لطالما كنا نصغي إلى أصوات "الرديدة" في الأغاني، تلك الطبقات الصوتية المختلفة التي تردد خلف المطرب الأساسي لازمة الأغنية، وأحياناً تتفوق عليه. والتي يتطلب عملها حرفية عالية وانسجاماً بين الأصوات وتدريباً مشتركاً ومضنياً، ليغني الكل كواحد مع اختلاف الطبقات الصوتية. ولكن ربما ظُلِم بعض "الرديدة" إعلامياً، أو لم تتح لهم الفرص المناسبة للظهور والدعم الفني الكافي للغناء بشكل منفرد، رغم أن العديد منهم أدوا "صولو" وتفردوا به، إلا أن هذه المحاولات لم تتطور لتضعهم في الصفوف الأمامية، وبقوا في معظم الأحيان الجنود المجهولين في الموسيقا والغناء، إلا فيما ندر.

طلال أبو حشيش

الفنان "طلال أبو حشيش" والمعروف بخامة صوته القوية، شارك في غناء العديد من الأعمال الفنية والأغاني التراثية، منها أداء "صولو" لأغنية "هدى البلبل على الرمان" من التراث الفلسطيني.

حول تجربته تحدث لـ "مدونة الموسيقا": «تعود البدايات لمنتصف الثمانينات تقريباً عندما انتسبت لفرقة "زنوبيا" بقيادة الراحل الأستاذ "حسين نازك"، وكانت فرقة معروفة في سوريا، واستمريت فيها لفترة طويلة، واعتبرها مدرستي التي تعلمت منها الكثير، وكان العمل مع الفرقة جماعياً في معظمه، ولكن هذا لم يمنع تأديتي لـ "الصولو"، إلا أنني كنت أجد نفسي في العمل الجماعي، وأسعى لأتطور به، واستمريت مع الفرقة إلى أن انحلت».

وفد مشارك بإكسبو دبي ويضم عدد من الرديدة البارزين

ويتابع: «ثم قمنا بتأسيس "كورال سوريا" وهو خطوة مهمة، حيث سجلنا الكثير من الأعمال في المسرح الغنائي وشارات المسلسلات التلفزيونية وأغانِ للمطربين، كما عملنا للخارج حيث كانت تٌرسل لنا الأعمال ونقوم بتنفيذها بأصواتنا، ولا نزال مستمرين إلى الآن. ومعظم الأناشيد التي سجلناها وغنيناها على المسرح كانت قومية قديمة. وهنالك أناشيد قدمتها الفرق الفلسطينية، حيث شاركت بالغناء معها، مثل فرقة "الأرض" وفرقة "القدس" وفرقة " العاشقين"، وكنت أؤدي فيها "الصولو" أيضاً. وعملت مع الكثير من المطربين، منهم: "وليد توفيق، وديع الصافي، صباح، ربى الجمال"».

اسبر داوود

أما الفنان "اسبر داوود" الذي له تجربة فنية غنية وطويلة، يقول: «بدأت التجربة عام 1988 عندما كنت في الكورال، ومطرب في فرقة "زنوبيا" التي تقدم أعمالاً فولوكلورية، وكانت لي "صولويات" ضمن اللوحات. وعملت فيما بعد مع فرقة خاصة، تقدم الموشحات والقدود والأدوار بقيادة الأستاذ "عدنان أبو الشامات"، ولي ضمنها تجارب فردية عبر أداء موشحات وأغانٍ».

الفنان طلال ابو حشيش

وعن تجربة عمله في الكورال يقول: «العمل معه صعب ويتطلب توحيد الأصوات بدقة عالية لتظهر النتيجة كما يجب، كنا نغني بطريقة أشبه بأداء مطرب، أي أن غناء الكورال له علاقة بالتكنيك الصوتي للمطربين، وقد ميزتنا تجاربنا في هذه الفرق، وخاصة مع فرقة "الأنغام العربية" بقيادة "عدنان أبو الشامات"، حيث غنينا المواويل ولأم كلثوم وعبد الوهاب».

وفيما يتعلق بتراجع الحالة الفنية للفرق القديمة، يقول: «أعتقد أن فرقة "الأنغام العربية" لا مثيل لها في الوطن العربي، وقد شاركنا في عدد من المهرجانات بـ "تونس، الجزائر" وفي دار الأوبرا في "القاهرة"، إضافة لمهرجان المحبة. وأرى أن مثل هذه الحالة الفنية باتت مفقودة حالياً، ولا أحد يعرف السر وراء نجاح مثل تلك الفرق. كنا نتعامل مع كل استوديوهات سوريا بدءاً من استوديو الإذاعة والتلفزيون لاستوديو "أسعد خوري" و"خلدون المالح" و"صديق دمشقي"».

الفنان اسبر داوود

يستذكر "اسبر داوود" عمله ضمن مسرحيات الفنان "دريد لحام" ومع الفنانة "أصالة نصري"، ومع "نانسي عجرم ومحمد خيري"، كما التزم لفترة طويلة جداً مع الفنان "جورج وسوف"، بدءاً من عام 1997. يقول: «كانت هذه التجارب حالة فنية خاصة، فلم نفكر بالعمل الفردي أو الحصول على الشهرة وإنما فكرنا بالعمل الجماعي، وكيف يمكن للفرقة مجتمعة ان تؤدي العمل. ومن المؤسف اختفاء هذه الفرق في الوقت الحالي، فهناك من سافر ومن توفي من مؤسسيها، ورغم وجود أعمال كورال منظمة حالياً إلا أنها ليست بقدر الفرق السابقة أبداً».

صديق دمشقي

عن تاريخ وآفاق مصطلح "الرديدة" تحدث الملحن "صديق دمشقي" لـ "مدونة الموسيقا" قائلاً: «كان يطلق هذا المصطلح على مجموعة من الرجال الذين يرددون وراء المطرب، ثم رفعوهم لتسمية" كورس" لأن المجموعة الغنائية أصبحت من الذكور والإناث، ومع تماشي التسميات الغربية أصبح اسمهم " كورال". وعدا عن دورهم بكل التسميات فالأداء هو نفسه، حيث يرددون وراء المطرب مطلع الأغنية "المذهب" أو جمل من "الكوبليه"». ويشير إلى تسمية "الجوقة"، التي هي مجموعة من الأصوات الرجالية والنسائية التي تقدم مقاطع غنائية بشكل جماعي، وممكن أن يتداخل معها صوت لشاب أو فتاة ومن نفس الجوقة.

الملحن صديق دمشقي

ويرى أن «العمل كـ "رديد" هو مدرسة غنائية تُكسب من يعمل بها خبرات كبيرة في الأداء الغنائي، كونه يشارك في غناء ألوان متعددة، وأهم ما يميزه أداء اللحن بشكله الأساسي دون إضافات "العرب الصوتية" أو "التطريب" أو حسب توجيهات ملحن العمل. وليس شرطاً أن يجيد من يعمل مطرباً العمل كـ "كورال" أو العكس. فهناك أصوات عديدة جميلة في "الكورال" لم تلق النجاح في إثبات تواجدها الفني كمطرب فردي إناثاً أم ذكوراً».