يُشكل مطرب الرجولة "فهد بلان" في الساحة الفنية الغنائية مدرسة من نوعين، الأول منها الأداء الصوتي، والثاني اللون والأسلوب، منذ بداياته عام 1958 مع أول أغنية أطلقها بعنوان "يا بطل الأحرار" التي لحنها له الموسيقار "سهيل عرفة" إبان الوحدة بين "سورية ومصر"، ثم في اللوحة الشعبية البدوية كـ"دويتو" مع المطربة "سحر" بعنوان "آه يا قليبي"، وصولاً إلى الأغنية التي لازمته طوال مسيرته الفنية "لاركب حدك يا الموتور" و"واشرح لها"، وهما من ألحان الموسيقار الراحل "عبد الفتاح سكر"، إذ شكلا معاً توءمين في الغناء واللحن، وكان معهما الثالث المكمل للمسيرة الشاعر "عمر الحلبي".

وحين أراد أن يقدم أغانيه أمام الساحة الغنائية اللبنانية بدعوة من ظريف "لبنان" يومها "نجيب حنكش" ضمن برنامجه "ألوان" واستمع إليه وهو يؤدي "واشرح لها"، و"لركب حدك يا الموتور"، خاطبه "نجيب حنكش"، قائلاً: "أنت يا فهد مطرب الرجولة" وظل هذا اللقب ملازماً له طوال حياته، رغم تعدد الألقاب التي انهالت عليه في أنحاء الوطن العربي.. وما تهافت الملحنين المصريين والعرب على التلحين له إلا لوجود ميزة نسبية في طبيعة الصوت والأداء، إذ نلاحظ أن كبار الملحنين في الوطن العربي قدموا له ألحاناً وفي معظمها ناجحة، حتى تجاوزت عدد الأغاني التي قدمها ألفاً وخمسمئة أغنية.

وفي حوار سابق مع الناقد الموسيقي الراحل "صميم الشريف" حول أداء مطرب الرجولة "فهد بلان" وخصائص صوته العلمية أكد بقوله: «إذا تأملنا هذا الكم من الأغاني التي غناها "فهد بلان" منذ احترافه الغناء ولغاية وفاته، لوجدنا أن الملحنين لم ينصفوا صوته القوي القادر، ولم يأخذ حقه في المساحة الصوتية التي يستطيع أن يتجول فيها براحة متناهية وهي في حدود الديوانين، وهذا يعني أنه يستطيع، إذا ما استخدم "الفالستور falsetor" أي الاستعارة الصوتية من الوصول إلى أكثر من أربعة عشر مقاماً، وهو ما غاب عن جلِّ الملحنين الذين حصروا ألحانهم له في حدود الأغنية الشعبية التي لا تتطلب المقامات التي تتجاوز الديوان الواحد، ومن هنا كان الانطباع لدى أكثر النقاد بأن صوت فهد بلان غير قادر على أداء أكثر من ثمانية مقامات مع الاستعارة.

1- فهد بلان والموسيقار عبد الفتاح سكر

وأضاف: ينتمي صوت "فهد بلان" من الناحية الفنية إلى ما يعرف في الغناء الغربي إلى طبقة "الباريتون Bariton" ومعنى "الباريتون" هو الصوت الرجالي المتوسط، وهو صوت غنائي جميل وعريض، لا يصل إلى طبقة الأصوات الحادة عند الرجال "تينور Tenore" ولا إلى طبقة الأصوات "المنخفضة Bass" عند الرجال، ولكنه صوت عريض عاطفي وعميق.

إن طبقة "الباريتون Bariton" الصوت المتوسط –وهذه عند "فهد بلان" لم يولها الملحنون اهتمامهم كما يجب- تتميز بالغنائية، أي ما يعرف في الغناء الغربي "بالباريتون الغنائي LyriceBariton" الذي يمتاز على جميع أنواع الأصوات -سواء عند الرجال أو النساء- بإمكاناته في المدى الغنائي الواسع، وهو يشبه في هذا أصحاب الأصوات التي يطلق عليها في الغناء الغربي اسم "تينور روبستو RobustoTenore" بدرجة كبيرة، إلا أنه وعلى الرغم من هذا التشابه في المدى، يمتاز على هذا النوع من الأصوات بإمكانية الوصول بسهولة إلى درجات من الأصوات المنخفضة التي لا يستطيع "تينور روبستو RobustoTenore" الوصول إليها، وطبعاً فإن "تينور روبستو RobustoTenore" الذي يتميز في أدائه بالاعتدال والتناسب يطلق عليه تجاوزاً "تينور البطولة"، وكان "فهد بلان" بعفويته البالغة قبَسَ خصائص هذه الطبقة من الأصوات واستطاع من وراء أدائه لها أن ينال عليها لقب "مطرب الرجولة".. والرجولة تنتمي إلى البطولة في كثير من مواصفاتها.

