يُؤمن (رعد خلف) بأن نشأته في بيتٍ موسيقي (والده حميد البصري أستاذ الموسيقا العربية، ووالدته المغنية شوقية العطار)، ساهمت في توجهه نحو التأليف الموسيقي مع آلة الكمان، ومن ثم كانت النتيجة رصيداً ذاتياً من الموسيقا الغربية والشرقية، الأولى بسبب الدراسة والثانية مَنشؤها العائلة.

يضيف في حديثٍ إلى "مدوّنة الموسيقا": "تأثير المحيط على الصعيد الفني أوسع بكثير من الاختصاصات الأخرى، الأمر يتعلق بالوراثة وتشاطر الجينات ونقلها عبر أجيال، عائلتي لعبت دوراً في كوني موسيقياً، حتى أنّ والدي ووالدتي أدركا ما يمكن أن نختص به أنا وأخي، لاحقاً كانت الدراسة الأكاديمية شرطاً رئيسياً للاستمرارية والنجاح، البعض لم يدرسوا الموسيقا لكنهم مطربون وملحنون بالفطرة، يحدث هذا في الموسيقا الشرقية أما في الغربية فيجب أن يكون للدراسة وقعٌ ومكانٌ في حياة الموسيقي وأدائه".

وُلد المايسترو خَلَف في العراق، وتخرّج في أكاديمية (غنيسينيخ ) الموسيقية في روسيا، وهو مقيمٌ في دمشق منذ العام ١٩٩٠، لكن تنقلاته لم تجعله أقرب لموسيقا بلدٍ ما دوناً عن غيرها، يقول للمدوّنة: "تخصني الموسيقا العربية كثيراً، تلامسني بكل وجوهها، أحب الشمال الإفريقي العربي، مصر لها خصوصية في داخلي، أهتم أيضاً بالإرث الإيقاعي لدول الخليج إضافة إلى موسيقا بلاد الشام والعراق، ربما أفهم الموسيقا العراقية أكثر من غيرها لكنني درست وبحثت في الموسيقا العربية على اختلاف بلدانها".

1- المايسترو رعد خلف

درّس خلف في معهد صلحي الوادي للموسيقا، والمعهد العالي للموسيقا بدمشق، والمعهد العالي للفنون المسرحية، وله أبحاث منها (الموسيقا والفن التشكيلي، العلاقة السمعية البصرية، الموسيقا والدين، الدراما والموسيقا، الإعداد الموسيقي لآلة الكمان)، كما ألّف ما يزيد عن 130 عمل موسيقي للتلفزيون والمسرح والسينما منها (مسلسل الأخوة، مسلسل أسمهان، فيلم سيلينا، فيلم سيمفونية اللون، مسرحية تقاسيم على العنبر، مسرحية اليوم والبارحة وغداً)، عدا عن مشاركات وحفلات ومهرجانات كثيرة.

ورغم تشعّب اهتماماته، لا يرى الموسيقي محطةً يعدّها مفصليةً في كل ما أنجزه إنما لكل مشروعٍ أهميته وأثره. يشرح خلف لـ"مدوّنة موسيقا": "حين جئت سورية عملت في مجال الكمان والتأليف الموسيقي، مع الزمن أصبح للتأليف الموسيقي المسرحي والموسيقا التصويرية حصة كبيرة في حياتي، إضافة إلى العزف في الأوركسترا السيمفونية السورية والتدريس الموسيقي، لا أعلم أي زاوية من هذا هي الأصح أو الأهم، أعطيها جميعها ذات القدر من الاهتمام والعناية، الأمر ينسحب على تأسيس الفرق والأوركسترات (أوركسترا زرياب، أوركسترا ماري، أوركسترا الوتريات)، أيضاً في عروض الحضارات القديمة، وعروض الميوزيكال، كلهم أولادي، لا يمكن أن أحبّ واحداً أكثر من الآخر".

