلكه من خبرة ودراية واسعة بقواعد وأصول الغناء العربي، وأوضح أن صوته المصقول يفيض بالعاطفة ويتأثر بوضوح بأداء العندليب "عبد الحليم حافظ"، مشيراً إلى تميّزه بإتقان الأداء والنطق السليم ووضوح مخارج الحروف، وأنه لا يكتفي بالطرب بل يتجاوزه إلى التعبير، وهي ميزة نادرة لدى الكثير من المطربين، إضافة إلى قدرته على الارتجال بثقة بفضل معرفته الدقيقة بالمقامات وتفرعاتها.
وأضاف رومية أنه على الرغم من هذه القدرات، لم يحالفه الحظ في الانتشار خارج "حمص"، لكنه لا يواجه منافسة تُذكر في اللون الغنائي الذي يقدّمه داخل المدينة، وقد أدّى معظم قوالب الغناء العربي قبل أن يختار ما يناسب طبقة صوته الواقعة بين "الباريتون والتينور"، لافتاً إلى امتلاكه موهبة التلحين، وأنه قدّم عدداً من الأغنيات من ألحانه، معظمها جديرة بالانتشار والاهتمام، مؤكداً أن ما حققه من شهرة لا يوازي ما يستحقه فعلاً.
أما الفنان "وجيه الحافظ" فتحدث عن زميله قائلاً: «يمتلك الفنان "حسام زكريا" صوتاً جميلاً رخيماً لطيفاً على الأذن، ويجيد العزف على آلة "العود" بإتقان، وله محاولات في التلحين إلى جانب مجموعة من الأغاني الخاصة التي عرّفت الجمهور على بصمته الفنية المميزة، كما يتصف بإتقانه لأدواته الفنية وحضوره المحبب، فهو دائم الابتسامة وقريب من الناس، ويترك أثراً واضحاً وتاريخاً فنياً جميلاً في مدينة حمص، جعل منه أحد الأصوات البارزة في ساحة الغناء المحلي».