2- فهد بلان مع الشاعر والملحن الراحل سعدو الذيب

وأشار الناقد "صميم الشريف" بقوله: "فهد بلانيغرف أحياناً بضعة مقامات من طبقة "الباص Bass" قبل أن يعود إلى طبقة صوته "الباريتون الغنائي" وهذا التناول الذي يقوم به أيضاً بعفوية بالغة هي طبقة صوتية معروفة في الغناء باسم BassBariton وهي طبقة تنخفض في درجات الصوت عن الباريتون الغنائي.

من هذا كله الذي ذكرناه نصل -خلافاً لما ذهب إليه بعض النقاد المغرضين– إلى أن "فهد بلان" جمع في صوته العريض العاطفي والعميق خصائص الباريتون الغنائي Bariton في مداه الواسع والتينور روبستو Robustotenore في أدائه الرجولي وجمال طبقة الأصوات المنخفضة في الباريتون باصBass Bariton، وذلك من وراء المحور الذي قام عليه صوته– الباريتون Bariton أي الصوت الذي يتوسط طبقة الأصوات الثلاثة: الحادة، والمتوسطة، والمنخفضة، ويمكن للمستمع أن يتلمس الباريتون الطبيعي في أغانيه الدارجة، والبطولة/ الرجولة في أغانيه الوطنية والقومية، وكذلك يمكن له إذا ما أصاخ جيداً إلى ارتجالاته الغنائية في الأنواع الأخرى الشعبية التراثية، أن يتوصل إلى روعة قرارات هذا الصوت الذي جمع في أعطافه كل هذه الجماليات التي لم يتنبه إليها أغلب الملحنين، وحصروا ألحانهم في دائرة الباريتون Bariton فقط".

3- الكاتب معين العماطوري مع صميم الشريف

عِبَارَاتُ مَدِيحٍ!

نستنتج أن الخصائص الصوتية التي تميز بها صوت مطرب الرجولة "فهد بلان" هي متنوعة، وحين نستمع إلى الموالات الارتجالية لديه، يستخدم بها القرارات المنخفضة إلى درجة كبيرة، وحين يريد يستخدم الطبقات المرتفعة ويعود إلى المتوسطة، أي إن لديه قدرة على القرار بدرجات موسيقية منخفضة جداً، وإلى التينور بطبقاته المرتفعة كما في أغنية "يا صلاة الزين" أو في الأغاني الوطنية "سورية الدرب للوحدة العربية" أو في الأغاني العاطفية يستخدم الباريتون الغنائي، ولعل تلك الخصائص قلّما حملها صوتٌ عربي، وهذا ما دفع بالعديد من أعلام الفن والثقافة أن تقول فيه عبارات المديح:

الموسيقار "رياض السنباطي" قال: "إن فهد بلان هو المطرب الذي كنا بانتظاره".

أما الموسيقار "محمود الشريف" عندما سُئِلَ في لون "فهد بلان" الغنائي قال:"فهد بلان أتى إلى مصر لكي يلقي حجراً في المياه الراكدة".

الملحن "محمد الموجي" قال: "إن صوت فهد بلان يمتاز بالقوة والجمال".

سيدة الغناء العربي "أم كلثوم" قالت:"فهد بلان" لونٌ جديد وأداءٌ جديد ومغنى جديد في الغناء العربي.

واعتبر الملحن "عبد الفتاح سكر" فهد بلان بأنه "توءم روحه".

الدكتور "علي عقلة عرسان" اعتبر "فهد بلان" فارس الأغنية وتليق له العباءة، وعاشق يتماهى مع عشقه للغناء.

وقد وصفه الشاعر العربي الفلسطيني "سميح القاسم" بأنه "ظاهرة فنية غير متكررة".

أخيراً شكل فهد بلان ظاهرة فنية مهمة في تاريخ الغنائي السوري، حيث قدم أكثر من ثلاثة عشر فيلماً سينمائياً معظمها استعراضي غنائي، ومسلسلاً من ثلاثين حلقة بعنوان "أنا أنت" و"هو أنا وأنا هو"، مع الممثلة اللبنانية "آمال عفيش"، ولا يُنسى أنه ساهم برفد المقاومة بتسعين أغنية عرفت "بموال من بلدي" من كلمات "ظافر الصابوني" وألحاني "عبد الفتاح سكر وسمير حلمي"، وختم حياته في أغاني الوجدانية مع الملحن "سعدو الذيب" بثلاث عشرة أغنية منها "غالي علينا يا جبل، ويوماً على يوم" وغيرها.

ولذلك قال فيه الشاعر والأديب "شوقي بغدادي": "مَنْ هو المطرب الذي يمكن أن نسمّيه سوريّاً حقاً بعد رحيل "فهد بلان"؟، مَنْ يملك صوته وأصالته وموهبته وقدراته الخُلقية والفنية الفطرية على اختراق الأوساط الفنيّة العربية جمعاء من دون أن يضحي بشيء من أصالته؟".

المَرَاجِع:

[1] فهد بلان الفنان الإنسان، معين حمد العماطوري، راجعه صميم الشريف، دار الجمهورية، 2005.