2- رعد خلف كان عازف الكمان الأول زمن الراحل صلحي الوادي

في الحديث عن (مشاريع) خلف -كما يفضّل تسميتها- تأتي أوركسترا (ماري) في المقدمة، لكن ما الإضافة التي قدّمتها للمشهد الموسيقي المحلي؟ نسأله، فيقول: "مشروع أوركسترا (ماري)، بدأ كأول أوركسترا نسائية على صعيد الشرق الأوسط، واستمر كما أردنا ليضم حالياً 76 صبية من الأكاديميات، لكنني أبحث عن الجديد على صعيد التأليف الموسيقي، بحيث يكون لدينا مادة خاصة نقدمها للمجتمع، لذلك نشتغل على مادة مبرمجة تتوفر فيها الدراما والبعد الفكري، لا مجرد موسيقا عابرة أو عامة، ليكون لأوركسترا (ماري) شكلٌ ومضمونٌ خاص".

في العديد من حفلاته، يسعى خلف لتقديم حالة فنية تتكامل فيها الموسيقا مع عناصر فنية أخرى تحكي عن أحداث الماضي والحاضر. يقول عنها للمدوّنة: "أنا أول من قدّم العروض السمعية البصرية، كان الهدف تقديم التمثيل والرقص والغناء حول الأوركسترا، أُقيم العرض الأول في هذا المجال تحت عنوان (حفل في ماري)، فيه استنطاق لحضارة المدينة القديمة، لا أنوي من خلال هذه الأفكار الابتعاد عن المادة الموسيقية أو توجيه الأنظار نحو سواها، هي عناصر تكاملية مع الموسيقا حتى نقدم شيئاً خاصاً فيه نوعية جديدة".

3- بعض من عازفات أوركسترا ماري

من تلك العروض، ما قدمته (ماري) مؤخراً على مسرح أوبرا دمشق بعنوان (مدينتي)، متضمناً مجموعة فقرات منها: (سرفيس البلد، بلحظة، سهرة شباب، لا تروح، بيت عربي، ثلاثية الحرب، سوق خضرة، قلي دخلك قلي، نشيد ورقصة)، غايتها تقديم مدينة دمشق بشكلٍ بسيط بعيد عن الاستعراض كما يُؤكد خلف بحيث يُمكن نقل العرض إلى أي مدينة سوريّة أخرى، بمجرد تغيير الصور والمقاطع البصرية المرافقة، يقول أيضاً: (مدينتي) عنوانٌ كبير لمجموعة من الأشياء البسيطة، تحدثنا عن الحب وجريح الوطن وسيران الغوطة بما فيه من فكاهة، حاورت عدداً من الشباب الذين يحظون بمتابعة كبيرة على مواقع التواصل الاجتماعي منهم الكاتبة والمذيعة (لوتس مسعود) قدمت فقرة من تأليفها، تحدثت فيها عن الصراع مع الخوف ومعاناة الطفولة السورية في الحرب، بمرافقة الأوركسترا.

يسعى خلف لإحياء موسيقى الحضارات القديمة بلغة عصرية، تعتمد العلوم والتقنيات الغربية، ومما قدمه في هذا المجال (ألواح أوغاريت) و(ليلة من إيبلا) و(N33) استعان فيه بنصوص كنعانية قديمة، من هنا يرى في (تجديد التراث) حالة ضرورية على أن لا يتم تشويه المادة اللحنية الأساسية، واحترام عمقها وأصالتها والحالة التوافقية فيها بين اللحن والإيقاع، وعلى حد وصفه "هناك فرق بين التسخيف والتطوير"، وفي العالم الكلاسيكي ظهر مؤلفون موسيقيون ساهموا في تطوير فلكلور بلدانهم أمثال (تشايكوفسكي) الروسي، و(بيلا بارتوك) الهنغاري.

4- من أجواء التدريبات والبروفات

يقول خلف "عند العلماء كانت الأخطاء تولّد الاكتشافات والإنجازات، لكن هذا لا ينطبق على الفن والموسيقا تحديداً"، فلا يمكن برأيه أن "يُطبّق التجريب على رؤوس الآخرين، إنما يجب أن تختمر الفكرة قبل إطلاقها باتجاهنا"، لكن "غياب الأكاديمية والمنهج العلمي يدفع أحدهم ليقدم مضموناً سيئاً على مسارح كبيرة عادّاً إيّاه إنجازاً"!.